محمود جابر
تعتبر رسائل تل العمارنة واحدة من الكنوز التاريخية لمنطقة الشرق الأدنى،
وقوة مصر ونفوذها فى المنطقة، وكذلك تسجيل الممالك والدول والحضارات والجماعات
البشرية، ومن العجيب ان الرسائل التى تدون لتاريخ المنطقة فيما بين القرنين الثانى
عشر والثالث عشر ق. م، لم يأتى فيها ذكر لجغرافيا اليمن على الإطلاق بعكس ما يحاول
زعمه الكاتب فاضل الربيعى فى كتابه إسرائيل المتخيلة، وان كنا نتفق أن جماعة
العبرانيين أصل بنى اسرائيل كانت ضمن جماعات هائمة فى منطقة الجزيرة العربية بشكل
عام، وقد عرفوا فى الوثائق المصرية فى تل العمارنة وغيرهم بالخابيرو.
والخابيرو كلمة ذات دلالات متعددة وأحيانا متناقضة وردت فى النصوص
المسمارية والأكادية فى مصر الفرعونية وغيرها، لتدل على مجموعة من المحاربين (
المرتزقة) وقطاع الطرق واللصوص الذين كانوا يعيشون فى معسكرات خارج حدود المدن،
خارج سيطرة السلطات الحاكمة؛ مستغلين دائما فترات الفوضى والاضطرابات للدخول الى
المدن ونهبها، وأثارت الفتن وإشعال الصراعات، والاشتغال بالتجارة بعد سرقة السلع
والبضائع وقتل التجار، أو العمل كجند مرتزقة إذا ما اشتعلت الحروب.
وهي مجموعة من القبائل يمثلون خليط من أجناس مختلفة لا ينتمون
إلى أصل واحد. وهذا المصطلح هو صفة أطلقت عليهم وليست اسماً لهم.
وقد جاءت أهمية الموضوع من خلال دراسة دور هؤلاء الجماعات في الشرق الأدنى
القديم إبان فترة الصراع السياسي والعسكري في المنطقة في الألف الثالث قبل الميلاد
رغم أن النصوص القديمة تؤكد وجود مثل هذه الجماعات في فترات زمنية أبعد من ذلك.
والأهمية الأصلية للبحث هو الرد على فاضل الربيعى وحديثه من أن أصل
اليهود أو بني إسرائيل وإسرائيل وممالكها وكل تلك الأحداث جرت فى الجغرافيا
اليمنية حصرا، وهنا ومن خلال وثائق تل العمارنة الثابتة تاريخيا واركولوجيا
ومعرفيا أن مصر كانت كيانا كبيرا يدير شئون المنطقة، وان ذكر اليمن فى تلك الفترة
أى حتى حوالى فترة الخروج لم يكن لليمن ذكر لا على مستوى التسمية ولا على مستوى
الجغرافيا فى أرشيف دبلوماسي هام كأرشيف ومراسلات تل العمارنة .
الدراسة التى خصصت للرد على الربيعى وغيره وتحتوى بعد هذه المقدمة
التعريف بالعبرانيين أو العابيرو، ثم أصل التسمية ومدلولها، وثالثا التركيبة
السكانية، أما الجزء الختامي والاهم هو دورهم فى الشرق الأدنى وأين كان مسرح الأحداث
فى تلك الفترة .
وقد اعتمدت الدراسة على وثائق تل العمارنة على وجه الخصوص من عدة
مصادر مثل كتاب (تاريخ فلسطين القديم) و(تاريخ الشرق القديم) و(تاريخ الشرق الأدنى
القديم) لسامي سعيد الأحمد وآخر وكذلك كتاب (مصر القديمة، الجزء الخامس) لسليم حسن
فضلا عن مصادر أخرى لا مجال لذكرها وقد توصلنا من خلال هذه الدراسة إلى مجموعة من
النتائج أهمها أن مصطلح (الخابيرو) هو صفة أطلقت على هذه الجماعات التي ليس لها
أصل ولا عرق واحد، وليست تسمية كما يذكرها البعض، كما أن دورهم كان أكثر
أصل التسمية:
هناك اختلاف في معنى كلمة (الخابيرو) والجماعات التي دخلت ضمن هذا الاصطلاح
والمعنى المعطى هو أنهم من البدو (أي لا يملكون شيء من الحضارة) والمرتزقة
والعصابات، والأكثر رجحاناً أنهم الساكنون خارج المدن ولا يتبعون أعرافها
وقوانينها، ولا يصنفون ضمن الدول أو الممالك التي كانت قائمة آنذاك.
