آخر الأخبار

المحاكمة الموضوعية للحدث

 

 




 

عمر حلمي الغول

 

لعل تأخري في تناول موضوع مقام النبي موسى ساعدني أكثر في استيضاح الصورة بشكل أفضل. لا سيما وان الضجيج والانفعال والمواقف الإرادية والإسقاطية وغياب المعلومات الدقيقة والمسؤولة تركت إنعكاسات سلبية، وألقت بضلال كثيفة على عدد كبير من المراقبين بمن في ذلك بعض المسؤولين.

 

أضف إلى ان الجهات الحكومية المسؤولة وقعت تحت ضغط اللحظة وما رافقها من صخب مفتعل، أو مبالغ به. وحتى لجنة التحقيق التي شُّكلت، وقعت ايضا في نفس الخطأ، وهذا ما يمكن استنتاجه من نتائج ما أوصت به يوم الجمعة (أمس) الموافق 1/1/2021، حيث بدا انها لم توفق في الإمساك بناصية المحاكمة الموضوعية. لأنها مازالت تحت تأثير الهجمة، مما دفعها لإن تلجأ لإشباع رغبات الرأي العام أكثر من وضع الأصبع على الجرح، وإجاء محاكمة دقيقة.

 

مما لا شك فيه، ان ما حدث يوم السبت الماضي الموافق 26 /12/2020 في مقام النبي موسى، وهو مقام ديني وتاريخي وسياحي أشاع مناخا تحريضيا، ومتغولا من قبل العديد من الجماعات الدينية والمحافظة والمطبلين ضد الحكومة والسلطة عموما، حتى بعض القيادات وقعت في المحذور من حيث تدري او لا تدري، وتم خلط المعايير والقيم والقوانين، وجانب الصواب، ولم يفسح في المجال لتبيان الخيط الأبيض من الأسود، حتى كأن الحكومة قد اسقط في يدها، فلجأت لإسهل الحلول عبر تشكيل لجنة تحقيق بالحدث، واللجنة بدورها كانت معنية بتقديم جواب باسرع وقت ممكن، وهو ما فعلته فعلا، لتطوي صفحة الملف، وسبق ذلك إصدار قرار إنفعالي باعتقال الفنانة سما عبد الهادي (DG) لمدة أسبوعين على ذمة التحقيق، وهذا مخالف لأبسط المعايير القانونية.

 

ومن خلال التدقيق في الحدث وخلفياته، اكتشفت انني وقعت تحت تأثير الحالة الشعبوية الإنفعالية، وعلقت بشكل متسرع ايضا على ما جري، دون التروي، والعودة لجهات الاختصاص، ومعرفة خلفيات الأمر، وباختصار أود ان أسجل بعض النقاط الموضوعية الناظمة لمحاكمة الحدث، منها:

 

 أولا إن مقام النبي موسى تاريخيا، هو مقام ديني سياحي، وكانت تجري فيه الاحتفالات سنويا فيما مضى، ويأتيه الناس من كل حدب وصوب بما في ذلك الفرق الفنية بمختلف مشاربها؛ ثانيا المكان منذ زمن بعيد مهمل، ولا يوجد رعاية به من جهات الاختصاص، ولم تتم حمايته وحراسته؛ ثالثا وفق سياسة كل من وزارتي السياحة والأوقاف تم تأجير ومنح التراخيص للفرقة الفنية والجهات المشرفة عليها بتاريخ سابق على الكورونا، وذلك بهدف الترويج السياحي للأماكن الأثرية والتاريخية والدينية في كل المحافظات والمدن والقرى الفلسطينية بخلفية وطنية واقتصادية، وليس بخلفية الإساءة؛ رابعا الحفل لم يقم في المسجد، ولم يتم الاقتراب منه، وبالتالي الضجيج الذي رافق الحدث، تبين انه رغبوي وغائي، وليس موضوعي، وجانب الصواب؛ خامسا المقام يخص أتباع الديانات السماوية الثلاث، وليس أتباع الديانة الإسلامية، وهو مزار لبني الإنسان من كل المعتقدات والأمم، وقبلة سياحية؛ سادسا لم يكن اعتقال الفنانة سما موضوعيا، كان يمكن اتخاذ ما يلزم من إجراءات بعد التحقيق، كما أجرته اللجنة الحكومية، وفي ضوء النتائج كان يمكن توجيه التهمة لها من عدمه، أو اعتقالها من عدم اعتقالها، بالضبط كما فعلت مع ممثلي الوزارتين المختصتين، حيث وجهت اللجنة اللائمة لجهات الاختصاص في وزارتي السياحة والأوقاف، وحملتهما بعض المسؤوليات عما جرى بعد التحقيق، وليس قبله. كما ان اللجنة جانبت الصواب اللجنة الحكومية في حصر المسؤولية في جهات الاختصاص، مع ان المسؤولية كان يفترض ان توجه للمرجعيات وللقائمين على الوازارتين، وليس على المعنيين بالملفات ذات الصلة فقط.

 

ما تقدم، لا يعني أن القائمين على الحفل لم يخطئوا، لا بل اخطأوا، لإنهم خالفوا قانون الطوارىء، ولم يلتزموا بالمعايير القانونية، حتى لو كان لديهم ترخيص بإقامة فعاليات فنية ثقافية في المقام. لإنه حسبما اعتقد، الترخيص منح لهم ولشركتهم منذ فترة سابقة لقانون الطوارى (لا يوجد عندي معلومة دقيقة هنا، وبالتالي يحتمل إجتهادي الوجهين الصواب والخطأ)، وكان عليهم إجراء الفعالية في أوقات لا تتناقض مع نصوص القانون، أو تأجيلها لحين إنتهاء حالة الطوارىء. ايضا كان على كل من جهات الإختصاص في وزارتي السياحة والأوقاف مراجعة العقود المبرمة لديهم ذات الصلة بعملهم وإختصاصهم، وطرح الموضوع على مرجعياتهم السياسية والدينية والفنية لتفادي الخلل.

 

العنوان الأهم، الذي يفترض ان نبقي البوصلة موجهة عليه، هو تثبيت النظام والقانون الأساسي (الدستور) كناظم لعمل الهيئات والمؤسسات الأهلية والرسمية، وعدم الإنجرار وراء المجموعات الشعبوية والمتصيدة والمحافظة، التي تعمل على جر البلاد والشعب لمتاهة التخلف والنكوص عن التقدم والرقي ومجاراة روح القانون والعصر.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات