آخر الأخبار

شؤون مرجعية : الإبداع النجفي المحقق الخوئي الصدر الشهيد الأول وتلميذهما الشهيد الصدر الثاني

 






علي الأصولي

 

الحديث عن الإبداع في العصر الرابع من عصور علم الأصول يعني اختزاله في المدرسة النجفية خصوصا زعاماتها الفريدة وأعني بهم المحقق الخوئي والسيد الشهيد الصدر الأول والسيد الشهيد الصدر الثاني، وعند هؤلاء ينكسر القلم الإبداعي لحد كتابة هذه السطور، ومن جاء بعد الإعلام الثلاثة وفي طول وعرض الحوازات العلمية المحترمة فهم عيال على مؤائدهم مع حفظ الاحترام والمقامات،

 

وهذا لا يعني انقطاع الإبداع فقها تارة أو أصولا هنا أو هناك ولكن أن يكون بمستوى ما قرأنا عنه وسمعنا به والمحصول التراكمي العلمي فلا قياس إلا ما خرج بدليل،

 

تعرض قلم الصفحة في وقت ليس بالبعيد وتسليط الضوء على الإبداع الصدري وما سطره يراع معلم الأصول محمد باقر الصدر وتعرضنا والمنهج الأصولي وبعض إبداعات الزعيم الراحل محمد محمد صادق الصدر في غير هذا المقام.

 

فكان لابد والعروج لمحقق العلم الفقيه الرجالي اعني به المحقق الخوئي كبير الأصوليين وأستاذ أساتذة المجتهدين وإبداعه في مجال فنه،

 

وهنا أترككم مع ما سجله العلامة الخباز وما يخص الإبداع الأصولي بتصريف، إذ قال: لقد وضع نظرياته وابتكاراته على صعيد الأصول اللفظية وعلى صعيد الأصول العملية فعلى صعيد الأصول اللفظية نلاحظ مجموعة من الأطروحات الجديدة منها ما طرحه في تحديد مناط التمايز بين العلوم حيث وقع البحث عند الأعلام في مناط تمايز العلوم ووحدتها فذهب الفلاسفة الى كون المناط هو الموضوع فمع اختلاف الموضوع يختلف العلم ومع وحدته يكون العلم واحدا وذهب المحقق الاخوند والاصفهاني الى كون مناط التمايز هو الغاية والغرض فالأبحاث المتجهة لغاية واحدة علم واحد والأبحاث المتعددة الغايات علوم مختلفة وذهب بعض الأصوليين الى كون مناط التمايز والوحدة التسانخ الذاتي بين المحمولات أي محمولات مسائل العلم ولكن المحقق الخوئي (قده) ذهب الى كون المناط متعددا حسب تعدد الهدف فان كان الهدف من تدوين العلم متعلقا بالموضوع فالوحدة به وان كان بالمحمول أو بالغاية أو بالجميع فالوحدة بها فلا يوجد مناط واحد بين العلوم كلها بل هو متعدد تعدد الهدف من تدوين العلم وهو رأى لم يسبقه أحد فيه ومن نظرياته ما ذكره في مبحث الوضع حيث وقع النزاع بين الأصوليين في ان الوضع عملية اعتبارية أم تكوينية فان كانت تكوينية فهل هي بمعنى القرن المؤكد بين اللفظ والمعنى كما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسي راسل وتبعه السيد الصدر في أصوله أم بمعنى الوحدية بين اللفظ والمعنى كما ذهب له الميرزا علي الايرواني وان كان عملية اعتبارية فهل هي بمعنى التخصيص على نحو الفعل المصدري كما ذهب له أغلب الأصوليين أم بمعنى الاختصاص على نحو الاسم المصدري كما في عبارة الكفاية وذهب المحقق الخوئي. الى كونه عملية اعتبارية بمعنى التعهد بذكر اللفظ عند قصد المعنى سواء أكان تعهدا فرديا مقصودا أو تعهدا جماعيا مقصودا أم عفويا وبنى على ذلك عدة ثمرات في الأصول والرأي المذكور وان سبقه به المحقق النهاوندي ولكن طرحه بهذه الصياغة وبالأدلة المذكورة في كتب الأصول تجديد وتحديث.ومن نظرياته ما طرحه في بحث المعنى الحرفي حيث عقد البحث هناك في كون الفارق بين المعنى الاسمي والحرفي هل هو فارق ذاتي أم فارق لحاظي فذهب المشهور ومنهم المحقق الاصفهاني والعراقي الى كونه فارقا ذاتيا وهو مسلك النسبية الذي يعني كون المعنى الحرفي هو عين الربط بين المعاني الاسمية بحيث تكون ماهيته عين وجوده وذهب صاحب الكفاية الى كون الفارق فارقا لحاظيا مع وحدة المعنى في وعائه الحقيقي واختلف الأعلام في تفسير عبارة الكفاية في أن الفارق اللحاظي بنظره هل هو الآلية او الاستقلالية فالآلية تجعل المعنى حرفيا والاستقلالية تجعله معنى اسميا أم هو المرآتية والغائية فالمرآتية تعني كون المعنى حرفيا والغائية تعني كونه معنى اسميا .

