علي أبو الخير
لا نغالي عندما ندعي أن المسلمين ينظرون للخلافة على أنها من
ضرورات الدين ومسلمات التدين، ثم يتباكون على سقوط الخلافة عام 1924، وكانت دهشة
وحزن المسلمين طاغيين عندما سقطت خلافة آل عثمان، حتى رثاها أمير شعراء العربية
أحمد شوقي قائلا في قصيدته ضمن ما قال:
(ضجـت عليـك مـــآذن ومنابــــــر/وبكـــت عليـك ممــالـك
ونـــــــــــواح.. الهنـد والهـة ومصـــر حـزيـنــــة/تبكـــي
عليـك بمـدمــع سحـــــــــــاح...والشـام تسأل والعــراق وفــارس/أمُحــا من
الارض الخـلافـة مـــــــاح؟)..
رغم أن الهند وفارس لم تكونا ضمن دولة الخلافة، ولكنها بلاغة أمير
الشعراء التي تفوقت على حقائق التاريخ، إن توسع الدولة العثمانية بدأ بمذبحة سليم
الأول عندما قتل أخوته وقتل المصريين، وانتهت بمذبحة الشام ومذبحة الأرمن بين عامي
1914 – 1924، وهو عام السقوط العثماني.
على أن سقوط الخلافة كان داعيا كبيرا وبداية ظهور وتأسيس جماعة
الإخوان المسلمين عام 1928، التي زعمت أنها ستعيد الخلافة، لتصل بالمسلمين إلى
أستاذية العالم، في حديث سياسي أصولي لا يمت للدين بصلة، وما نراه أن نظام الخلافة
من أساسه نظام دنيوي يستمد شرعيته من نصوص دينية فاسدة، جعلت الخليفة يتخذ لنفسه
صفة من صفات الله تعالى، وهو أنه وحده لا شريك له في الملك، لا يتخلى عن الملك إلا
بالموت أو القتل، ولم تشذ الخلافة العثمانية عن أخواتها الأموية والعباسية، فقد
توسعت في العالم العربي منذ عام 1517 عندما احتل سليم الأول مصر، وعلّق رؤوس
المصريين السمراء على السوارى، ولم تنشر الدولة العثمانية الإسلام في أوروبا كما
يكذب أنصارها المتأسلمون، كانت حروبها في المجمل حروبا للتوسع، فانتصرت على
الأوربيين واحتلت اليونان والنمسا والمجر وصربيا ثم انهزمت، ولكنها لم تنشر
الإسلام في أوروبا، فهذا أمر لم يكن يعنيها، أما مسلمو البوسنة والهرسك وكوسوفا،
فهم الذين أسلموا مبكرا ومعهم الأتراك الذين استوطنوا البلاد، وكان السلاطين
يأخذون الجزية من الولايات العربية مسلمين ومسيحيين ويهود، وقال السلطان سليمان
القانوني"إن أرض مصر ملكي وأهلها مزارعون عندي"، وطبقوا أفجر نظام زراعي
وتمليكي وهو نظام الالتزام، وصل الأمر أن يكتب الشيوخ في مصر للعوام تمائم وتعاويذ
لإخلاء البيوت من النمل "اللهم أخرج النمل من الدار كما أخرجت الرحمة من قلوب
آل عثمان"، ويدعو المصريون "يا رب يا متجلي إهلك العثمانلي"، فكان
الشعب أقدر على فهم قسوة الخلافة أكثر من النخب والحكّام على السواء، ولكن هذا أمر
يحتاج لكتابات أكثر.
