المشاهد لحفل تنصيب الرئيس بايدن اليوم بعد ان فرضت أجهزة الأمن
منطقة عازلة أو خضراء، فلم أجد فرقا بين واشنطن وبين بغداد !!
اليمين المتطرف في الولايات المتحدة تلقى جرعة عالية من التشجيع
والتصعيد غير مسبوق في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو المرشح الوحيد
الذى جاء من خارج البنية التقليدية للحزب الجمهوري- نتيجة مباشرة لاتساع نفوذ هذا
التيار داخل الحزب وأيضاً مُحفِّزاً لتعزيز دوره باستمرار.
صعود ترامب جاء نتيجة تحالف بين رجال الأعمال وجماعات دينية
إنجيلية وممثلين عن الولايات الريفية والجنوبية، وكانت أجندته تركز أساساً على
قضيتين رئيسيتين:
أولها: تحرير الاقتصاد من
القيود الحكومية وخفض الضرائب على الأفراد والشركات من ناحية.
الثانى : الحفاظ على قيم
الأسرة ومناهضة الإجهاض من ناحية أخرى.
أصحاب هذه الرؤية قبل ترامب كانوا يمثلون أقلية عددية ومهمة داخل
الحزب الجمهوري ولم يكن لهم أى تأثير على سياسات الحزب في الانتخابات.
مكونات اليمين :
ينقسم التيار اليمينى من تيارين متقاربين
الى قد كبير :
الأول، تمثله جماعات الكلو كلكس
كلان KKK والجماعات النازية الجديدة، ويتبنى أفكاراً قائمة على العنصرية
وتفوق الجنس الأبيض، ويهدف إلى تطهير الولايات المتحدة من الأجناس الأخرى.
و الثاني، يتبنى
أفكاراً ليبرتارية ( اليسار الليبرالى اليمنيى) ، وهو أقرب إلى الجماعات الأناركية
اليسارية، حيث أنه يرفض دولة الرفاه ، أو الدولة الخادمة.
كما يرفض تمدد سلطات الحكومة الفيدرالية ويسعى إلى تعزيز سلطات
المقاطعات والولايات في مواجهتها ويؤكد على حق المواطن الأمريكي في حمل السلاح
لمناهضة محاولات الحكومة الفيدرالية لتعزيز سلطاتها.
ويشمل هذا التيار عدداً من الحركات المسلحة وغير المسلحة، مثل حركة
حزب الشاى ، والجمعية الوطنية للبنادق، وحركة المليشيات المسلحة، وحركة الموطنين
أصحاب السياد ، وحركة حافظو القسم، وحركة الثلاثة في المائة ، كما انضمت لها في
السنوات الأخيرة حركات جديدة مثل حركة كيو انون، وحركة الفتيان الفخورين.
الملفت أن الكثير من هذه الحركات تضم أعضاءاً حاليين وسابقين في
الشرطة والجيش الأمريكي، وهناك حركات تتشكل بالكامل من هذه الفئة مثل حركة حافظي
القسم والتي تؤكد على ضرورة قيام أعضاء الجيش والشرطة بحماية الدستور الأمريكي في
مواجهة محاولات الحكومة الفيدرالية لتوسيع سلطاتها.
وبالرغم من تباين أولوياتهم، إلا أن أعضاء اليمين المتطرف يجمع
بينهم عداء مشترك للحكومة الفيدرالية وممثليها، وتنتشر بينهم نظريات مؤامرة حول
تواطؤ الأخيرة مع جماعات شيوعية واشتراكية من أجل تأسيس نظام حكم اشتراكي شمولي في
الولايات المتحدة.
ويتبنى أعضاء هذه الجماعات توجهات عدائية شديدة للعولمة والانفتاح
الاقتصادي والمنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة، كما يرفضون انخراط
الولايات المتحدة في صراعات مسلحة في الخارج، فضلاً عن أى سياسات اجتماعية مثل
التأمين الصحي الشامل والتأمين الاجتماعي والحد الأدنى للأجور، ويرونها جزءاً من
مؤامرة لتأسيس نظام اشتراكي شمولي في البلاد، وأخيراً يبدي العديد منهم مواقف
عدائية للتيار الجمهوري التقليدي الذي يدعم سياسات العولمة والتعاون الدولي
والانخراط العسكري في الخارج ومكافحة التغيير المناخي.
وفي السنوات الأخيرة، أصبح التشكيك في صحة ظاهرة التغيير المناخي
من القضايا المهمة في خطاب اليمين المتطرف، حيث يدعي أنصار هذا التيار أن نظرية
التغيير المناخي ما هى إلا مؤامرة أخرى تسعى من خلالها الحكومة الفيدرالية إلى
تعزيز سلطاتها وتقييد حقوق القطاع الخاص والمواطن، وبالفعل نجح هذا التيار في
تعطيل العديد من التشريعات التي سعت إلى احتواء التغيير المناخي في الولايات
المتحدة.
تصاعد اليمين ( الترامبية)
منذ التسعينيات من القرن الماضي، وخاصة منذ انتخاب الرئيس الأسبق
باراك أوباما عام 2008، بدأ نفوذ هذا التيار يتصاعد داخل الحزب الجمهوري لعدة
أسباب، منها قيام أوباما بتبني العديد من السياسات الطموحة مثل تطبيق التأمين
الصحي الشامل واتخاذ العديد من الإجراءات الهادفة إلى حماية البيئة والتحول إلى
مصادر الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر، هذا بالإضافة إلى كون أوباما أول رئيس
أمريكي أسود.
