بقلم : عربي بن أدم
— تصدى دكتور فؤاد زكريا لوهم الصحوة الإسلامية مبكراً و كتب في
ذلك العديد من الكتب و المقالات، من ذلك كتابه الحقيقة و الوهم في الحركات الإسلامية
المعاصرة، و كتاب الصحوة الإسلامية في ميزان العقل.
و في هذا الكتاب، كرس فؤاد زكريا الفصل الأخير لنقده لمصطفى محمود
الذي يرى انه يقدم للقاريء "توليفه فكرية" وصفها بأنها "عطارة
الفكر" و التي طلعت علينا بكتاب (الماركسية و الإسلام)...
— بداية يسأل الدكتور زكريا عما اذا كانت حقيقة انتشار الكتاب
الواسعة تعبر "عن قيمة حقيقية للكتاب، أم أنه من نوع انتشار فيلم (بمبة كشر)
على حساب (المومياء)" !
هذا ما حاول ان يجيب عليه فؤاد زكريا في هذا الفصل الذي كشف فيه كم
السخف و التناقضات التي يعج بها هذا الكتيب الأيديولوجي –و الذي لا شك عندي انه
احد إبداعات المخابرات الأمريكية و ماكينة البترودولار الوهابية. و قد كانت
الملاحظة "الأهم" التي استلفتت نظر الدكتور زكريا في عرضه لسخافات هذا
الكتيب هي بحسب تعبيره "هبوط المستوى الذي نوقش به موضوع الماركسية، و ترديد
المؤلف مجموعة من الكليشيهات المحفوظة التي لا تليق بأي باحث."
— من أطرف ما تقرأ في نقد زكريا لمحمود هو تعقيبه على حقيقة ان
مصطفى محمود عدد في كتيبه "ما يتضمنه الإسلام من مباديء نظن في عصرنا الحاضر إنها
من ابتداع الاشتراكية العلمية: فالإسلام لا يسمح بالطبقية، و الإسلام يرفض التفاوت
الفاحش في الثروات، و ثروة الغني لا تكون مشروعة اذا كان في المجتمع فقير واحد لا
يجد القوت، بل ان الاسلام –في رأي الكاتب– قد عرف المنطق الجدلي أو الديالكتيكي و
استخدمه."
هنا، يرد زكريا ببساطة؛ "كل هذا كلام جميل...و لكن ألم يُفكر
الدكتور مصطفى محمود أبداً فيما يؤدي أليه كلامه هذا؟ انه يجعل حملته الضارية على
الماركسية أمراً لا معنى له، بل أمراً متناقضاً مع إيمانه الديني الذي يتدفق على
صفحات كتبه و مقالاته. ذلك لأنه اذا كان الإسلام قد تضمن كل هذة المباديء التي دعت
إليها الماركسية بعده بزمان طويل، فلا معنى للحملة على الماركسية و وصفها بأقبح
الصفات! ... بل انه اذا صح ما يقوله الدكتور مصطفى محمود فإن مهاجمته الماركسية أصبح
مظهراً من مظاهر ضعف الإيمان و تزعزع العقيدة.".... في ذلك يقرر دكتور فؤاد
زكريا ان هذا التناقض غير قاصر على مصطفى محمود "بل لقد شهدت السنوات الأخيرة
سيلا من الكتب التي ظهرت في مصر و في بلاد عربية متعدد، تتحدث عن اشتراكية الإسلام،
و تستمد كل المباديء الرئيسية في الاشتراكية من مصادر إسلامية ثم تهاجم الماركسية
بكل عنف. و هذا ما لا أفهمه، لأن المنطق السليم لا يسمح لأصحاب هذه الكتب الا بأحد
أمرين: إما أن يهاجموا الماركسية (وهذا حق مشروع لهم اذا شاؤوا)، و يؤكدوا أن الإسلام
مخالف لكل مبادئها و لا يتضمن شيئاً مما تدعو اليه، و اما ان يؤكدوا اشتراكية
الاسلام و يحترموا الماركسية لانها تضمنت على الاقل بعضاً مما سبق أن دعا اليه
الاسلام. أما ان يجمعوا بين محاربة مباديء الماركسية بضراوة و تأكيد سبق الاسلام
الى مبادئها الاساسية فهذا ما لا يقبله عقل و لا منطق."