كان لابد من كتابة هذه المقدمة عندما نتحدث عن السلطان الأشهر
والأبرز عبد الحميد الثاني(تولى الحكم 33 سنة من 1876، وحتى 1909 عندما خُلع، ثم
وُضع رهن الإقامة الجبريَّة حتّى وفاته عام 1918)، الذي يتخذ المتأسلمون دليلا عن
حتمية الخلافة، وأن الخلافة تمنع التدخل الأجنبي، وكل هذا يسقط أمام حقائق التاريخ
وهو قريب مدون، فقد ظهرت وشاعت كذبة كبرى تقول إن السلطان عبد الحميد تصدى للأطماع
الصهيونية، وأن اليهود حاولوا رشوته لتثبيت ملكة في مقابل مساعدتهم لتأسيس دولتهم
في فلسطين، وأنه رفض ذلك رفضا تاما، وهو قول مكذوب، وما حدث يكذب تلك الروايات
المتأسلمة، فقد تفاوض السلطان عبد الحميد مع اليهود، وهو أول منسمح بالهجرة
اليهودية إلى فلسطين وتملك الأراضي فيها، حيث سمح بإقامة أول أربعة مستوطنات
صهيونية في ظل حكمه وهي : ريشون لتسيون1878 وبتاح تكفا 1878 وزخرون يعقوب1882 وتل
أبيب عام 1908 وهي مستوطنات أقيمت على أنقاض القرى العربية التالية : عيون قارة و
ملبس و زمارين وتل الربيع، وخُلع عبد الحميد بعد أن توحشت الحركة الصهونية بفضله،
ولكن تلك لم تكن الخطيئة الأولى لعبد الحميد، ذلك أنه وعندما قاوم أحمد عرابي
بريطانيا، ورغم أنه نظريا يدافع عن الدولة العثمانية، لأن مصر إحدى ولاياتها، وإلا
أن السلطان عبد الحميد، تدخل بسلطتة الروحية الدينية رغم تزييفها، ولكنها فعلت
مفعول السحر في هزيمة عرابي وباقي الثوّار، فقد أصدر عبد الحميد قرار في صورة
فتوى، جاء فيها: "بناء على ما محاربة عرابي باشا للإنجليز، يحسب عرابى
وأعوانه عصاة، ليسوا على طاعة الدولة العلية السلطانية، ويتعين على سكان الأقطار
المصرية حالة كونهم رعية مولانا و سيدنا الخليفة الأعظم أن يطيعوا أوامر الخديوي
المعظم الذى هو فى مصر وكيل الخليفة وكل من خالف هذه الأوامر يعرض نفسه لمسئولية
عظيمة، وأن معاملة عرابى باشا وحركاته و أطواره هى مخالفة للشريعة الإسلامية
الغراء مضادة لها بالكلية"، ووزعت الفتوى على الضباط والجنود، فانسحبوا من
الجيش في التل الكبير، وكانت الهزيمة ثم الإحتلال البريطاني لمصر، فلا استفاد
السلطان ولا انتصر الإسلام، مهزلة سياسية جغرافية بمنظور ديني، أما السلطان عبد
الحميد فقد مارس مثل أسلافة كل ضروب القتل والفساد والاستبداد، حتى سقط الدولة
وانهزمت الخلافة، والعجيب أن شيوخ الأمة، كلُّ في أقطارهم يضفون القداسة والطاعة
ثم يدعون للرؤوساء والأمراء والملوك بدعوات طول الأعمار لهم، أي أنهم ظلوا على
ولائهم العقائدي اللفظي، أما القلوب فلا يعلمها إلا الله، ولكنها تظهر على ألسنتهم
عندما يأتي رئيس أو أمير أو ملك جديد...
نظام الالتزام
هو نظام فرضته الدولة العثمانية، بمعنى أن تؤجر الدولة آلاف
الأفدنة لشخص اسمه الملتزم، ويدفع الإيجار مقادما، ويعطي للملتزم الحق في تحصيل
الأموال من الفلاحين بأي طريقة تناسبهم، فكانوا يضربون الفلاحين ويسخروهم، ويهتكون
الأعراض ويمارسون اللواط علنا دون أن تردعهم دولة أو والي..
0 تعليقات