كما قامت إدارته بتبني
برامج وسياسات لتعزيز الحريات الجنسية والإنجابية وتحقيق المساواة والفرص
المتكافئة بين الجنسين وبين المواطنين من أصول عرقية مختلفة وهذا ما استفز هذه
الجماعات ودفعها للتوحد .
ونتج عن هذه التطورات تشكل تحالف بين بليونيرات النفط، وفي مقدمتهم
الأخوة ديفيد وشارلز كوك من ناحية، وبين التيارات التي تتبنى أفكاراً عنصرية
وليبرتارية مناهضة للحكومة الفيدرالية ودولة الرفاه من ناحية أخرى.
هذا التحالف تلقى دفعة قوية، حين قام الأخوان كوك وآخرون بضخ مئات
الملايين من الدولارات لدعم مرشحي هذه التيارات في الانتخابات النيابية وتمويل
منظمات فكرية وسياسية تدعم هذا التيار.
وقد نجحت هذه الجهود في الدفع بعدد كبير من ممثلي هذا التيار إلى
مجلسى الشيوخ والنواب، كما أدت إلى انتشار أفكار هذا التيار بشكل واسع في أوساط
قواعد الحزب الجمهوري والمنصات الإعلامية اليمينية مما كان له دور مهم في صعود
المرشح ترامب إلى الرئاسة عام 2016.
وقد قام ترامب خلال فترة رئاسته بإتباع العديد من السياسات التي
تبناها اليمين المتطرف، وكان منها:
-
الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ
-
إلغاء معظم السياسات التي تهدف إلى حماية البيئة
-
تشجيع استخدام مصادر الطاقة النظيفة
-
إضعاف المنظمات والتحالفات
الدولية .
-
انتهاج سياسات اقتصادية حمائية.
-
حاول إلغاء نظام التأمين الصحي الشامل.
-
وقام بإلغاء عدد من البرامج الاجتماعية التي
تستهدف الفئات الأفقر في المجتمع الأمريكي.
وعلى الرغم من سقوط ترامب فى الانتخابات الأخيرة ولكن يظل صعود نفوذ اليمين المتطرف داخل
الحزب الجمهوري وداخل المجتمع الأمريكي، مصدر قلق وعدم استقرار في الفترة القادمة،
خاصة بعد لجوء أنصار هذا التيار لاستخدام العنف في محاولة لتعطيل عملية انتقال
السلطة للحزب الديمقراطي. وقد أكدت العديد من تقديرات الأجهزة الأمنية الأمريكية
أن الجماعات اليمينية المسلحة أصبحت أكبر مصدر للعنف والإرهاب في المجتمع الأمريكي.
وترى اتجاهات أمريكية عديدة أن احتواء اليمين المتطرف يتطلب أيضاً
قيام تيار اليمين الوسط، أو اليمين التقليدي داخل الحزب الجمهوري، بالانقلاب على
اليمين المتطرف واتخاذ موقف رافض تجاه أفكاره العنصرية والمتطرفة وتجاوزاته إزاء
المبادئ والثوابت الدستورية والقانونية للنظام السياسي الأمريكي، إذ قام العديد من
قيادات الحزب في السنوات الأخيرة، مثل مايك بنس نائب الرئيس السابق وميتش ماكونل
زعيم الأغلبية السابق وآخرين، بانتهاج سياسة انتهازية تجاه تصاعد اليمين المتطرف
خوفاً من انقلاب قواعد الحزب عليهم وكذلك تجنباً لتراجع قنوات التمويل الانتخابي
والتي أصبح يتحكم فيها نخبة من رجال الأعمال الممثلين لقطاعات الوقود الأحفوري
والمتحكمين في شبكة واسعة من المنظمات السياسية والإعلامية التي تدعم مصالحهم الرافضة
لتقييد أنشطة وأرباح شركات النفط وتبني سياسات داعمة للتحول لمصادر الطاقة البديلة
والاقتصاد الأخضر.
وقد دفعت تطورات عديدة في الفترة الأخيرة في اتجاه إظهار الأضرار
التي نتجت عن هذه السياسة الانتهازية التي تبناها قيادات الحزب تجاه اليمين
المتطرف. فبالإضافة إلى سقوط ترامب وسيطرة الديمقراطيين على مجلسى الشيوخ والنواب
في الانتخابات الأخيرة، فقد كان انقلاب ولايات مثل جورجيا وأريزونا على الحزب
الجمهوري مؤشراً على تراجع قبضة الحزب حتى في بعض معاقله التقليدية.
كذلك، فإن رفض ترامب وقطاع كبير من أنصاره داخل الكونجرس الأمريكي
وخارجه الاعتراف بنتائج الانتخابات رغم انتفاء أى دلائل حقيقية على حدوث تزوير
وقيام متظاهرين ممثلين عن حركات اليمين المتطرف باقتحام مبنى البرلمان، أحدث
انشقاقاً كبيراً داخل الحزب الجمهوري تجلى في الإدانات الواسعة لأحداث اقتحام
الكونجرس وفي قيام عشرة نواب جمهوريين في مجلس الشيوخ بالتصويت لصالح اقتراح بعزل
ترامب عن السلطة قبل انتهاء مدة ولايته وتقديمه للمحاكمة.
هذه التطورات في مجملها تهمد الطريق أمام تصاعد تيار يمين الوسط
على حساب اليمين المتطرف في الفترة القادمة، وهو ما قد يساهم في بناء توافق بين
الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول ضرورة إقرار إصلاحات سياسية تحول دون نجاح قوى
متطرفة في السيطرة على المؤسسات الديمقراطية الأمريكية وتهديد استقرارها
واستمراريتها في المستقبل.
0 تعليقات