— في هذة النقطة تحديداً يوجز فؤاد زكريا رده بما يتفق و الرد على
وهم الاعجاز العلمي بأثر رجعي إذ يقول: "و نتساءل: أكان من الممكن للدكتور
مصطفى محمود أو أي كاتب آخر يسلك هذا الطريق ان يكتشف في الاسلام الى مباديء مثل:
عدم السماح بالتفاوت الطبقي، او تدخل الدولة في الاقتصاد، لو لم يكن ماركس نفسه، و
غيره من المفكرين الذين دعوا الى هذة المباديء قد ظهروا بالفعل؟ لقد اهتدى اليها
الدكتور مصطفى محمود (بأثر رجعي) ... و بدا له أنها كانت موجودة هناك، في انتظار
من يكتشفها. غير ان وقت اكتشافها لم يحن بعد إلا بعد ان توصل اليها مفكر عادي من
عباد الله الفقراء أمثالي و أمثالك، و عندئذ فقط (وجدها) الدكتور مصطفى محمود و
أمثاله من الكتاب في النص الديني. و الدليل على ذلك ان احداً لم يتحدث عن
الاشتراكية في الاسلام الا بعد ان ظهرت الاشتراكية بالفعل، و بالطريقة العادية...و
بالاختصار، فان الدكتور مصطفى محمود يستحق الثناء على الجهد الذي بذله، و الذي سبق
و أن بذله عشرات غيره، لكي يهتدي في النص الديني الى مباديء أساسية في الاشتراكية؛
و لكنه لا هو و لا غيره كان سيتمكن من تفسير هذا النص بطريقة اشتراكية لو لم تكن
الاشتراكية قد ظهرت بالفعل في مكان ما في العالم، و على يد انسان عادي مثلي و
مثلك."
— و في الختام، يُنهي دكتور زكريا نقده لمحمود في ختام الفصل بمطلب
متواضع لا يخلو من خبث شديد اذ كانت خاتمة الكتاب هي هذة الفقرة:
"و أخيراً، فإن لدي أمنية أطمع في أن تحققها لي، و لقرائك
الكثيرين، هي أن تؤلف يوما ما (و خير البر عاجله) كتاباً عن "الرأسمالية و
الاسلام"، حتى تكتمل لدى القاريء صورتك بوصفك مفكراً يناصر الاسلام وحده، لا
هذا المذهب أو ذاك. و سأكون في انتظار كتابك هذا بشوق بالغ، و كل ما أرجوه، في هذة
الحالة بدورها، هو أن تعطي الفكر الرأسمالي فرصة كاملة لكي يعبر عن نفسه من خلال
مصادرة الأصلية، حتى لا يتهمك أحد أنك ظلمت الرأسمالية كما ظلمت الماركسية!"
أغلب الظن –رغم اني لست من متابعين منتجات العطارة الفكرية لمصطفى
محمود– ان صاحب برنامج العلم و الايمان و الذي بزغ نجمه في دولة العلم و الايمان
لم ينشر كتاب بعنوان الرأسمالية و الاسلام، ارجو التصحيح ان كنت مخطئاً! ان ماكينة
البترودولار الوهابية و ضرورات مجابهة الشيوعية لم يكن من مصلحتها تشويه
الرأسمالية باسم الدين كما عمد مصطفى محمود الى تشويه الماركسية باسم الدين في كتيب
لو صدر عن الشيخ كشك لما ادركت ان هنالك ثمة فارق في دوغمائية الطرح!
0 تعليقات