د. خالد قنديل
في الواحد والثلاثين من شهر أكتوبر من العام الماضي، قام رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بزيارة رفيعة المستوى للعاصمة العراقية بغداد برفقة وفد رفيع المستوى يضم عددا من الوزراء ومتخذي القرار في مصر، وذلك من أجل توقيع عدد من الاتفاقيات التجارية ومذكرات التفاهم بين البلدين، وتضمنت العديد من الاتفاقيات في مجالات النقل والموارد المائية والصحة والبيئة والعدل والاستثمار والإسكان والإعمار والصناعة والتجارة والمالية.
وقد شرفت بكوني أحد المشاركين في الوفد المصري بتلك الزيارة، ولمست
بنفسي كم كانت نتيجة هذه الزيارة مبهرة، وفي غاية الأهمية للبلدين، ومن شأنها نقل
العلاقات المصرية-العراقية نقلة نوعية من شأنها تعزيز التعاون التاريخي بين
البلدين، وقد كان لها أصول تاريخية كبيرة تواكبت مع دعم مصر لحركات التحرر من
الأنظمة المتعاونة مع الاستعمار، وكذلك في دعم النضال العربي في مواجهة الزحف
الصهيوني.
وإذا ما نظرنا إلى الاتفاقيات الموقعة فهي أكثر من رائعة تضاف إلى
سجل الإنجازات التي حققتها الحكومة المصرية على مستوى التعاون الدولي، لكن لكي
تتحول هذه الاتفاقيات إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع يجب أن نشرع في تنفيذ هذه
الاتفاقيات ونقل مذكرات التفاهم من المرحلة الورقية إلى المرحلة التجارية
والصناعية على أرض الواقع.
ولكي نتغلب على هذه العقبة وجب علينا أولا أن نفهم ونتفهم طبيعة
المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق، فالعراق دولة مكونة من عدد من
العرقيات والطوائف والائتلافات السياسية تمتزج فيما بينها مكونة دولة العراق، ولكي
يتم التعاون على أرض الواقع وجب التعاون ومخاطبة رؤساء هذه الطوائف والعرقيات
بصورة مباشرة، لأنهم هم من يمتلكون زمام المبادرة على الأرض، ومنهم زعيم التيار
الصدري مقتدى الصدر، ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود برزاني، والبرلماني
محمد الحلبوسي، ورؤساء الكتل السياسية الأمين العام لحزب الدعوة نوري المالكي،
والأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري، ورجل الدين الشيعي رئيس ائتلاف الحكمة
عمار الحكيم، ورئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي، ورئيس ائتلاف الوطنية إياد علاوي.
فعلى سبيل المثال لن تستطيع عقد اتفاقيات تجارية حقيقية في كردستان
العراق بدون التحدث ومخاطبة زعماء القبائل هناك بجانب حكومة الإقليم، وكذلك
الطوائف الشيعية والسنية والمسيحية والتركمانية وغيرها، ما يعني أن ما تم توقيعه
من اتفاقيات ومذكرات تفاهم لا يعني سوى موافقة شفهية من الحكومة العراقية الشقيقة،
ومنحها مفتاح العمل وتوسيع العلاقات إلى أبعد مدى في العراق، لكن لكي تستخدم هذا
المفتاح وتجتاز عتبة الباب يجب عليك أن تتفاهم مع أصحاب النفوذ الاقتصادي على
الأرض، ليكون الباب مفتوحا من ورائهم لمزيد من التعاون البناء والناجح الذي يصب في
مصلحة كلا البلدين.
وكما يقول المثل "جحا أولى بلحم ثوره" فتنمية العلاقات
المصرية العراقية تحافظ على استقلالية العراق، فمصر ليست مثل بعض البلدان الإقليمة
أو الأجنبية التي تسعى لتنفيذ أجندات سياسية من خلال تقوية علاقاتها التجارية
والاقتصادية مع العراق، فعلى مر التاريخ المصري كانت مصر سندا للأمة العربية، منحت
وساهمت وتعاونت مع جميع دول المنطقة للارتقاء بالأمة العربية بعيدا عن أي أطماع أو
مآرب شخصية، ووقفت مصر على مسافة واحدة من جميع الفرق الطائفية والعرقية، ليس فقط
في العراق ولكن في جميع الدول العربية كلبنان والسودان واليمن وسوريا وغيرها، فهل
ستلقى هذه الدعوة آذانا صاغية لكي يلتقي نهر النيل مع دجلة والفرات ليصبحوا رافدا
واحدا يصب في سبيل تقوية وتعزيز أمتنا العربية؟.
0 تعليقات