د. محمد ابراهيم
بسيوني
مع ثورة التكنولوجيا
وعالم الرقمنة وتدفق المعلومات والإتصالات والصورة والفيديو عبر وسائط متعددة
وأنتشار عالم السوشيال ميديا الأفتراضى أصبح هناك مجال واسع لنشر الأخبار الكاذبة
والمفبركة التي تسعى إلى بث الفتن والأنقسامات والتشويش والتأثير على الرأي العام
بأي شكل من الأشكال.
يرى بعض المراقبين أن
الكثير من المواقع بدأت تجني الكثير من الأموال من خلال نشرها لتلك الأخبار
الكاذبة المفبركة بينما أصبحت مصدر قلق وفزع لدول وحكومات لتنفي تلك الأخبار في
لحظة انتشارها مع أي حدث فى المشهد العام لديها وهو غير قاصر على دول الغرب
المتقدم فحسب بل حتى في ظل عدم الشفافية والتعتيم الإعلامي ومنع تداول المعلومات
في دول المنطقة العربية ما دفع بعضها إلى نشر النفي إن كان الأمر يهز أركان
الحكومة والنظام ويسبب إزعاجا وإرباكا لها.
كتب الصحفي والكاتب الأمريكي توماس فريدمان
يوم الأربعاء العاشر من شهر فبراير في النيويورك تايمز يستنجد بأوروبا للأخذ بيد
امريكا وبقية دول العالم الغربي لأيجاد صيغة متوازنة تضمن فعلا نشر قيم
الديمقراطية بين الناس دون أن يخّل ذلك بحرية التعبير والكلام.
العالم اليوم أصبح
قرية صغيرة فيها يرتبط البعض بالبعض الآخر ولكن دون قائد موجّه واستنتج فريدمان في
مقالته بأن لابد من حل ديمقراطي لموضوع الفضاء الأفتراضي والعالم الرقمي. فالوباء
الذي سبّبه فايروس الكورونا في العالم قد عجّل بشكل دراماتيكي من رقمنة كل شيء حتى
أصبح العالم الرقمي (الديجيتال) عالم واسع ومهم كما لم يكن من قبل. ويشبّه الكاتب
عالم الديجيتال بدولة قائمة بذاتها، ولكنها دولة بلا حدود أو ضوابط، وبلا قوانين
صارمة، وبلا محاسبة تقتضيها طبيعة الدول. بل أن بعض وسائل التواصل الأجتماعي قد
صارت لها شفرتها الخاصة، وهي بالتالي تسعى لأن تكون خارج أطار الرقابة الحكومية. وبالتالي
فالصحفي فريدمان يقول أن من نتائج ذلك خلق حراك شعبي ضد لقاح الكورونا مثلا. كما
قد يكون هذا الحراك ضد الأنتقال السلمي للسلطة في دولة ما. ويتساءل فكيف أذن نحسّن
الشيء الجيد في الفضاء الأفتراضي، ونتحمل أو نقلّل من السلبيات؟
وهنا يلجأ كاتب المقالة فريدمان الى المقارنة بين ما تقوم به الصين مثلا،
من نشر لقيمها بين شعبها البالغ تعدادا 1.4 بليونا من البشر. فيشير الى أن الصين
وقد أدركت مخاطر وسائل التواصل الأجتماعي منعت جوجل والتويتر والفيسبوك، ولكنها
أوجدت ما يخصها تقنيا، وما يمكنها من خلاله معرفة ما يقوله البشر.
سمحت أوروبا، أكبر أتحاد دولي تجاري في العالم، لمواطنيها بحذف ما قد يؤذي
المواطن من معلومات على جوجل مثلا حسب أتفاق مع شركة جوجل نفسها. وعليه فأوروبا
تعمل حاليا على صياغة القانون الرقمي، بجعل كل ما يعتبر غير قانوني في العالم
التناظري (الأنالوج)، غير قانوني أيضا في العالم الرقمي (الديجيتال). وعليه
فالأوربيون يريدون معرفة كيفية عمل لوغاريتمات التقنية الرقمية، كما يريدون من
شركات التواصل الأجتماعي أن تتحمل المسؤولية فيما يخص محتوى ما يبث وينشر يوميا،
مع العمل على الحد من الأضرار الجانبية لما يعتبر سلبيا من مواد البث الرقمي. وينقل
الكاتب عن البروفيسور راميش مؤلف كتاب (ما بعد الوادي، وهو وادي السليكون التقني
الأمريكي المعروف) قوله أن امريكا بحاجة الى مثل ذلك، أي بحاجة الى قانون التعامل
مع النشر الرقمي، والذي عليه أن يوازن بين حرية التعبير ولوغاريتمات تجعل من
الكلام الذي يشجع على الكراهية والعدوانية منتشراً بين الناس مثل فايروس خطير.
0 تعليقات