قراءة لحوار جناب قاسم
سليمانى ...
بقلم / محمود جابر
في فبراير / شباط من العام ٢٠١٤، جلس قاسم سليماني، قائد قوة القدس
في الحرس الثوري الإيراني، مع مجموعة من رفاقه ممن قاتلوا في الحرب العراقية- الإيرانية
في مدينة كرمان، وهناك تحدث إليهم عن نظرته للثورة، للعالم الإسلامي، لسوريا
والعراق، ولإيران.
فماذا قال سليمانى ؟
بداية الكلام: " نحن ندرك حقيقة الثورة الإسلامية من الجهود
التي يبذلها الأعداء، أكثر من ثلاثين عام من المحاولات والمؤامرات والعقوبات
والاستثمار ضد الثورة الإسلامية هذا الكم الهائل من العداء يشعرنا بعظمة الثورة. الثورة
شيء عظيم وذو قيمة كبيرة لذلك يسعى العدو ليفقدها شيئا من خصوصياتها".
ورغم ان ختام هذه الفقرة يستحق الوقفة كثير ولكنى سوف أتناول ما
قاله ببعض الأسئلة التى ربما تحتاج ان نسأل أنفسنا جميعا ما هو الحصاد الإقليمى
خلال العقود الثلاثة من ان خرج هذه الثورة ؟؟
وأنا اترك الجواب لضميركم قبل عقولكم !!
ثم استكمال سليمانى حديثه بقوله :
((سنبحث موضوع الثورة من ثلاثة زوايا، الأولى الثورة في المباني
الإسلامية، ثانيا الثورة من الأسس الشيعية والتشيع، وأخيرا الثورة بناء على
الانتماء القومي والإيراني)).
إذا الثورة لها مبانى ثلاث :
-
مبنى اسلامى
-
مبنى شيعى ( مذهبى)
-
مبنى قومى ايرانى فارسى
ولنا أن نسأل سؤال : هل كل المبانى تعمل
فى نسق واحد ام ان واحد من هذه المبانى يصادر المبنيين الآخرين لصالحه ...
أو بمعنى أوضح هل عملت الثورة من أجل الإسلام
؟ أم من اجل المذهب ؟ ام من اجل القومية الفارسية ؟ واى الثلاثة كان أوضح فى مسيرة
الثورة ؟
انتقل سماحة المجاهد قاسم سليمانى لشرح المبنى الأول ( المبنى
الاسلامى)...
وتحدث فيه عن سقوط الأندلس فى القرن السادس عشر الميلادي، وقام
بربط عجيب بين سقوط الأندلس واكتشاف أمريكا وكان سقوط الأندلس نتيجة لاكتشاف أمريكا
وليس لتخاذل الدول والممالك الإسلامية بما فيها الدولة الصفوية التى كانت متعاونة
مع البرتغاليين فى ذلك الوقت لمحاصرة دولة المماليك فى مصر هى والدولة العثمانية
!!
وتحدث عن سقوط العثمانيين وتقسيم البلاد التى كانت تحتلها الإمبراطورية
العثمانية ولكنه لم يتحدث عن الاحتلال الروسى ولا الانجليزي لإيران فى هذا التوقيت
... وكأن إيران سقطت من حساباته حين الحديث عن التقسيم والاستعمار ..
ثم تطرق الى القدس فقال ((طبعا لو كانت القدس في منطقة جغرافية
اخرى كالأندلس في قلب أوروبا لكان الوضع مختلفاً، لكن القدس في قلب العالم
الإسلامي لذلك من الطبيعي ان كل حدث يقع بعد سقوط القدس يعتبر تقهقرا إلى ما دون
الصفر، اتفاقية كامب دايفد بين إسرائيل ومصر أبرز مثال على ذلك)).
هذا القفز فى الفراغ الذى
لم يذكر ان إيران وتركيا كانت أولى الدول التى اعترفت بإسرائيل حين إعلان قيامها، ولم
يحدثنا عن جهوده فى مقاومة إسرائيل الا عبر الوكلاء والهتافات والصراخات وكفى الله
المؤمنين شر القتال ...
