عمر حلمي الغول
الرئيس المنتهية
ولايته، دونالد ترامب في السادس من كانون أول / يناير الماضي (2021) بعد تحريض
أنصاره من العنصريين البيض، ورجال العصابات وميليشيات المرتزقة على إشعال نيران
الفوضى والفلتان الأمني في مبنى الكابيتول في العاصمة واشنطن وتحطيم صورة أميركا
في سابقة خطيرة لم تشهدها منذ عام 1814، ومع بدء أعمال جلسات المجلسين لإقرار
النتائج النهائية للانتخابات، وفي رفض معلن لتلك النتائج سلفا، رغم إذاعته لاحقا
بفوز جو بايدن ب306 أصوات من المجمع الإنتخابي مقابل 232 له بعد مصادقة الهيئات
التشريعية ، أدعى إن إدارته كانت الإدارة الأهم في تاريخ الولايات المتحدة، والتي
صنعت مجددا مجد الولايات المتحدة (!؟). وهو ما يكشف بشكل موضوعي عن رجل لا يملك
حدا أدنى من المسؤولية، وفاقد الأهلية السياسية والأخلاقية والسيكولوجية.
وهذة النتيجة ليست
جديدة، ولا تحريضه على الكراهية وإنتاج الفوضى والتخريب وتهديد الأمن القومي
مفاجئا، لإنه منذ خاض حملته الانتخابية عام 2016، وبعد توليه الرئاسة، وهو يمارس
عمليات التحريض العنصرية، أضف إلى انه حرض على الانتخابات قبل فترة سابقة على
إجرائها، وبعد تبني جهات الاختصاص التصويت عبر البريد الاليكتروني، وهو يعلن أن الانتخابات
ستكون مزورة، ولن تكون نزيهة وشفافة. وبعد إجراء الانتخابات رفع ومناصروه عشرات
الطعون في الولايات والمدن المختلفة لإفشال العملية الديمقراطية، لكن كل محاولاته
باءت بالفشل. ومازال حتى اللحظة الراهنة، ورغم إقراره بالهزيمة، إلآ انه أقر بها
بعدما انفض من حوله معظم شركائه بمن فيهم بنس، نائب الرئيس، والعديد من زعماء
وقادة الحزب الجمهوري.
ترامب بما قام به من
عمليات تحريض، وهو يقف على رأس السلطة، وعشية رحيله عن البيت الأبيض، وما ادت له
من نتائج وخيمة على المستويين الداخلي والخارجي، والتي كسرت المحرمات، وهشمت ركائز
الديمقراطية، وحطمت صورة ومكانة أميركا، هزم الولايات المتحدة. نعم وضع الف اسفين
وخازوق في مركبات بلاد العم سام، وعمق عوامل تفككها. ومن لا يرى ذلك يكون اسيرا
وخاضعا لبارانوي اميركا القوية، او لا يدرك أبعاد ما حصل. لا سيما وان اقتحام مبنى
الكابيتول مع انطلاق جلسات المجلسين، وتحطيم النوافذ والأبواب والمكاتب، وسرقة
الوثائق المتعلقة بالأمن القومي، وتعريض امن السلطات التشريعية والتنفيذية للخطر،
كانت عملا خطيرا، قامت به ونفذته عصابات البيض العنصرية ومجموعات من المرتزقة المأجورين،
مما أعاد للأذهان صورة جمهوريات الموز، وهو مؤشر عميق الدلالة على السقوط المريع
لهيبة ومكانة الدولة، وتجذر التشظي في البناء الفوقي الأميركي، وأتساع وازدياد حدة
التناقضات التناحرية بين البيض العنصريين والسود والملونيين، بالإضافة للتناقضات
التناحرية الطبقية الإجتماعية، وتردي حالة الثقافة الأميركية، وإفلاس المنظومة
القيمية للإمبراطورية الأيلة للسقوط والتفكك.
تاجر العقارات أكمل
مشوار من سبقوه من الرؤساء السابقين في تعميق الأزمات البنيوية الحادة في البيت
الأميركي، وسرع بفقدانه الأهلية بمستوياتها المختلفة، وبغطرسته ونرجسيته وشعبويته
المنفلتة من عقالها الشرخ داخل المؤسسات الفيدرالية الأميركية، وضاعف من حدة أزمة
الحزب الجمهوري نفسه، ولم تقتصر عبثية الرئيس ال45 عند حدود الداخل الأميركي، بل
انه قام بشكل لا منهجي وإعتباطي ولا مسؤول بتقطيع اوصال العلاقات الأميركية مع
الحلفاء الغربيين وغيرهم من الأقطاب والدول، وقاد سياسة مشحونة بالرعونة
والإنفلات، ومتناقضة مع مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية، وهدد السلم والأمن
العالميين أكثر من مرة، ومازال تهديده قائما حتى رحيله وما بعد ذلك، لإنه راكم كما
مضاعفا من الأزمات، ووضع العديد من العقد في السياسات الأميركية مع الأعداء
والأصدقاء بإستثناء الدولة المارقة والخارجة على القانون الدولي، دولة الإستعمار
الإسرائيلية.
أميركا بعد السادس من
كانون ثاني / يناير 2021 ليست أميركا ما قبل هذا التاريخ. العالم يقف الآن أمام
دولة جديدة في طريقها نحو الإنهيار والإفلاس السياسي والإقتصادي والإجتماعي
والثقافي والأخلاقي، بالتأكيد سيحاول الرئيس جو بايدن وفريقه إصلاح ما يمكن إصلاحه
مما دمره وخربه الرئيس المنتهية ولايته. لكن لا تقاد كل عمليات الإنقاذ والإصلاح
بالنوايا الطيبة، والرغبة الذاتية، لإن هناك قوانين للتناقضات الإجتماعية المركبة
تفعل فعلها في المجتمع، كما الزلازل الناجمة عن تفكك تدريجي للقشرة والطبقات
الأرضية، وكما الإنهيارات الطبيعية والإجتماعية الناجمة عن الإنزياحات التدريجية،
أو وفق مبدأ "الخطوة خطوة" ودون إدراك المجتمع لخطورة عملية الانهيار والتحلل
الجارية في الواقع.
إدعاء ترامب عن "عظمة"
إدارته، إنما هو دليل حاسم على شعبوية وتهافت وبؤس وفقر حال المنطق الترامبي،
وإنعكاس لجهل وإفلاس المسكون ب"الأنا". رجل العقارات هزم اميركا، وهزم
الحزب الجمهوري، ولم يهزم شخصه فقط، ووضع الولايات المتحدة على صفيح ساخن له ما
بعده من التداعيات الخطيرة على مستقبل الدولة الفيدرالية، والمستقبل القريب
والمنظور سيعطي مصداقية الإستنتاج من عدمه.
0 تعليقات