محمود جابر
يواصل الدكتور رفعت السعيد فى وصف ومنهج محمد على فى بناء العقل
المصرى الحديث يقول :
مضى محمد على فى خطة استيعاب الفئة الجديدة من المثقفين وتحويلها
إلى طبقة مميزة تعمل فى خدمته. وطوال الفترة الممتدة من قيام محمد على بإلغاء نظام
الالتزام وحتى طرد اسماعيل كان حاكم مصر هو اكبر مالك للأرض. بل كان يمتلك الحق فى
ملكية مصر كلها وبفضل هذا الحق كان محمد على وخلفاؤه هم المنبع الرئيسى لتملك
الآخرين للأرض الزراعية، فكل الملكيات الزراعية الكبيرة قد نبعت من مصدر وحيد وهو
الحاكم ..
هذه الملكية لم تكن للرأسماليين والأغنياء، ولكن لأشخاص معينين
يردي لهم الوالى أن يصبحوا أعيانا وملاك أرض، وهى تلك الفئة من المتعلمين الذين
توظفوا ثم ترقوا ثم تحولوا الى ملاك كبار بفضل إنعامات الباشا.. ونذكر منهم :
- بهجت باشا الذى منحه محمد على عهدة قريتين يبلغ زمامهما 1800
فدان ثم جاء عباس ومنحه 400 فدان أخرى .
- حامد أبو ستيت وكان ابن فلاح فقير وبعد ان ترقى فى سلك الوظائف
حتى أصبح حاكم جرجا ثم قنا وأصبح يمتلك 700 فدان بالإضافة الى 100 فدان من النخيل .
- صالح بك مجدى الذى أخذه بدون علم أهله وهو ابن ست سنوات وترقى
حتى أصبح اميرلاى وناظر بمدرسة المهندسخانة، مع الأخذ بملحوظة ان جميع مدارس محمد
على كانت مدارس بنظام العسكرية وان المتخرج كان يمنح فى الغالب رتبة عسكرية .
- عبد الله أبو السعود انتخبه السيد رفاعة الطهطاوى فى مدرسة الألسن
وترقى إلى رتبة البكباشى، ثم الى رتبة القائمقام وعضو مجلس الاستئناف .
- وفى قرية الكداية أبو بكر أفندى رامز أحد المهندسين وتوظف خوجه
رياضة بمدرسة الطوبجية ثم مفتش تنظيم بالمحروسة .
- محمود أفندى إبراهيم وكان حكيم ( طبيب) المدارس وترقى حتى أصبح
بكباشى .
- أحمد أفندى الأزهري وكيل قلم الهندسة وكن يجيد اللغة التليانية
والتركية وحصل على رتبة قائمقام .
-
محمد أفندى عبد الغنى المعاون بديوان المالية .
وفى عام 1839م، كان تعداد الجيش المصرى 276616 جندى وبحار.
وفى عام 1837م كان هناك 29 مصنعا حديثا تضم 30 الالف عاملا.
وكانت عمال الترسانة البحرية فى الاسكندرية حوالى ثمانية آلاف
عاملا من ابناء الفلاحين .
وفى 1832 كان عدد تلاميذ مدرسة القصر العينى وحدها 1220طالبا .
لكن هذه النهضة التعليمية ما لبثت ان تعرضت لنكسة فى زمن الخديو
عباس الأول. وربما كان التسيب فى التعليم ومخرجاته أحد اسبابها ونقرأ فى رسالة منه
إلى إلى مدير ديوان المدارس عند وصوله الى مديرية المنيا وبامتحان المهندسين
المتخرجين والمتربين فى ديوان المدارس وجدهم لا يجيدون حتى عملية ضرب الحساب وبناء
عليه اتخذ قرارا بطرد الاساتذة والمهندسين من الخدمة ابديا وتجريدهم من نياشينهم
وارسالهم الى الحكومة .
وهنا نلاحظ ان تردى عملية التعليم مع امتلاك مساحات شاسعة من الارض
وبلوغهم مستوى جديد فى السلم الاجتماعى مع الجهل هنا تحول اغلبهم الى خداما للوالى
وللحكام، ومن حاول منهم ان يكون صاحب رى كرفاعة الطهطاوى صاحب النهضة والمشارك
فيها فقد نفى الى طوكر بالسودان ليعمل " خوجه" فى احد مدارسها لبضعة
تلاميذ .
وهذا المثقف لا سبيل له الا التوظيف الحكومى والحكومى لا تعترف ولا
تعرف الرأى الآخر . ويظل المثقف أسيرا للوظيفة الحكومية حتى ما بعد منتصف القرن
الماضى فقد ظل المثقفون وباستثناءات نادرة جدا يعملون لدى حكومة تتطلب منهم – دوم
– ان يكتموا فى اعماقهم اية انفاس تدعو الى تحرر او الديمقراطية او الليبرالية .
وحتى ذلك الموقع المحاصر فكريا وثقافيا تعرض للنهب من جانب
الموظفين الأجانب الذين استحوذوا على أكثر الفص وأعلاها مرتبة ومرتبا .
يقول روزنشتين فى كتابة " دمار مصر" : لقد زاد عدد
الموظفين الاجانب باطراد . وفى الفترة من 1864 – 1870 عيد 160 اجنبيا وف 1871 –
1875 عين 201، وفى 1876 وحدها جىء بما لايقل عن 119 أجنبيا حشروا فى سلك الخدمة
الحكومية حشرا وفى 1877 عين 76 وفى 1878 عين 131 .
ويعلق مراسل التيمس على ذلك قائلا: ان معظم كبار الموظفين قد أصبحوا
من الأجانب الذين تصرف لهم مرتبات ضخمة؛ لتهدئة حنينيهم الى الوطن وتعويضهم عن
آلام الغربة ، وهؤلاء الأجانب كانوا يتقاضون جملة مرتبات تبلغ 60 الف جنيها سنويا
فى مقابل أعمال تافهة .
ويتزايد عدد الموظفين الاجانب حتى يبلغ فى مارس 1880 حوالى 1355
موظفا مجموع مرتباتهم 379056 جنيها سنويا، بينما كان عدد الموزفين المصريين كلهم
يبلغ 9200 موظفا، ولكن الاهم فى ذلك ان المرتبات الاعلى والاجور االكبيرة من نصيب
الاجانب .
ولم يكن الاجانب هم المنافسون الوحيدون فهناك الاتراك والشراكسة
وهناك ايضا ابناء كبار الملاك ذلك الجيل الجديد من شباب الاعيان الذين امتد نشاطه
لى دواوين الحكومة فارضا سلطانه ونفوذه، وبعد هؤلاء الموظفين الشوام .
وثمة نموذج غريب لعله يعبر عن قيام نوع جديد من الاقطاع وهو
الاقطاع الوظيفى، والذى مارسه قلينى فهمى باشا وهو احد ابناء الملتزمين الكبار
وكان يدير جملة مصالح فى آن واحد منها مصلحة الدخليات فى عموم القطر والملح
والقطران ومصالح المصايد السمكية بالنيل والبحر الاحمر والبحر الابيض ومصلحة
الملاحة ودهبيات النيل والمراكب ودمغة المصوغات وكان ايضا عضوا فى لجنة تعيين
المستخدمين بالحكومة ورئيسا لمجلس التأديب .
وللحديث بقية
بناة مصر الحديثة العقل المصرى كيف تكون وكيف يتجدد؟ {6}
0 تعليقات