آخر الأخبار

الرد على الباحث محمد النجار في تفسيره لٱية " وَاضْرِبُوهُنَّ"

 

 


 

هناك قواعد قرآنية ذُكرت ضمن ٱيات محكمة تحدد العلاقة الزوجية من أولها إلى ٱخرها، منها قوله تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" -النساء: 19-

 

وقوله تعالى: "فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ" البقرة: 231

 

وأما نشوز الزوجة فهي حالة شاذة تطرء على علاقة المرأة بزوجها، وهذه العلاقة ينبغي ان لا تخرج عن القواعد الأصلية، وهي المعاشرة بالمعروف، فقول الله تعالى: " واضربهن" ليس أمرا واجبا للزوج بأن يضرب زوجته حال نشوزها، و الا لكان من ترك هذا الأمر ٱثم ولا يخلص من إثمه الا بضرب زوجته الناشز.

 

بل اختار بعض الفقهاء ترك الضرب من أصله حتى في حال النشوز مثل عطاء بن أبي رباح وهو من فقهاء التابعين، توفي سنة 120 هجري، حيث قال: "لا يضربها وإن أمرها ونهاها فلم تطعه، وإنّما يغضب عليها". انتهى

 

قال ابن العربي في أحكام القرآن معلّقا على قول عطاء: "هذا من فقه عطاء، فإنّه من فهمه بالشريعة ووقوفه على مظان الاجتهاد علم أنّ الأمر بالضرب هاهنا أمر إباحة، ووقف على الكراهية من طريق أخرى". انتهى

 

وعليه فيكون معنى الٱية؛ إن حصل ووقع ضرب فينبغي ان لا يخرج حده عن القواعد الأصلية المحكمة، اي ضرب خفيف غير خارم للعشرة وحافظ لها، فإذ زال النشوز عقب ذلك، يمكن للقلوب أن ترجع و تتٱلف. والا فإنه لا معروف غالبا بعد ضرب مبرح.

 

لذلك قيد الفقهاء هذا الضرب بالخفيف كنحو الضرب بالسواك مستندين لما جاء في خطبة الوداع ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا" رواه الترمذي.

 

وعليه فيكون القرٱن، حتى مع حال نشوز الزوجة، قد قيد الضرب في حالة وقوعه من الرجل، لان أكثر الرجال لا يتورعون عن ضرب زوجاتهم ضربا مبرحا بما في ذلك ادعياء التنوير و الحداثة. كما يفهم من الٱية أن المرأة غير الناشز يحرم ضربها.

 

وهنا ينبغي على المسلم ان يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في معاملته لأزواجه.

 

فقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة أنّها قالت: "ماضرب رسول الله شيئاً قط ولا امرأة ولا خادماً". انتهى

 

وجاء كذلك في صحيح مسلم أنّ النبيّ قال: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر" ومعنى يفرك هو يبغض وتفسير الحديث هو لا ينبغي للرجل أن يبغض زوجته وإنّما عليه أن ينظر إلى الجوانب الإيجابيّة الأخرى فيها.

 

وهذا دأب الصالحين أيضا فقد قال القاضي شريح المتوفى سنة 104 هجري :

 

رأيت رجالا يضربون نساءهم**فشلّت يميني حين أضرب زينبا

وزينب شمس والنجوم كواكب**إذا طلعتْ لم تُبْق منهنّ كوكبا.

 

فمن قال ان القرٱن أباح للزوج ضرب زوجته من غير مسوغ شرعي، أو أنه لم يقيد سبب ذلك بالنشوز، أو أمه لم يجعل للضرب حدا ما فهم القرٱن من أصله، انما يخبط خبط عشواء.

 

ومن هنا ينبغي التنبيه لتأويلات بعض المعاصرين الذين استشنعوا مجرد ورود " اضربهن" في الٱية من غير النظر في القيود التي ذكرها القرٱن، مثل محمّد الطالبي في كتابه أمّة الوسط، حيث زعم أنّ هذه الآية مقيّدة بعصرها ولها أسباب اجتماعية واقتصاديّة خاصة بتلك الفترة، بينما زماننا اليوم غير زمانهم.

 

كما حاول ٱخرون إيجاد معنى آخر لكلمة اضربوهنّ، فرأت أمينة ودود أنّ اضربوهنّ تعني "أوثقوهنّ" بينما رأت التونسية ألفة يوسف أنّ اضربوهنّ تعني "جامعوهنّ" و رأى آخرون أنّ اضربوهنّ تعني "ابتعدوا عنهنّ، أي أضربوا عنهنّ" ولا يخفى التكلّف الشديد في هذه التفسيرات وليّ عنق الكلمات.

 

ومن أشنع التفاسير لٱية "فاضربهن" هو ما ذكر الباحث التونسي المدعو محمد النجار، حيث قال في بعض تدويناته:

 

" النص القرآني والسردية الإسلامية في إطارها العام تعارض آية "واضربوهنّ" وهو ما جعلني أتساءل إذا لم يكن هناك تصحيف في الكلمة الأصليّة أثناء تدوين القرآن بسبب عدم وجود التنقيط، وأنّ الكلمة الأصليّة هي "واقربوهنّ" فالآية تصبح متناغمة بهذه القراءة، حيث أنّه في حال النشوز، وهو التكبّر، ..... ينبغي على الزوج أن يعظها وينصحها ويذكّرها بأسس العلاقة الزوجيّة المبنيّة على المودة والرحمة والاحترام، .......

 

قد يستنكر البعض قولي بإمكانيّة وجود تصحيف رغم أنّ هذا القول لم يتحرّج منه المفسرون الأوائل فيذكر الطبري مثلا نقلا عن ابن مزاحم أنّ آية "وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانا" وهي الآية الموجودة اليوم في المصحف إنّما كانت في الأصل "ووصّى ربّك" فالتصقت الواو الثانية بالصاد أثناء الكتابة فتمّت قراءتها بطريقة خاطئة "وقضى" وقد كانت مكتوبة بصورة صحيحة "ووصّى" في مصحف ابن مسعود وابن عبّاس". انتهى

وادعاء تحريف النص القرٱني هو تكذيب صريح للدين وخارم من خوارم الايمان بلا شك. و اما مسالة قول ابن مزاحم في تحريف بعض المصاحف، فهو محمول على المصاحف التي كتبت وفق أحد الأحرف السبعة و التي نزلت فيها قوله تعالى "وصى"، فجاء بعض النسخة ممن لم يتلق ذلك الحرف فكتب "قضى" عوض "وصى". فالتحريف وقع فقط في بعض المصاحف الخطية التي كتبت بغير حرف قريش قبل الجمع العثماني، و ليس في جميع المصاحف، فقول الله تعالى " وقضى ربك" هو اللفظ الصحيح الذي يوافق الحرف القريشي و الذي كتبت به المصاحف خلال الجمع العثماني. فانتبه.

 

وقد اعترف محمد النجار نفسه بأنه لا يملك اي دليل على هذه الدعوى الباطلة وقال : "اقتراحي "واقربوهنّ" هو مجرّد افتراض لا أملك دليلا عليه حاليّا ولا أملك مخطوطة قرآنيّة قديمة تؤيّده، وإنّما استنبطته واستقرأته من السياق والإطار النصي، ومن يدري فقد نكتشف في قادم الأيّام مخطوطا قديما يؤيّد هذا الرأي أو ينفيه، أمّا حاليّا فهو مجرّد فرضيّة". انتهى

 

إرسال تعليق

0 تعليقات