عمر حلمي الغول
عشية مغادرة موقعه
كسفير للإدارة الجمهورية بعد هزيمة رئيسه ترامب، أَصر الحاخام الصهيوني المتطرف،
ديفيد فريدمان على قلب الحقائق، بدل ان يصمت ويلملم إدعاءاته، وعار هزيمته وهزيمة
إدارته الفاشلة، فتفوه في لقائه مع أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست حسب
صحيفة "هآرتس" يوم الاثنين الموافق 11/1/2021، أن اعتراف إدارته الراحلة
إلى غير رجعة عن المشهد السياسي بالقدس "عاصمة" لإسرائيل "ليس فقط
مهد الأرضية لاتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، إنما عزز مكانة الرئيس
دونالد ترامب في أعين العالم".
وتابع مدعيا "ان الكثيرين حذروا الإدارة
الأميركية من، أن الاعتراف سيؤدي إلى انفجار." وأضاف بعنجهية وغطرسة " وهم
صدقوا، كان هذا انفجار للسلام، وليس انفجارا للعنف."
وقبل دحض افتراءاته
واستنتاجاته الإرادوية، أود أن أؤكد على حقيقة، أن إدارة الرئيس المنتهية ولايته
قلبت رأسا على عقب كل مرتكزات السياسة الأميركية في أكثر من ملف إقليمي وعالمي
ومنها الملف الفلسطيني الإسرائيلي، وغيرت المعادلات السياسية والاقتصادية
والقانونية والأمنية والبيئية والثقافية والصحية في الداخل الأميركي والخارج
العالمي، وهددت مستقبل المنظومة العالمية حتى مع الحلفاء الإستراتيجيين للولايات
المتحدة، وأحدثت ثقوبا وندوبا واسعة في خارطة العلاقات على المستويات المختلفة،
وتركت آثارا مأساوية أمام الإدارة الديمقراطية الجديدة، وآخرها محاولة الانقلاب
الفاشلة في السادس من كانون الثاني/ يناير الحالي في بلاد العم سام.
والنتيجة أو الاستخلاص
العلمي لما تقدم، أولا فشل وإفلاس الرئيس ترامب وإدارته في كل الملفات؛ ثانيا
توسيع دائرة العزلة لشخص رجل العقارات والإدارة بشكل عام؛ ثالثا الرفض الأقليمي
والعالمي للسياسات الأميركية خلال السنوات الأربع الماضية؛ رابعا تحويل الولايات
المتحدة لدولة فاشلة، او كما تم وصفها في الأيام القليلة الماضية كإحدى جمهوريات
الموز؛ خامسا إنقلبت الإدارة الترامبية على الدستور الأميركي والدولة العميقة بشكل
عام، وهددت وتهدد بتداعيات سياساتها العرجاء والمشوهة مستقبل الولايات المتحدة.
وإذا حصرنا النقاش في
الملف الفلسطيني الإسرائيلي، فإننا نؤكد على الآتي: أولا العالم كله بقضه وقضيضه
بما في ذلك داخل الولايات المتحدة وإسرائيل الإستعمارية رفض صفقة القرن الترامبية
بإستثناء حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة؛ ثانيا كم القرارات الأممية الصادرة عن
الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة الداعمة للحقوق والمصالح الفلسطينية، أكدت على
تعاظم عزلة ترامب، وليس العكس؛ ثالثا نقل السفارة الأميركية من تل ابيب للقدس
العاصمة الفلسطينية أحدث ردات فعل فلسطينية جماهيرية وسياسية واسعة، وليس كما إدعى
الحاخام المستعمر؛ رابعا عمليات التطبيع الإستسلامية، التي فرضتها إدارة
الأفنجليكان لم تغير من طبيعة الصراع، ولم تمنحها وحليفتها الإستراتيجية إسرائيل
ما سعت وحلمت به، بل العكس صحيح. فضلا عن انها دفعت اثمانا كبيرة دون مقابل؛ خامسا
ما حصل في عملية التطبيع المذلة لعدد من الدول العربية لم يكن إنفجارا ل"لسلام"،
وانما ضاعف من حدة أزمات الدول المطبعة، وعمق حدة الصراعات الإجتماعية، ومازالت
إنعكاساتها تتداعى، ولم تنتهِ. وما نشاهده من إنجراف بعض الدول العربية في عملية
التطبيع المتناقضة مع مبادرة السلام العربية وقرارات القمم العربية والإسلامية،
ليس سوى ركوب ظهر المجن، وشكل من اشكال الإندفاع غير المسؤول والصبياني.
كما ان غباء السفير
الصهيوني المهزوم والمعزول من مهمته تمثل في عدم قراءته أو عدم معرفته بقوانين
التحولات الإجتماعية والسياسية في المجتمعات البشرية، التي تحتاج لبعض الوقت في
إنزياحاتها وتحولاتها التراكمية وصولا للتحول النوعي وفق خصائص كل مجتمع. وعليه
فإن مسألة الصراع الفلسطيني (العربي) الصهيوني، التي تجاهلها كليا الحاخام، ولم
يدرك عمق إرتباط القضية الفلسطينية بواقعها العربي، وتناسى انها تعتبر بالنسبة
للجماهير العربية ونخبها الوطنية والقومية والديمقراطية مسألة داخلية، وليست مسألة
فلسطينية صرفة، ولا تحجبها او تغيرها حالة الإنهاك والحروب البينية العربية
والإقليمية، وهي تتجاوز منطق وخيار صناع القرار هنا او هناك. وبالتالي التأخير
المؤقت، لا يلغي ما يحمله المستقبل المنظور في المشهد العربي العام، وفي كل ساحة
على إنفراد.
كنت اتمنى ان يغادر
فريدمان موقعه بصمت يجرجر عار الهزيمة وفشل مشروع إدارته برمته. لا سيما وان
الإدارة الجديدة أعلنت سلفا عن توجهاتها الرافضة لسياسات إدارته في كل الملفات
الداخلية والخارجية ومن بينها ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لكنه يأبى إلا ان
يمارس الثرثرة غير المسؤولة والكاذبة، كما رئيسه المنتهية ولايته، الذي حاول
الإنقلاب على الشرعية الأميركية، ورفض نتائج الإنتخابات الرئاسية إلى ان ارغم على
التسليم بها بعدما فشل في مشروعه التخريبي.
0 تعليقات