المهم ان يدين الجميع ويخرج نفسه وجماعته من الإدانة، ولم يسأل
سليمانى نفسه أين إيران عبر كل هذا الصراع وماذا قدمت على ارض الواقع الفعلى ؟!!
عقد سليمانى مقارنة بين تخاذل السادات وخيانة آل سعود فى مؤتمر فاس
وبين الامام الخمينى الذى قال انه انقذ العالم الاسلامى من التقهقر، وفى حدود علمى
ان اهم أعمال الإمام الخمينى بعد الثورة هى الحرب مع العراق، ولا اعرف ما علاقة ما
يقول بحرب تموز التى اراد تسقيطها من حيث ذهب الى المدح !!
وأنا اتفق مع سليمانى فى الإشادة بحرب تموز، التى تابعتها عن كثب
وكتبت عنها بحماس وكنت أنا وجموع اهلى واخوانى من أنصارها وأنصار حزب الله، ولكن
لا اعرف لماذا يصر السيد سليمانى على ان يصف حزب الله كما يصفه الأعداء بأنهم عملاء لإيران وليسوا
مواطنيين لبنانيين يدافعون عن أرضهم وكرامتهم ؟!!
ولكن المحترم سليمانى لا يريد ان يغادر فقرات حواره دون صناعة
الافخاخ واللبس فى الحوار، الذى حشر فيه عبد الناصر الذى وصفه انه لم يجرأ على ضرب
إسرائيل أو إعلان الحرب عليها، ولا اعتقد ان العقوق والحمق كان يمكن ان يصل الى
هذا المستوى مع شخصية بمثل جمال عبد الناصر الذى لولا دعمه للخمينى وحركته فى
الستنينات باعتراف الخمينى نفسه ووثائق دولتكم، فقد دعم الرحل عبد الناصر الخمينى
باعتباره رمزا تحرريا فى مواجهة شاه متعاون مع اسرائيل ولكن السيد سليمانى لا يريد
ان يرى الحقائق فضلا على كونه مبصر من عدمه، لانه لا يمكن ان يجتمع حب عبد الناصر
وحب الاخوان وحسن البنا وسيد قطب فى قلب واحد ...
حوار السيد سليمانى كان حوار انفعاليا بعين واحدة لا تبصر الأمور
ولا تنصف الآخرين، فهو ينتقد الدول العربية دون استثناء لانهم لم يسلحوا الشعب
الفلسطينى الذى يقاتل بالحجارة وهم يشترون أسلحة بمليارات الدولارات، ولا ادرى هل
كان سليمانى من مواليد جيل الانتفاضة الفلسطينية مع بداية الألفية الجديدة لم يعرف
عن تسليح مصر للثورة الفلسطينية شىء لم يعرف دور مصر فى بناء جيش نعم جيش الثورة
الفلسطينية الذى كان الأستاذ الأول لحركة أمل والأستاذ الأول لجموع حزب الله ولا
يعلم دور الجنرال سعد الشاذلى فى إعداد وتدريب الثورة الفلسطنية ولا يعرف دور
سوريا فى تدريب الجيش الفلسطينى ولا يعرف دور العراق فى تدريب الشعب الفلسطينى ولا
عرف دور معمر القذافى لا يعرف كل هذه الوقائع الثابتة، وان كان سليمانى يلوم على
العرب شرائهم سلاح من الغرب فهل نسى سليمانى انه اشترى سلاحا إسرائيليا وطعما
ودواء من اسرائيل لحرب دولة جارة له وكان هو ضمن جنرالات تلك الحرب وواحد من اصحاب
سلسلة صفقات ايران- كونترا ...!!
أما صواريخ الإمام الخمينى التى يحدثنا عنها سليمانى والتى وصلت تل
أبيب فلا اعرف عنها شىء ولا التاريخ يعرف عنها شىء ولكن ان كان هناك صواريخ وصلت
تل أبيب فقد وصلت عبر مرتفعات الجولان من سوريا ووصلت عبر مدفع اربيل من العراق
ووصلت عبر سيناء من مصر ... ومن جنوب لبنان وصلت صواريخ الى تل أبيب ...
