محمود جابر
فى رحلة الدكتور رفعت السعيد بحثا عن تفسير مناسب :
وفى محاولة لفهم هذا الاختلاط الطبقي نعود إلى تركيبة الجمعية
التشريعية– لجنة على غرار البرلمان شكلها المحتل الانجليزي - التى جرى انتخابها فى
1913 .
كبار الملاك 49 مقعد
محامون 8 مقاعد
تجار 4 مقاعد
مهندسون 3 مقعد
رجال دين 1
لكن المهم ان رقم 49 الذى يمثل أكثر من 80% من تركيبة الجمعية
العمومية كان وعبر مراجعة الأسماء يمثل أشخاصا مزدوجي الانتماء ملاك كبار يعملون
بالنشاط شبه الرأسمالي أو تجار يمتلكون أراضى زراعية، وهؤلاء هم الذين قادوا ثورة
1919م، قادوها بأساليب تنبع من هذا الخليط الطبقى الهجين أو الخلاسى بما انعكس
بالضرورة على قدراتهم النضالية وتطلعاتهم وتوجهاتهم الطبقية .
أما النمو الرأسمالى فقد تسيده رأسماليون أجانب او متمصرون، لكن
هذه الاستثمارات الأجنبية تنمو نموا مشوها عن عمد !!
فقد استهدفت بناء اقتصاد يعتمد على الاستيراد من الخارج، وفى عام
1914 كان 12% فقط من هذه الاستثمارات موجهة الى مشريع صناعية بسيط، بينما اتجه 73%
منه الى استثمارات زراعية ومراهنات وكانت الاستثمارات الصناعية تنمو ببطء شديد
للغاية وفى مواجهة شديدة من الاحتلال البريطانى ، وبينما كان القطن وبذرة القطن
يمثلان 79% من مجمل الصادرات المصرية فى اعوام 1885 – 1889م نجد النسبة تزدد سوءا،
فترتفع النسبة فى اعوام 1910- 1913م الى 90% .
فى 1916 كان هناك فى مصر كلها خمسة عشر مصنعا فقط تدار على النسق
الاوربى الحديث بعمالة يبلع مجموعها بين 30 الف إلى 35 ألف عاملا فقط ، وكانت
مملوكة جميعها للأجانب مع شراكة مصرية طفيفة .
وقد بدأ كبار الملاك يتطلعون إلى آفاق جديدة من الثراء مثل شركات لأراضى
، والشركات المساهمة والسندات والأسهم ... الخ وبدأت صور الإرباح الوفيرة للأنشطة الرأسمالية
تداعب خيالهم وتدفعهم الى محاولة إنشاء شركت مساهمة .
وفى
والحقيقة ان هذه المحاولة تستحق التأمل فهى توحى بان طبقة كبار
الملاك المختلطة مع التجار قد بدأت تدرك أهمية أساليب الاستثمار الرأسمالي ،
ولكنها أتت فقط فى مجال الزراعة والرهانات .
ولان بناء صناعة حديثة تتطلب خبرة وعقلية مختلفة عن تلك العقلية
المتأرجحة بين جمود كبار الملاك والتطلع الحذر نحو المستقبل الذى تقترب من العقلية
البرجوازية المقيدة هى ايضا بعقلية الملاك العقاريين فقد أفسح هؤلاء مساحة كبيرة
من نشاطهم المتجه للرأسمالية لشراكة أجنبية وفى غالب الأحيان لادراة أجنبية وهكذا
يمكن القول ان الرأسمالية قد عاشت فى رحم الملكية العقارية الكبيرة وارتاحت على
وسادة من الشركاء والمديرين الأجانب .. ولا شك ان ذلك قد أثر تأثيرا كبيرا على
مستقبلها وعلى دورها الوطنى ضد الاحتلال والذى ظل مترددا بين الرغبة فى تولى الحكم
والاستيلاء على السوق وبين الحجة للشراكة الأجنبية والإعجاب بهم ، والاعتماد عليهم
كما ان هذا النمو القزمى للبرجوازية المصرية قد سبقه نمو منطلق لطبقة عاملة ناهضة
استطاعت ان تقتبس من شركائها فى المصنع من العمال الأجانب أساليب نضالية كالإضراب
والاعتصام والتكوينات المنظمة مثل " جمعية بؤساء السكة الحديد " وعديد
من الروابط والسعى الحثيث لقيام حزب عمالى مثل حزب المصالح المشتركة للعمال وادى
هذا التفاوت فى سرعة التكوين المجتمعى ين طبقة العمال الناهضة والتى ازداد وعيها
وخبراتها التى اكتسبوها من العمال الأجانب فى الشركات والمصانع . وبين طبقة غنية
مترددة وتعيش فى جلباب التخلف الفكرى القديم وعدم قدرتها على الانطلاق نحو الحداثة
، الى صراع مرير انتهى بتوجيه ضربات شديد القسوة لتحركات الطبقة العاملة الكادحة .
هذه الرأسمالية المتأرجحة التى تتسم مواقفها بمزيج من الليبرالية
البرجوزية ورجعية كبار الملاك ، ربما انعكست على المحتوى الثقافى الاجتماعي والاقتصادي
فى مصر على مسار عقود طويلة وهذا المزيج اثر تاثيرا على موقف هذه الطبقة من
الاحتلال الاجنبى وجعله مائعا رغم تفاوت هذه الميوعة بين حزب الوفد الأكثر
راديكالية وأحزاب الأقلية الأقرب لموالاة الاحتلال وان كان الفحص الاجتماعي للجميع
تفوح منه رائحة هذه التركيبة المختلطة .
ولعل عبد الناصر إذ حاول ان يطبق مبادىء الثورة التى تحدثت عن
تصفية الإقطاع ( كبار الملاك) وتشيجيع الرأسمالية الوطنية " غير
المستغلة" (!) قد فوجىء بأن إذ طبق الإصلاح الزراعي قد ضرب فى الوقت ذاته رأسماليين
لم يكن يريد نظريا ان يضربهم. فعبود ( كبير الاحتكاريين) ومؤسسو بنك القاهرة
وعشرات غيرهم قد صادر الإصلاح الزراعي ملكيات واسعة من أراضيهم . ولعل هذه يفسر
تباعد هذه الطبقة عن اى استثمار جدى فى بدايات ثورة يوليو وربما اتضحت الصورة أكثر
وضوح عندما صدرت قررات التأميم فى بداية الستينات فإذا بالأسماء هى الأسماء .
فالذين خضعوا للإصلاح الزراعى فى عام
ولعل مراجعة هذه الرؤية يمكنها أن تفسر للباحث وللمارس السياسى
كثيرا من المواقف والأحداث احتار الكثيرون فى فهمها أو إدراك مغزاها .
وللحديث بقية
0 تعليقات