آخر الأخبار

المجتمع المصري والتطبيع : السفارة فى العمارة

  





 

محمود جابر

 

 

لو حضرتك محتاج تعرف وجهة نظر المجتمع المصري فى قضية التطبيع أنصح بان تشاهد فيلم السفارة فى العمارة ... لكاتبه يوسف معاطى ...

 

 

يمتلك يوسف معاطى – كاتبا- حسا مصريا خاصا بالقضايا المصرية النوعية، ولعل من أهم أعماله التى كتبها للسينما المصرية فيلم( السفارة فى العمارة) الذى من خلالها قدم رؤية عميقة لأكثر شرائح المجتمع المصري انفلاتا وتحررا على مستوى الأخلاق الشخصية والحياة الخاصة، ورغم سطحية بطل الرواية وعدم معرفته بمجريات الأمور التى تدور حوله، حيث أن عقله مرتب ما بين عمله كمهندس بترول وبين البحث عن عشيقة يقضى معها ليلة أو بعض ساعات حتى لو كانت تلك العشيقة احد بائعات الهوى ....

 

يجسد البطل الزعيم عادل إمام أحد أيقونات السينما المصرية، فى دور المهندس شريف خيرى، يبدأ الفيلم أحداثه من لنتعرف على شريف خيري(عادل إمام)، مهندس البترول المصري الأعزب وزير النساء الذي لا يدع فرصة تفوته لإقامة علاقات عابرة مع النساء، ويظهر جليا انه اعتاد هذه الحياة منذ سنوات خلال إقامته التي استمرت ربع قرن في الإمارات ، الى أن تأتي العلاقة التي تقلب حياته رأسا على عقب حيث ينكشف أمر إحدى هذه العلاقات مع زوجة رئيسه الأجنبي، ويدفع الثمن بأن يفصل من عمله ويعود إلى مصر، بعد أن ودع زميله المهندس الفلسطيني وابنه الطفل الصغير الذي يحلم بالذهاب الى فلسطين للمشاركة في الانتفاضة، والذي يحتفظ عادل إمام معه بعلاقة مميزة بالرغم من فارق السن بينهما. وهو رجل قارب على الخمسين أو أكثر، وطفل لم يتجاوز العشر سنوات !!

 

يعود "شريف" إلى القاهرة ومن ثم يصل لعمارته في القاهرة بعد ان هجرها لسنين ويدخل شقته المغلقة في نفس العمارة التي توجد بها السفارة الإسرائيلية دون ان يدري بوجودها، الا انه يتفاجأ بالحراسة المشددة على مدخل العمارة دون أن يستوعب الأمر تماما.

 

فالسفارة لم تجد لها مقر سوى فى عمارة سكنية وهذا واقع حقيقى وأمر فريد حيث ان كل سفارة فى القاهرة لها بناية خاصة سوى السفارة الإسرائيلية التى توجد فى شقة فى عمارة سكنية .

 

وأول ما يزعجه في الحراسة الأمنية إعاقة حياته التقليدية، ونزواته الغرامية لأنه يتحتم عليه تسجيل اسم كل زائرة وأحيانا تقديم جواز سفرها. وتتعرض الأحداث لمعاناته اليومية بسبب القيود الأمنية المفروضة لحماية السفارة ومن فيها مما يولد لديه إحساسا شديدا بالكراهية للسفارة رغم كونه لا يهتم إطلاقا بالسياسة.

 

وبحثا عن حريته من هذه القيود يقرر إقامة دعوى قضائية للمطالبة بنقل السفارة الإسرائيلية من العمارة التي يسكن فيها، فتتحول الدعوى إلى قضية رأي عام. يبدأ مسؤولو السفارة بعدها ضغوطهم عليه للتنازل عن الدعوى، فيقرر أن يطور من أسلوب تعامله معهم ويشارك بالصدفة في المظاهرات المناهضة لوجود السفارة في مصر.

وبمجرد تداول القضية بين الناس يصبح (شريف) الذي لا يفقه شيئاً في السياسة بطلاً شعبيا، و حين يقع في حب داليا البحيري، وينساق معها في حضور الاجتماعات الحاشدة ويتعرف على عائلتها اليسارية، وسط مشاهد مفعمة بالكوميديا الصارخة، وفي إحدى هذه المشاهد لا يجد فى الاجتماع الحاشد الذي أقامه اليسار للاحتفاء به -لأنه أصبح بطلا قوميا مقاوم للتطبيع - سوى ترديد أغنية شعبان عبد الرحيم ( أنا بكره إسرائيل )، لعجزه عن إيجاد كلمات مناسبة نظرا لفقر خلفيته السياسية.

 

ومن المشاهد التي ابدع فيها، مشهد تقوم فيه جماعة متطرفة بوضع حزام ناسف على خصره وتطلب منه تفجير السفارة –انطلاقا من انه بطل قومي- ويذهب بالحزام الذي لا يمكن فكه وسينفجر خلال ساعتين الى مسؤول امني كبير قام بدوره ضيف الشرف بالفيلم “خالد زكي”، والذي يأمر موظفيه بفكه قبل 5 دقائق فقط من انفجاره.

 

من المشاهد التى نقلها الفيلم وكانت تستحق ان تقف أمامها طويلا، حينما ذهب شريف الى أحد الحانات الليلية واصطحب فتاة ليل على شقته لقضاء ليلة ساخنة، وما أن وصلا الى بيته حتى انطلق صاروخ أطلقته احد الجماعات التى كانت تستهدف السفارة المجاورة لشقة شريف وتم تدمير بعض أجزاء الشقة، وفقد شريف قدرته على قضاء الليلة مع الفتاة ولكنه اخرج بعض أموال يعطيها لها وفق الاتفاق، ولكن الفتاة – العاهرة – التى ظهرت فى السرير بملابس النوم أن تعرف سبب استهداف شقة عشيقها، فأوضح انه ليس هو المستهدف بل الشقة المجاورة فسألته لتعرف لماذا ؟

 

فقال  إنها شقة السفارة الإسرائيلية فما كان منها إلا أن ألقت الأموال فى وجهه وانهالت عليه سبابا واتهاما بالعمالة والخيانة وكان هذا قمة المشاهد الدرامية التى تحتاج لوقفه كبيرة للتعرف على طبيعى المجتمع الذى رفض بائع الفطير ان يبيع له لانه مقيم فى عمارة السفارة، ورفض سمسار العقارات ان يشترى منه الشقة لانها فى عمارة السفارة ولم يجد من احد يتعامل معه لأنه فى نظرهم خائن والسبب انه يقيم فى نفس العمارة التى توجد بها سفارة إسرائيل ...

 

 

الفيلم كتابة ودراما وكوميديا غاص إلى قدر بعيد فى البناء النفسى والسلوكى والانحياز لكل شرائح المجتمع المصرى دون استثناء وموقفهم الحقيقى من العلاقة مع إسرائيل بشكل أكثر وضوحا وفهما .






إرسال تعليق

0 تعليقات