د. حازم الرفاعي
يعجز الخيال عن تصور حجم الهيمنة الأمريكية الثقافية على العالم.
لكن صعود تطبيق clubhouse في أيام معدودة بعد
إعلان أن (إيلون ماسك) قد استخدمه، ثم دعوته لبوتين لاستخدامه أو ربما (منازلته)
يبسط الموضوع. التطبيق هو إعادة تدوير لفكرة (حجرات الحوار) التي ظهرت في الإنترنت
منذ عشرين عاماً تقريباً أو يزيد.
الفارق بين التطبيق الجديد المثير للجدل والاهتمام والتطبيقات
القديمة لحجرات الحوارات كالـ Pal talk
هو تحسن التكنولوجيا؛ فلقد تشابك العالم كله عن طريق شبكة
التليفونات المحمولة، فلقد صار رقم هاتفك الجوال هو هويتك، وصرت أنت الإنسان مجرد
رقم تليفون من الممكن اكتشافه وتتبع علاقاته ومزاجاته وتاريخه الثقافي والشخصي والسياسي.
فبمجرد أن تضغط علي (زر) يشير لاهتمامك بخبر أو بموضوع أو حصولك علي تطبيق ما فعلى
الفور تتفاعل شبكه أرقام تليفوناتك المحلية والدولية مع الشبكة العنكبوتية فتظهر
لآخرين قائمة من البيانات تشكل صورة واضحة لمن أنت ومن هم. ولقد صار (السجل
المدني) المحلي للبيانات كما نسميه نحن المصريون هو شبكة الإنترنت، وصار مالك
البيانات هو أمريكا ذاتها، أو شركاتها إن تحدثنا بأٔدب ضروري.
الفارق الثاني هو استخدام شخصيات كونية علمية مالية ثرية تجسد
الحلم الأمريكي. فملايين الناس والشباب حول العالم تحيا متطلعة لنماذج أمريكية. ولقد
استبدلت صوره (الكاوبوي) مقتحم الغرب الأمريكي على الحصان كأداة تسويقية لصورة
العالم المستثمر الذي صار مليارديراً. فوعي الساسة الأمريكيين بالقيمة الدعائية
لتلك الأساطير شبه العلمية كأداة سياسية دعائية في تزايد. فهؤلاء اليوم هم المكافئ
لهوليود وشركاتها وفنانيها. فبدلاً من السينما صار هناك السيليكون ڤالي؛ وبديلاً
لمترو جولدن ماير صارت هناك مايكروسوفت وبديلاً لنجوم السينما من فرسان وحسناوات
صار هناك بيل جيتس مؤسس شركة ميكروسوفت. وبدلا عن إعلانات الدخان والسجائر تحمل
شعارات مثل (تعالى إلى حيث النكهة) صار هناك إيلون ماسك صاحب مشروع السيارات
الإليكترونية المقدمة للعالم كمنقذ للبيئة بينما هي في الواقع ( قبلة الحياة )
تمكن صناعة السيارات الأمريكية من استعادة أرباح تلك الصناعة لأمريكا.
وحيث أن الأثرياء لا يخطئون، فلقد تحول بيل جيتس -بقدرة قادر- من
بليونير إليكتروني إلى مفكر بيولوجي، وصار إيلون ماسك بالوناً عملاقاً يطل على
البشرية. ونفخت صورته من مستثمر إلى عبقري. وهكذا فما أن أٔشارت الصحف إلى أن
إيلون ماسك استخدم تطبيقا مجهولا هو (clubhouse) حتى صار الأمر خبراً عالمياً يتابعه الملايين، التي لا تعرف ما
هو، أو ماهية هذا التطبيق أو أهميته إن كانت له أهمية. وكأنما هذا لا يكفي! فبعد
عدة أيام (غرد) إيلون ماسك داعياً بوتين لاستخدام التطبيق. تم هذا وسط الأحداث
الساخنة للمنشق الروسي الأمريكي أليكسي ناڤالني.
التطبيق الجديد هو إحدى وسائل التواصل الاجتماعي وهو خطوة جديدة
للسيطرة على عقل العالم، وهذه المرة بالصوت، بعد أن كان بالكتابة في وسائل التواصل
الاجتماعي الأخرى كالفيسبوك وتويتر أو بالصورة والفيديو (كانستجرام).
وهكذا فلقد انضوى تحت التطبيق الجديد ما يتجاوز العشرة ملايين في
أقل من أسبوع. ملايين تحيا في مناطق جغرافية متباينة وخطوط عرض وخطوط طول وتوقيتات
مختلفة ويتحدثون لغات مختلفة كالأسبانية والإنجليزية والروسية وربما الصينية؛ وهو
مفتوح لكل من يستطيع استخدام حنجرته. التطبيق الجديد يستخدم (الميكروفون) وهو مقصور
حتى الآن على تليفونات شركه (أبل) الآي فون. ولقد تزعمت تلك الشركة تياراً
أمريكياً في صناعة البرمجيات رافعة راية الخصوصية الفردية وأهمية سرية البيانات
ودخلت في صراعات علنية مع الشركات الأخرى كالفيسبوك التي تتاجر بالبيانات الشخصية
للناس. ومن المعروف أن استخدام الميكروفون من الأمور المثيرة للقلق بشأن (خصوصية
أجهزة المحمول).
والمثير للاهتمام في الأمر المصري هو ظهور (حجرات) على الفضاء
الصوتي تم اختيارها بعناية: حجرات عن اليسار المصري وأخرى عن أحداث يناير وأخري عن
الحشيش، واستعيدت من قبور الأعلام أسماء كان نجمها قد خفت كباسم يوسف وغيره، وفتحت
حجرات تتحدث عن سد النهضة.. وظهرت حجرات تضم حوارات عن الإسلام السياسي، والعلاقة
مع إسرائيل، والتطبيع الخليجي.
رؤوس مواضيع واسعة تم اختيارها بشكل يبدو تلقائياً ولكنها تمثل
عقلاً سياسياً واعيا بمحاور اهتمام الرأي العام المصري والعربي او بذات المحاور
التي استخدمت في مشروع الفوضى الخلاقة. ظهرت فرق شبه محترفة للعزف والتغريد الصوتي
وعاملين ربما بالأجر من الإعلاميين وراء الستار. ففي تلك (الحجرات) الحوار بلا
نهاية وإن كان يسبح في محيط واسع من (جاهلية سياسية) لا توجد بها إلا جزر صغيرة من
وعي حقيقي.
أين روسيا والصين وربما الهند وغيرها؟؟! التعبير الأصح هو أنهم
أيضا مفعول بهم في عصر الهيمنة الأمريكية علي الفكر الإنساني، وعلى انهيار الحدود
القومية.
تطبيق clubhouse ودفعه لمقدمة وسائل
التواصل الاجتماعي حول العالم بكل اللغات هو اقتحام آخر لحلبة الوعي القومي في كل
الدول والمجتمعات وهو رصيد للسياسة الامريكية حول العالم. وهو تطبيق لفكرة صاحب
العمود التي تواجدت في التعليم والثقافة الأزهرية لمئات السنين وسبقها (حادي
العيس) يقود الإبل لمسارها. فمن يستبق لإنشاء الحجرة ويختطف العنوان هو المبادئ
فهل من رد؟ بالتأكيد يوجد. وبالتأكيد ممكن. لكن سرعة الأداء والملاحقة هي إحدى
دلائل الاستقلال الوطني الإليكتروني.
0 تعليقات