وتظهر مجموعة الخابيرو في
موضع آخر بأنهم أنصاف بدو كانوا يطوفون في الجبال والغابات مع أعداد من المجرمين، والهاربين،
واللاجئين والمرتزقة الغزاة، وجميع المنبوذين، وبذلك شكلوا تهديدا ليس فقط على التجار
والمسافرين فحسب، وإنما حتى على المجتمعات المستقرة في منطقة الشرق الأدنى القديم وقد
تميزت فترة العصر البرونزي الوسيط ما بين القرن الثاني عشر والثالث عشر قبل
الميلاد بحدوث تحركات واسعة النطاق لجماعات الخابيرو.
الخابيرو أجناس شتى، و أسماء الإعلام الدالة
على هؤلاء الأفراد لا تساعد الباحث على التعرف على لغتهم الأصلية، أو بالأصح أنهم
ليسوا جماعة لغوية واحدة ، وسواء كان ذكرهم بلفظ ( خابيرو أو هابيرو أو عابيرو أو
افيرو).
و تذكر النصوص إن جماعة من المرتزقة والأجانب يطلق عليهم بـ(الخابيرو)
دخلوا إلى بلاد الشام من الجهة الجنوبية . وربما كان ذلك هو السبب وراء تفسير البعض بأن كلمة (الخابيرو)
مرادفة لكلمة (عبري) و(عبراني) بمعنى الذي يأتي من الجانب الاخر أى (العابر).
ويبدو من خلال تلك النصوص، أن المجموعة التي أطلقت عليها تسمية (الخابيرو)،
لا ينحدرون من أصل واحد وليس لهم عرق أو انتماء أو مهنة معينة، وهم عند بعض
الباحثين خليط من الشعوب السامية القديمة .
استقروا فترة من الزمان فى ارض كنعان القديمة.وضموا بينهم بعض الآراميين،
والعموريين، والآشوريين، وغيرهم من الشعوب الأخرى، أي أنهم شكلوا أجناس متشابهة
ومنهم العبرانيين أيضا ثم جاءت النصوص التوارتية بكلمة (الهابيرو) .
هذه الجماعات المنتشرين فى منطقة الهلال الخصيب كشعب غير مستقر،
وفوضوي يقوم بخدمة من يدفع له أكثر سواء كأيدي عاملة في الأعمال المدنية، أو
مرتزقة في الجيش، وبذلك فإن المصطلح المصرى لتلك الجماعات ليس اسما بقدر ما هو
توصيف اجتماعي مهني.
وقد اتفقت النصوص المصرية والنصوص التوراتية فى أن توصيف ( خابيرو – عابيرو) وفق ما ذكره غوستاف
لويون بأن اليهود شكلوا أقل أمة، حتى زمن شاؤل، فى تلك العصابات الجامحة التى
تتكون من أخلاط ومجموعات غير منسجمة.
عاش بنو اسرائيل حياة بدائية تعتمد على التجوال والرعي قبل ان يستقروا، ويتحولوا
إلى شعب، وحتى بعد أن استقروا ابقي الكثير منهم على العادات البدائية التي يعتمدون
فيما على التجوال والسكن في الخيام ...".
أما كتب الآثار التي تحدثت عن تاريخ مصر والمنطقة قديماً، ولاسيما
بعض الوثائق الهيروغليفية، أشارت إلى أنه وجد في مصر في فترات متباعدة من الزمن
وقبل فترة الهكسوس فئة من العاملين أو المرتزقة، وقطاع الطر ق عرفوا
باسم (الخابيرو – والعبيرو – االبيرو– الهابيرو) وهي تسميات لفئة واحدة قاموا بالأعمال
الحقيرة في مصر، وهم لا ينتمون إلى السكان المحليين ولا توجد لهم هوية في طبقة
المجتمع، والنصوص المصرية لم تثبت أو تشير إلى أنهم كانوا من العبرانيين حصريا، بل
ذكرت أنهم آسيويين.
