بهاء الدين عياد
ثورة يناير العظيمة.. كانت أيضا مسرح عمليات ضخم لأجهزة المخابرات
العالمية الصديقة والعدوة، ليس فقط من الدول الكبرى ولكن من كل الأطراف حتى من دون
الدول.. وهذه الأجهزة لم تهبط من السماء بل كانت تمارس عملها الطبيعي قبل تنشيطه وتعزيزه
بعناصر وأدوات عديدة.. لا ينبع ذلك من طبيعة دور خارجي بارز ومحرك للأحداث كما جرى
في ساحات وثورات أخرى.. لكنه نابع بالأساس من أهمية القاهرة وأهمية الحدث وطبيعة
الثورة التي جاءت كعدوى من الخارج وضمن موجة إقليمية كادت تعيد تشكيل النظام
الإقليمي برمته.. فضلا -وبطبيعة الحال- عن ارتباطات بعض الأطراف المشاركة بالثورة
والمتفاعلة معها بالخارج.. إلى درجة السيطرة والارتهان والعمالة والخيانة والهبوط
ببراشوط على الأحداث ..
لكن دعني أوضح لك أن التفرقة هنا بين ثورة يناير وأحداث يناير.. لم
يكن ملايين المصريين الذين خرجوا لترديد مطالب كادت تكون محل إجماع بين المصريين
سواء كانوا معارضين او مواطنين عاديين، أعضاء في "مؤامرة" إن وجدت، بل
لا أبالغ حين أقول ان معظم الأجهزة الأمنية أيضا كانت ترى الطوفان قادم بفعل
ممارسات نظام مبارك ورجاله وشرطته.. والأهم غياب الأفق حول مستقبل انتقال السلطة
أو خلافة مبارك... وهناك أدلة ومحاضر اجتماعات وحوارات وشهادات تثبت ذلك..
نجحت ثورة يناير باستمرار زخمها وسرعة حركته مقارنة بانهيار وعجز
وبطء حركة الرئيس ونظامه.. لدرجة أن احد أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي
أعلن اجتماعه - وربما أعلن عن نفسه- للمرة الأولى خلال الأحداث، قال للسادة زملاءه
بالمجلس "لن يرسل مبارك ردا حتى لو انتظرناه إلى يوم القيامة"، وذلك بعد
مطالبتهم نهائيا وبالإجماع بالتنحي.
قامت أجهزة الأمن والمعلومات في مصر بدور عظيم في مواجهة
الاختراقات الخطيرة التي حدثت، وظهرت قضايا تتهم فيها أطراف وجهات أجنبية باستغلال
الأحداث والتأثير عليها.. القضية الأشهر كانت قضية الجاسوس المحرض الإسرائيلي الذي
تم ضبطه بالفعل وهو ضابط بالخدمة وليس عميل ما يوحي بدرجة الاستهانة التي توهمها
هؤلاء ..
اعترفت الأجهزة الأمنية والقيادات العسكرية والسلطات القضائية
والدستور والحكومة والرئيس بثورة يناير وشهداءها ومصابيها رسميا..
لا ننسى أن الثوار
المشاركين رفعوا صور قيادات أمنية استشهدت خلال الأحداث وقبل انتهاء الثورة
والانتفاضة الشعبية العفوية التي استمرت أقل من شهر في عمر هذا الوطن.. نعم لم
يكونوا متآمرين ولا ثائرين.. كانوا حالمين ومصممين على التغيير الذي لم يحدث في
المريخ بل تفاعل مع كل ما هو قائم وأنتج انكشاف تاريخي للخونة وأعداء البلد.. وجعل
البلاد تعيش مجددا حالة صحوة واستفاقة جددت دماءها حتى وإن تعثرت خطاها.. لكن مصر
بعد يناير لم تعد كما كانت من جمود وركود النظام ووهم وخديعة التيارات الدينية
وعملاء الخارج.
0 تعليقات