ولكن لم نعرف صاروخا من صواريخكم التى فى سوريا والتى فى اليمن
والتى فى العراق تلك الصواريخ البلاستية وصل منها شىء الى فلسطين المحتلة يا عزيزى
سليمانى، حتى حينما اشبعكم العدو ضربا بالطيران لم نرى منكم صاروخا واحدا رغم أنكم
الآن على حدود هذا العدو فى اسفل مرتفعات الجولان، وحتى حينما قتلت واستشهدت لم
نرى رفاقك من الحرس يطلقون صاروخا واحدا فى اتجاه العدو اى عدو ولم نسمع سوى صراخا
وتوعد ووعيد ولم نرى منكم طحين ...
المبنى الثانى، المذهب :
قبل ان ينتهى السيد سليمانى من المبنى الأول قال ((الله العالم،
لولا الإمام ولولا الثورة الإسلامية وهذا النظام الذي أسسته الثورة أين كانت حالة
العالم الإسلامي اليوم)).
وانا بدورى أقول له لولا بركاتكم لما جاء لما انهار العراق ولا جاء
الامريكان الى المنطقة ولا راينا ابن لادن ولا الزرقاوى ولا انهارت اليمن ولا زحف
الخليج على بطنه يحتمى بالامريكى والاسرائيلى خوفا منكم ... فهل علمت يا سيد
سليمانى ؟!!
فى المبنى الثانى وما يخص المذهب بدأ سليمانى كلامه بالمغالطة
الرقمية حيث قال ان الامامية فى إيران 92% وهو كلام عكس الاحصائيات الرسمية الإيرانية،
ثم بدا يتحدث عن التاريخ الاسلامى منذ شهادة امير المؤمنين عليه السلام، حتى وصل
الى تأسيس العراق، واخذ يحكى كيف ان المذهب لم يجد ناصرا لا فى دول وتاريخ الاسلام
القديم ولا الوسيط ولا الحديث حتى جاء الخمينى بثورته ففعل مالم يفعله الأولين ولا
الآخرين فى تأسيس دولة شيعية لم يعرف التاريخ قبلها دولة تقوم على المذهب !!
ربما انشغل الجنرال رحمه الله فى معاركة ولم يعرف عن الحمدانيين
ولا البوهيين و الفاطميين ولم يعرف حتى الصفويين !!
السيد سليمانى يتحدث عن بناء مذهبى ونظرية صنعت دولة وثورة، ولكنه
يتجدث باعتبار ان هذا انجاز من وجهة نظره كقومى فارسى ولكنه لم يعرف كيف ان هذه
الدولة سحقت ابنائها وعلمائها واعطت للحاكم الولى الفقيه سلطة الامام بما يعد خرقا
للمذهب نفسه !!
ثم يحدثنا سليمانى ان من انجازات الثورة الاسلامية فى ايران انها
استطاعت ان تسحب العراق من حلق الامريكان (!!) على اعتبار ان العراق قبل 2003 كان
قاعدة عسكرية امريكية وان الجيش العراقى كان يخضع لاتفاقات امنية امريكية وان
الحكومة العراقية كانت تقيم فى الخضراء وان دستور العراق قبل 2003 كتبه بريمر .
والغريب فى حوار السيد سليمانى انه يقر بما قاله الراحل حسنى مبارك
والملك عبدالله من وجود هلال شيعى، ولكن الفرق بين السابقين والراحل سليمانى ان
السابقين قالا ان الهلال هلال سياسى وسليمانى يقول انه هلال اقتصادى ؟!!
الهلال الاقتصادى الذى يقصده السيد سليمانى هو ))ان
إيران و العراق و السعودية يمتلكون أكبر احتياطي نفطي في العالم، 70% من نفط
العالم موجود في هذه الدول، وبالتحديد في المناطق التي يسكنها الشيعة، النفط
العراقي في البصرة و بغداد والكويت، و 80% من نفط السعودية في الدمام والقطيف،
المناطق الشيعية، أما في ايران فلا حاجة للتوضيح، الصورة جلية)).
الهلال الاقتصادى من وجهة نظر سليمانى لن يقوم الا على تفتيت الدول
للاستيلاء على بترولها !!
فهل هذا هى اخلاقكم يا أيها الثائر العظيم ؟ وهل هذا انجاز مذهبى
يتفق مع أمير المؤمنين عليه السلام ؟؟!!