 

وأما المحقق الخوئي. فقد ذهب لمسلك خاص لم يسبق به وهو كون الفارق ذاتيا الا أن المعنى الحرفي هو تضييق المعاني الاسمية وتخصيصها بخلاف المعنى الاسمي فهو عبارة عن الإطلاق الذاتي أو الأصولي المتعلق للتضييق الحرفي . ومن نظرياته ما قرره في بحث الأخبار والإنشاء حيث أن المعظم من الأصوليين ذهبوا الى أن علاقة الجملة الاخبارية بالمعنى علاقة اخطارية فالخبر عبارة عن نسبة تامة بين الموضوع والمحمول وهو قابل للصدق والكذب باعتبار مطابقة النسبة للواقع وعدم مطابقتها والجملة الإنشائية علاقتها بالمعنى علاقة ايجادية اما الانشائية عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ ولذلك لا يكون قابلا للصدق والكذب ..

 

ولكن المحقق الخوئي. ذهب لمسلك جديد طرحت بذرته في كلمات المحقق الايرواني (قده) وهو كون علاقة الانشاء والاخبار بالمعنى علاقة واحدة وهي علاقة الابراز ولكن الفرق في المبرز [بالفتح] فان كان هو الاعتبار النفساني فالجملة إنشائية ولا يوجد أي ايجادية من قبل اللفظ للمعنى بل لا يراها معقولة أصلا وان كان من المبرز [بالفتح] هو قصد الحكاية فالجملة اخبارية ولا تقبل الصدق والكذب بذاتها كما يرى المشهور لأن قصد الحكاية أمر نفسي لا معنى لصدقه وكذبه نعم تقبل الاتصاف بالصدق والكذب بلحاظ مضمونها في تطابقه مع الواقع وعدمه لا بلحاظ ذاتها ومن نظرياته في مباحث الألفاظ ما وقع الكلام فيه في بحث المطلق والمقيد وهو هل أن تقابل الاطلاق والتقييد تقابل السلب والايجاب أم تقابل الملكة والعدم فان كان الأول فلا يكون أحدهما مستحيلا في مورد يستحيل فيه الاخر وان كان الثاني فهما متلازمان امكانا واستحالة وذهب المحقق الخوئي (قده) للتفصيل بين مقام الاثبات ومقام الثبوت ففي مقام الاثبات يكون التقابل بينهما تقابل الملكة والعدم فالتقييد عبارة عن وجود ربطي في القضية والاطلاق عبارة عن عدمه وأما في مقام الثبوت فالتقابل بينهما تقابل الضدين اللذين لا ثالث لهما لأن الجاعل ان لاحظ الماهية مرسلة بالنسبة للقيود فهذا اطلاق وان لاحظها مقترنة لأحد القيود فهو التقييد فكلاهما لحاظان ذهنيان ولا ثالث لهما لاستحالة الاهمال في الواقع ورتب على ذلك عدة ثمرات علمية ، منها بحث امكان أخذ قصد القربة في متعلق الأمر حيث جاء بتصوير جديد للامكان وان ذهب الأكثر للاستحالة وفي بحث الوجوب التخييري وبحث الاطلاق والتقييد. هذا كله على صعيد الأصول اللفظيه