آخر الأخبار

الحب في زمن الكوليرا ..

 

 


 

 

 

علي الأصولي

 

مضمون رواية الحب في زمن الكوليرا تحكي عن أسطورة لطائر صغير لا يغني إلا مرة واحدة في طول حياته، وغناءه اليتيم لا يجيده أحد من المخلوقات على الأرض،

 

وبعد أن يشتد عود هذا الطائر يذهب باحثا عن مكان بعيدا عن عشه مفضلا الغصون الشائكة وعندما يجد هذا الغصن الشائك يغرزه في صدره ويبدأ غناءه إلا آخر قطرة دم من هذا الطائر وبعدها تبدأ أسطورة طائر الشوك ..

 

وحاصلها: ان أحد طيور الشوك المحزنة هذه هو "فلورينتينو اريثا" بطل رواية (الحب في زمن الكوليرا) الذي أمضى ثلاث وخمسين سنة ينتظر المرأة التي أحبها مذ كان في الثامنة عشرة من عمره حين كان ينتظرها في ظل أشجار اللوز ليراقب بقلب مكبوت مرورها بزيها المدرسي ذي الخطوط الزرقاء و جرابها ذي الرباط الذي يصل حتى الركبتين وضفيرتها المتدلية على ظهرها حتى الخصر ..

 

كانت رؤية الصبية هي أقصى ما يريد لكن لياليه المضطربة جعلته يكتب لها رسالة قرأتها هي بدافع الفضول وكتبها هو بأصابع روحه ...

 

وفي انتظار ردها فَقد العاشق الرغبة في الكلام والأكل ولم يعد يستطيع النوم وبدأ يعاني من إغماءات مفاجئة مترافقة مع قيء أخضر ورغم أنهم كانوا في زمن الكوليرا إلا أن الطبيب قال إن هذه الأعراض ليست أعراض كوليرا بل أعراض حب سيتحكم بمصير هذا العاشق الشاب حتى يشيخ ..

 

ولأن الحياة لها ألاعيبها الخاصة والملتوية و رغم أن "فلورنتينو" ليس نموذج الرجل الذي كانت ستختاره "فيرمينا داثا" إلا أنه أثار فضولها بحيث جعلها تبادله الرسائل ثم أوراق أزهار مجففة وأجنحة فراشات وريش عصافير فاتنة .. وبعد مرور سنتين من الرسائل المحمومة وافقت على الزواج منه شريطة ألا يجبرها على أكل الباذنجان ..!

 

لكنها ذات يوم وفي أحد الأسواق سمعت صوته قريباً منها يهمس بالاسم الذي أطلقه عليها : (ربة متوجة) وحين التفتت إليه رأت عينيه الجامدتين ووجهه الأزرق الضارب إلى السواد وشفتيه المتصلبتين .. فلم تشعر بهيجان الحب بل شعرت بخيبة الأمل فالبعد رسم لها صورة أخرى كاملة لا تشبه بأي شكل من الأشكال صورة هذا الرجل الهزيل البائس ...

 

وبحركة واحدة من يدها محته من حياتها و قالت له : أرجوك انس كل شيء.. وفي مساء ذلك اليوم أرسلت له الرسالة الأخيرة عندما رأيتك اليوم أدركت أن ما بيننا ليس إلا وهماً..

 

و أرفقت بالرسالة كل رسائله و أشعاره وأزهار كاميليلاه المجففة وطلبت أن يعيد إليها الرسائل والهدايا وضفيرتها وهي في الخامسة عشرة التي كان يعلقها في علبة زجاجية كما لو كانت أيقونة مقدسة ...

 

ورغم تلك القسوة التي يعجز الشيطان عن القيام بمثلها انتظرها العاشق الهزيل البائس خمسين سنة حتى شاخت و شاخ زوجها وتوفي ...

 

 ليعود إليها يوم دفن زوجها ويقدم لها عرض حبه الأبدي الذي لم يصدأ ولم يصبح شيخاً مثلهما .. "فلورينتينو أريثا" عاش عمراً كاملاً ينتظر أن يعيش ..

 

تبادل الحب العابر مع العابرات ذاك الحب الذي يعطي شيئاً يشبه الحب لكنه يفتقد إلى رائحة الحب النفاذة التي يخلّفها وراءه ..

 

لم تكن له امرأة ولا بيت فيه مدفأة وطفل ... ليس لأنه لم يلتق بامرأة تستحق الحب بل لأنه وضع عصابة على قلبه وأمره ألا يرى إلا حلمه القديم البائس مثله ..

 

وهكذا عاش لأجل المرأة التي أحب بينما عاشت هي كامرأة حياة لأجل أشياء كثيرة لا تمت إليه بصلة عاشت لأجل زوجها ويومياتهما معاً ولأجل أطفالها وتفاصيل حياتها الكاملة بعذوبتها ومراراتها ..لكنها لم تعش لأجله أبدأ ..

 

لا أعرف لماذا لم أفرح حين قبلت تلك المرأة السبعينية التي تفوح منها رائحة عجوز عرض "فلورينتينو" بالحب الأبدي .

 

ولا أعرف لماذا حين قرأت هذه الرواية وأنا في الثامنة عشرة من عمري اعتقدت أن هذه الخاتمة هي الخاتمة الأجمل واليوم بعد مرور كل تلك السنين وأنا أعيد قراءتها أغرق في الحزن وأفكر بأن هذا ليس حُباً... قد يكون كوليرا لكنه ليس حُباً .. انتهى موضع الشاهد:

 

أجل: كثير من المتدينين والمتشرعة يبالغون واهتماماتهم ومعرفة الطرق إلى الله على طريقة فهم المتصوفة والعرفاء وكثير منهم يتمنى لو أنه عرف سرا هنا أو حقيقة هناك وما يخص آل محمد(ص) بعد قراءة أو سماع حديث أمرهم صعب مستصعب، ولكن لا ضمان فيما لو هتك الستار وسقط الخمار وانحرافهم عن جادة الصواب ودونك تاريخ أكابر المتصوفة ومن شطح منهم بل والحركات الباطنية القديمة والمعاصرة غير بعيدة وما تراه حبا وشغفا وجمالا قد يكون لك صادما عنيفا كما انصدمت بطلت (الحب في زمن الكوليرا) من حبيبها التي تخيلته على هيئة الملائكة والنبلاء، وبالتالي بدل وان تتعافى من الصدمة تجد نفسك لا تعرف ولا تفرق بين الحب والكوليرا ..





إرسال تعليق

0 تعليقات