سليمانى يريد بناء جديدا على أنقاض العالم العربى والاسلامى بناء
يسميه ( القومية الشيعية) التى تتزعمها ايران فى المنطقة حتى تسمح ببناء قومية إسرائيلية
فى المقابل ...
السيد سليمانى فى نهاية المبنى الثانى راح يحدد حصيلة ايران من
مكاسبها هذه المكاسب تمثلت فى العمق السياسى والامنى لإيران وتبادل تجارى مع العراق
يتجاوز سقف الـ 30 مليار، وفى عام 2013 كما يقول سليمانى دخل ايران 200 ألف عراقى
يصف كل زائر منهم 5 الاف دولار ....
وفى المقابل يذهب الى كربلاء ما يقرب من 20 مليون ايرانى وحسب
تعبيره هؤلاء لم يأتوا للزيارة ولا لنفع العراق ولكن حتى يكونوا قريبين من الحدود
السعودية !!
الشيفونية السليمانية :
الاعتقاد المغالي والتعصب
القومية ، بل والعنجهية فى رؤية الذات، والنزعة
القومية المصطنعة جهلت سليمانى يقول ((الكثير من علمائنا خدموا المذهب وقاوموا
وكتبوا ولكن أين ما قدموه مما قدمه الإمام؟)) !!
فسليمانى يرى أن ما قدمه الخمينى والخامنىئ لم يقدمه أحد ممن سبقهم
ولا بمن سيلحق بهم لا على المستوى الدين ولا مستوى المذهب ولا مستوى التاريخ
القومى الايرانى ....
ويواصل سليمانى شيفونيته الإيرانية وشوفنيته الثورية، ويصف الامام –
الخمينى – بأنه هو من صان القومية – الفارسية – وصان الأمة الإيرانية، وأن ايران
اليوم أقوى من كل الاساطير السابقة عن التاريخ الإيرانى !!
وهنا سليمانى يغادر على المستوى المعرفى مساحة الاعتقاد الامامى
ويقترب ويغوص فى الاعتقاد الاسماعيلى مما سوف نوضحه لاحقا ..
وأن ايران الثورة والامام لم تستخدم المال فى توسيع نفوذها!!
وهناك لمحة هامة فى كل الحوار وهى لمحة مركزية فى عقل سليمانى،
والذى يمكن ان اسميه بالعقل المختلط البراجماتى، فالسعودية فى عقل سليمانى هى
الشيطان الاكبر والسلفية هى الذراع السعودى الشرير، ومع هذا فإن سليمانى يعمل
ويتحالف وينسق ويدير عمله القتالى والسياسى مع طالبان فى افغانستان وباكستان وفى
الشيشان وفى البوسنة وفى الصومال، وينسق ويتحالف ويصادق مع جماعة الاخوان المسلمين
فى كل مكان، وكأنه لا يعرف الفرق بين طالبان – السلفية – وتنظيم القاعدة – السلفى –
والاخوان – السلفيين، وبين سلفى السعودية وهو خلط يدل على عقل غير مثقف ولكنه برجماتي
نفعى يستخدم كل شىء فى سبيل امته وقوميه، العقل السليمانى لم يدرك الفرق بين فرق
الشيعة ليس عقلا إماميا ولكنه قل مختلط بين العقل الزيدى والعقل الاسماعيلى ...
فعقل سليمان محور فى ان الشيعى لابد وان يحارب ويخرج ويحارب ولا
يعترف بأى حكومة ولا اى حاكم الا نفسه وقومه ومن خرج مقاتلا من قومه واتباعه !!
كما ان انعزالية سليمانى وعرفانيته التى تتعلق بالامام – الخمينى-
وكان الخمينى الامام القائم الاسماعيلى او الامام الظاهر وبعد غيابه اصبح الامام
الباطن الذى يحرك الامور ويفسرها ويلهم المؤمنين به للعمل ....
هذه القراءة هى محاولة للتعرف على عقل الشهيد قاسم سليمانى الذى
مثل حالة فريدة وغريبة واسطورية فى ظل الحالة الشيعية الولائية واتمنى ان اكون
قدمت شىء مفيد فى هذا الخصوص .
1 تعليقات
قراءة مهمة جدا
ردحذف