أما على صعيد الأصول العملية فهناك أيضا عدة ابتكارات للمحقق(قده) منها: ما ذكره في بحث خبر الواحد من كون الشهرة غير جابرة ولا كاسرة حيث ذهب مشهور الفقهاء الى أن استناد مشهور العلماء الى خبر ضعيف يجبر ضعفه لأن الحجة هو الخبر الموثوق به وعمل المشهور من قرائن الوثوق كما أن اعراض المشهور عن العمل بخبر صحيح يوجب وهنه بل كلما ازدادوا اعراضا ازداد وهنا باعتبار أن اعراضهم مع كونهم أقرب لعصر النص كاشف عن وقوفهم على خلل في النص لم نقف عليه ولكن المحقق الخوئي اختار عدم الموضوعية للشهرة لا في الجبر ولا في الوهن أما بالنسبة للجبر فان الشهرة غير حجة في نفسها كما ذكر الأصوليون في بحثها والمفروض أن الخبر ضعيف السند فهو غير حجة أيضا وضم اللاحجة مع اللاحجة لاينتج الحجية فالنتيجة تتبع أخس المقدمات وأما كون الشهرة من قرائن الوثوق فان أريد بالوثوق الوثوق الشخصي وهو الاطمئنان فالحجية حينئذ للاطمئنان لا للشهرة ولا للخبر الضعيف مضافا الى أن حصول الاطمئنان الشخصي بصحة الخبر نتيجة شهرة العمل به ليس أمر لازما وان أريد بالوثوق الوثوق النوعي فلا دليل على حجيته اذ مركز الحجية عند العقلاء الوثوق النوعي بالخبر الحاصل عن وثاقة المخبر به لا مطلقا ،وأما بالنسبة للوهن للخبر الصحيح باعراض المشهور ففيه ان بناء العقلاء قام على حجية خبر الثقة على نحو اللاشرط ولم يقيد حجيته بعدم قيام ظن على خلافه فلا عبرة بالظن الحاصل على خلاف الخبر الصحيح سواء أكان شخصيا أم نوعيا ناتجا عن اعراض المشهور وأما كشف الاعراض عن وقوفهم على خلل لم نقف علنه فهو غير تام لاختلاف المقياس بيننا وبينهم في مناط الوثاقة فلعل ماهو خدشة عندهم لا يكون بحسب نظرنا خدشة والأمور الحدسية لا حجية فيها لأحد على أحد وقد رتب على هذه الكبرى كثيرا من الثمرات في الفقه فمنها فتواه بثبوت الهلال بالتطويق في الليلة الثانيه من الشهر خلافا لمعظم الفقهاء لصحيحة محمد بن مرازم التي قال فيها (ع) ((اذا تطوق الهلال فهو لليلتين )) وهذه الصحيحة حجة عنده مع إعراض المشهور عنها وهي بمرأى منهم ومسمع ومن نظرياته قوله بإنكار أصالة التخيير عند دوران الأمر بين المحذورين حيث اختلف العلماء في هذه الصوره فذهب بعضهم الى جريان التخيير الشرعي وبعضهم الى جريان التخيير العقلي مع الحكم بالاباحة الظاهرية كصاحب الكفاية وبعضهم ذهب الى جريان التخيير العقلي مع عدم حكم ظاهري كالمحقق النائيني (قده).