الخابيرو الذين سكنوا اطراف المدن وضموا اليهم عناصر عبرانية وآرامية
وعناصر آخر. يرجعون بأصولهم إلى شبه الجزيرة العربية وهو الموقف الذى نتقاطع فيه
مع طرح كمال صليبى وطرح فاضل الربيعى.
ولا ننسى رأي الباحث طه باقر الذي أتفق مع ما ورد من آراء حول أصل جماعات
(الخابيرو) الذي يرجع إلى الأصل السامي "أن العبرانيين نزحوا من بوادي الجزيرة
العربية إلى بلاد كنعان القديمة بثلاث هجرات وأقدم هذه الهجرات كانت من بوادي ما
بين النهرين الشمالية، وحدثت هذه الهجرة في القرن الثامن عشر قبل الميلاد مع زمن هجرة
الأقوام الأخرى التي جاءت بالهكسوس والحوريين إلى جهات شرق البحر المتوسط والهجرة
الثانية اقترن زمنها مع هجرة الآراميين في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، في زمن
العمارنة، أما الهجرة الثالثة فكانت خروجهم من مصر مع موسى ويوشع في آواخر القرن
الثالث عشر قبل الميلاد، وهكذا فقد اختلط هؤلاء العبرانيين من خلال هذه الهجرات
بالكنعانيين والاموريين وغيرهم من الأقوام الأخرى التي كانت قبلهم كما انضمت إليهم
أقوام أخرى غير سامية مثل الحوريين وبذلك اختفت كلمة (الخابيرو) من النصوص القديمة
لتحل محلها كلمة (العابيرو) أو (العبرانيين).
وعلى الرغم مما أشارت إليه النصوص والمصادر السابقة عن (الخابيرو)
وأصولهم، الا أنه ما زالت هناك مشكلة في تحديد هوية هذه الجماعات، ومما زاد من
تعقيد المشكلة هو ان الجماعات التي أطلق عليها بـ(الخابيرو) لا تنتمي إلى أصل واحد
وال تربط بين أفرادها أواصر قومية الا أنها كانت تجمع بين الساميين والحوريين .
وأقوام أخرى ذات أصول مختلفة، والقسم الأكبر من هذه الجماعات
التي بدأت تجوب المنطقة بكاملها ومصر منذ ما قبل الألف الثاني قبل الميلاد،
وكانوا مرتزقة وقطاع طرق يرجعون بأصولهم إلى الآراميين .
ولكن مع ذلك فإن هناك شبه إجماع بين الباحثين وعلماء الآثار، أن جماعة
(الخابيرو) هي تسمية تطلق على فئة أو طبقة من الناس (وليست على شعب) كانوا خليط من
أجناس، وتعتمد حياتهم على الغزو والإغارة من اجل تحقيق مكاسب مادية عن طريق النهب، والسلب،
وشن الغارات على المجتمعات المستقرة، وفي حال عدم توفر ظروف السلب والنهب، يتحولون
إلى مرتزقة أو عمال، أوعبيد تدفعهم الحاجة الى ذلك ومن خلال ما ورد يتضح لنا أن
العبرانيين جماعة من الخابيرو تربط بينهم روابط دينية قوية، وقد تخلوا عن حياتهم
البدوية السابقة، ونزلوا في فلسطين القديمة مع جماعات أخرى التحقت بهم في نهاية
العصر البرونزي الأخير من ال 1200 الى 2000 ق م في حين هناك إشارة حديثة إلى
جماعات (الخابيرو) في ألواح عثر عليها في حفريات قرية كامد اللوز في سهل البقاع في
لبنان، إذ كشفت ثالثة ألواح من الطين (الرقم الطينية) تحمل نصوص بالخط المسماري،
وعثر على جزء من لوح رابع من بين تلك اللوحات، وعثر بين تلك الألواح الأربع
رسالتين هما من ضمن مراسلات تل العمارنة تشير إلى (الخابيرو) جماعة كان أفرادها من
أصول مختلفة يدفع بهم فى الحروب والثورات والاستيلاء على البلاد وحكمها أحيانا أخرى.
0 تعليقات