أحمد مبلغي*
البنى الفكرية للاجتهاد لدى الشهيد الصدر
يتم تقديم ومتابعة البحث حول هذه البنى الفكرية على مرحلتين: في
المرحلة الأولى سأعرض تعريفاً لهذه المنطلقات الفكرية للاجتهاد، وفي المرحلة
الثانية سأعرض هذه المنطلقات من منظور الشهيد الصدر.
هذه التدوينة الحالية تتعلق بتقديم المرحلة الأولى، وعدة التدوينات
القادمة تتعلق بتقديم تلك الأفكار الأساسية التي قدمها الشهيد الصدر بقصد تكوين
رؤية عقلانية حول الاجتهاد، وجغرافيته، وخصائصه.
💥 تعريف البنى الفكرية للاجتهاد.
البنى الفكرية للاجتهاد هي الأفكار التي إذا ضاعت، سيفقد الاجتهاد
تلك المواصفات اللازمة، وبالتالي تفقد قدرته على تحقيق فلسفته الوجودية، وهي:
"كونه جسرًا بين الشريعة والحياة".
💥 يتم شرح ذلك من خلال النقاط:
🔹️أ)
كل فعالية أو مؤسسة لها فلسفة وجودية إذا ابتعدت عن هذه الفلسفة ولم تستطع تحقيقها
فإن صلاحيتها وصحتها وشرعيتها تزول وتضيع.
🔹️ب)
كل فلسفة وجودية - لأي شيء كانت - يتوقف تحقيقها على توافر مواصفات في ذلك الشيء،
بحيث لا يمكن للشيء الذي له هذه الفلسفة الوجودية أن يحقق تلك الفلسفة إلا من خلال
تلك المواصفات وبفضلها.
🔹️ج)
لا يمكن توفير المواصفات الضرورية لشيء ما (المتعلقة بفلسفته الوجودية) إلا من
خلال تكوين صورة ذهنية وفكرية متكاملة عن هذا الشيء وأوضاعه وأبعاده وأهدافه في
مرحلة مبكرة.
🔹️د)
في هذا الاطار، من المؤكد: ۱
1- أن الاجتهاد له
فلسفة وجودية لأنه ممارسة تدريجية وشاملة ذات أبعاد ومكونات وجوانب وهو شديد
الحساسية.
2- لا يمكن تحقيق
هذه الفلسفة الوجودية للاجتهاد على الإطلاق دون أن يتسم الاجتهاد بمواصفات ترتبط
وتتعلق بتلك الفلسفة.
٣- لا يمكن إنشاء هذه المواصفات في
الاجتهاد ما لم يتم تشكيل فكر عام شامل حول الاجتهاد مسبقًا.
إذا كان هذا هو الحال، فهناك ثلاثة أسئلة: الأول: ما هي الفلسفة
الوجودية للاجتهاد؟ والثاني: تحقيق الاجتهاد لفلسفته الوجودية يتوقف على اتسامه
بأية مواصفات وخصائص؟ والثالث: ما هي الأفكار العظيمة المسبقة الخالقة لتلك المواصفات
والخصائص في الاجتهاد؟
️هـ
- أما السؤال الاول فجوابه: أن فلسفة الاجتهاد الوجودية هي أنه يلعب دور الجسر بين
الشريعة وحياة الإنسان؛ الدور الذي يتمثل في ان يستكشف ويستخرج المحتويات والأفكار
الكامنة والمتأصلة في الشريعة، وينقلها للأجيال الجديدة بمختلف حاجاتها وتحولاتها.
وتكمن أهمية وأصالة هذا الدور في أنه (أي الاجتهاد) هو الجسر الوحيد بین الشريعة
والانسان بحيث إنه في غيابه ستبقى الأجيال بلا قوة للوصول إلى الشريعة، وستبقى
الشريعة بلا سبيل لنقل محتوياتها إلى البشر.
🔹️و
- أما السؤال الثاني، فجوابه: أن أهم المواصفات التي يجب اتصاف الاجتهاد بها، هي
كالتالي:
١) القدرة على التعامل بدقة مع النصوص وخلق أفضل سياق وأكبر فرصة
لنا للحصول على فهم دقيق لزوايا النص والمحتويات المتأصلة فيه.
٢) التواصل مع العالم الواقعي والموضوعي، من خلال التعرف الدقيق
على عمق التطورات الاجتماعية في المجتمع.
٣) رصد ومراقبة مصير الدين عبر ارتباطه بالفتاوى التي تنشأ عن حركة
الاجتهاد.
والمقصود أن الاجتهاد في الحقيقة يجب أن يراعي باستمرار الخط
الحديدي الذي أنشأه للوصول إلى الشريعة، فهل هذه السكة الحديدية تتجه لخدمة الدين،
أي تجعل وجود الدين في المجتمع أكثر بروزًا؟ أو يخلق مشاكل للدين؟ فهذا أمر يجب
على المجتهد أن ينتبه إليه باستمرار في الإطار الذي اختاره.
إذا كان الاجتهاد غير مكترث بهذه القضية، فمن المؤكد أنه سيتجه
تدريجياً نحو إلحاق ضرر كبير وأساسي بالدين وبالشريعة بدلاً من خدمتهما.
٤) وجود عين قوية للاجتهاد تركز على مشاكل واحتياجات الإنسان
المعاصر. إذا كان الاجتهاد غير حساس تجاه احتياجات الإنسان ولا يلتفت إليها فكيف
يمكن اعتباره جسرا بين الشرع والحياة؟! الاجتهاد الذي لا ينقل حلول الشريعة
ومحتوياتها إلى الحياة، فهل يمكن اعتباره جسراً ؟!
🔹️ز
- أما السؤال الثالث فجوابه: أن هذا هو ما نبحث عنه خلال هذا العرض (الذي يتم عبر
عدة حلقات وأقسام على التوالي)، وطبعا نسعى بطبيعة الحال لتقديم تلك الأفكار
العامة والشاملة والدقيقة المتعلقة بالبنية التحتية للاجتهاد ومساره من منظور
الشهيد الصدر.
*أحمد مبلغي
مرجع ديني إيراني
0 تعليقات