 

وأما المحقق الخوئي. فأنكر كل ذلك وقال تجري البراءة في ذلك عقلا ونقلا ، أما البراءة العقلية التي هي عبارة عن قبح العقاب بلا بيان فموضوعها صادق على كل احتمال بخصوصه من احتمالي الحرمة والوجوب لأن كليهما غير معلوم فلم يتحقق البيان فتجري البراءة العقلية وأما البراءة النقلية فتجري لوجود المقتضى وهو عموم أدلتها وعدم المانع ، ومن نظرياته التي سبقه الشيخ النراقي كما في رسائل الشيخ الانصاري عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وقد علل ذلك تعليلا يختلف عن تعليل النراقي وهو التعارض بين استصحاب الجعل واستصحاب ضيق دائرة المجعول فاستصحاب حرمة وطئ الحائض بعد طهرها وقبل الغسل مثلا معارض باستصحاب عدم جعل الحرمة لما هو أوسع من فترات الحيض ومع تعارضهما يتساقطان فلا يجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية. ومن مبتكراته التي لم يسبق بها إضافة قسم رابع على أقسام استصحاب الكلي فقد ذكر الأصوليون أن استصحاب الكلي على ثلاثة أقسام لأن الكلي اما متيقن الوجود بوجود فرد تفصيلي كالعلم بوجود كلي الانسان للعلم بوجود زيد ثم حصل الشك في ارتفاع الكلي للشك في ارتفاع الفرد ولا ريب عندهم حينئذ في جريان استصحاب الكلي واستصحاب الفرد وتارة يكون الكلي مرددا بين فردين فرد معلوم الارتفاع لو كان هو الحادث وفرد مقطوع البقاء لوكان هو الحادث فاذا تردد كلي الحدث بين الجدث الأكبر والحدث الأصغر وقد توضأ الإنسان فلو كان الحادث هو الأصغر لقطع بارتفاعه ولو كان الحادث هو الأكبر لقطع ببقائه فهنا قالوا: تجري الاستصحاب بالنسبة للكلي دون الفرد وتارة نعلم بحدوث الكلي في فرد ونعلم بارتفاع الفرد ولكن نشك في بقاء الكلي للشك في حدوث فرد مقارن لارتفاع الفرد الأول وهنا قالوا بعدم جريان استصحاب الكلي وعدم استصحاب الفرد وأضاف المحقق الخوئي. قسما رابعا ذكر أنه عرضه على أستاذه الاصفهاني فلم يجبه فيه وهو أن نعلم بالكلي في ضمن فردين أحدهما معلوم بالتفصيل والآخر بالاجمال فمثلا اذا علمنا بحدوث جنابة يوم الخميس واغتسلنا منها ثم رأينا أثر الجنابة على الثوب يوم الجمعة فحصل عندنا علم اجمالي بجنابة مرددة بين الجنابة الحادثة يوم الخميس فلا يجب الغسل وبين فرد آخر من الجنابة فيجب عنه الغسل والفرق بين هذا القسم والقسم الأول واضح فاننا هناك لاعلم لنا بفردين بل بفرد واحد وهنا يوجد علم بفردين والفرق بينه وبين القسم الثاني أن هناك علما اجماليا بتردد الكلي بين فردين من دون علم تفصيلي بحدوث أحدهما وهنا يوجد علم تفصيلي بحدوث الفرد السابق والفرق بينه وبين القسم الثالث أنه في الثالث لا يوجد علمان بل علم واحد بحدوث فرد سابق وعلم اجمالي بحدوث فرد لاحق ورأى المحقق الخوئي (قده) في هذا القسم القول بجريان الاستصحاب لحصول اليقين يوم الجمعة بحدوث الجنابة والتردد في ارتفاعها للتردد في أنها الفرد السابق الذي ارتفع أم فرد جديد فيجب الغسل منه لكن تعارض الاستصحاب أصالة بقاء الطهارة الحادثة بالغسل يوم الخميس ويتساقطان فيرجع لأصالة الاشتغال بالطهارة عند ارادة الصلاة. انتهى



إرسال تعليق

0 تعليقات