آخر الأخبار

أزمة "أيمن منصور" والشاعر "زكى عمر"!!

 


 

نصر القفاص

 

 

انتهيت من قراءة كتاب "يا صاحب المدد" للمقاتل بالقلم "خيرى حسن" ورحت فى حالة شجن يصعب وصفها.. فالكاتب "مبدع" شديد التفرد.. القضية ساخنة.. ملتهبة.. رغم مرور أكثر من نصف قرن على ارتكاب الجريمة!! المجنى عليه "شاعر" يصعب أن تنساه ذاكرة المصريين, وإن كانت أغلبيتهم العظمى لا تعرفه!!

 

الكتاب يتناول سيرة "زكى عمر" الذى اغتاله "أراجوزات" زمنه حيا.. فهو "صاحب المدد

 

" الذى صرخ شعرا فى عز الانكسار والنكسة ليقول: "مدد.. مدد.. شدى حيلك يا بلد.. إن كان فى أرضك مات شهيد.. فيه ألف غيره بيتولد"

 

 والمذهل أن "خيرى حسن" جعل من القلم "ربابة" وراح يحكى حكايته, ويعيد إليه الاعتبار.. بعد أن مات غريبا لمجرد أنه كان موهوبا وصاحب موقف.. حاول "زكى عمر" منع "أئمة الوطنية" من الإتجار بقضية وطن كان ينزف, بعد أن انتصرت مصر فى "حرب الشمس" كما يسميها "علاء سويلم" المقاتل.. المهندس فى أكتوبر 1973, قبل أن ينتقل للقتال بالكلمة والفكرة والقلم.. ويذكرنا "خيرى حسن" بأن ضمير الوطن, كان شاعرا قال: "العبرة ماهيش فى الشعر وبس.. ياهوه.. العبرة فى اللى قالوه.. فى سلوك الشاعر.. ذاته.. هل بيقول الشعر ويدفع تمنه.. أم هو بيقوله ويقبض تمنه"!

 

تتجدد حكاية "زكى عمر" وتختلف التفاصيل, بما يحدث مع الدكتور "أيمن منصور ندا" أستاذ الإعلام المرموق.. فهو رئيس قسم "الإذاعة والتليفزيون" بكلية الإعلام فى جامعة القاهرة, والتى يحولها رئيس الجامعة إلى "مقهورة"!! فالجالس على كرسى رئيس الجامعة انضم إلى "جوقة" تمارس جريمة "الاغتيال المعنوى" فى وضح النهار.. بدلا من أن يحمى صاحب الرأى - حتى وإن تجاوز فى لفظ - المحترم.. قاتل ضد أستاذ الجامعة خشية بطش "أراجوزات" من "قصار القامة" ومجهولى الهوية.. وقرر رئيس الجامعة, إيقاف الدكتور "أيمن منصور ندا" عن العمل, بدعوى الحرص على القيم الجامعية.. حولوه للتحقيق فى واقعة قديمة - جددوها - تتعلق بأزمة أو خلاف بينه وبين زميل له من شهور طويلة.. وللجامعة كل الحق فى أن تحافظ على القيم الجامعية, إذا كان ذلك صدقا وحقا.

 

قبل أن يتهمنى أحد بأننى أطلق كلاما مرسلا, أو أرفع راية الدفاع بلا أدلة أو براهين عن الدكتور "ايمن منصور ندا" الذى صاغ رأى أمة, وقال ما يجمع عليه العاملين فى "بلاط الإعلام" وخارجه لدرجة أن رئيس الدولة لم يكف عن الشكوى من حال الإعلام.. وقبل أيام كرر القول ذاته وزير الخارجية أمام أعضاء "مجلس النواب"

 

تعالوا نقلب الصحف والمواقع الإلكترونية وصفحة الدكتورة "إيمان جمعة" التى كانت رئيسا لقسم "العلاقات العامة" بالكلية نفسها, وفى الجامعة ذاتها.. فقد اتهمت الدكتورة الجامعة بالفساد الإدارى, لأنها نفذت حكم قضائى بتعيين معيدة فى القسم الذى ترأسه.. ودون علمها.. ونشرت أن صاحبة الحكم لا تستحق التعيين كمعيدة - رغم الحكم القضائى - لأن ترتيبها العاشر بين خمسة وعشرين دارس فقط!! كانت القضية مطروحة على القضاء لست سنوات.. فصدر بيان من كلية الإعلام يصف اتهامات واحدة من أساتذتها بأنه يمثل خروجا وتجاوزا للقواعد والأعراف الجامعية المحترمة, والتقاليد الراسخة التى تلتزم بها جامعة القاهرة وإدارتها.. وهو ما يضع من يتجاوزها موضع المساءلة, وفق لوائح الجامعة وقواعدها".

 

هل تم إيقاف الدكتور "إيمان جمعة" عن العمل؟!

لم يحدث طبعا.. رغم أنها بحسب بيان المستشار الإعلامى لجامعة القاهرة: "تناولت الموضوع بشكل يمثل إهدارا لسمعة الجامعة والكلية, وعدم احترام أحكام القضاء, وخروج على التقاليد والقيم الجامعية الأصيلة.. ومقتضى الواجب الوظيفى لإطلاقها أكاذيب غير صحيحة" وردت الدكتورة على البيان بمرافعة على صفحتها, أعطتها عنوان "بلاغ إلى مؤسسة الرئاسة.. وبلاغ للنائب العام والرقابة الإدارية" وذكرت ضمن ما نشرت موجهة الكلام لرئيس الجامعة بالنص: "إنتظرتك كثيرا.. كثيرا يا دكتور محمد الخشت.. كان قراركم عدم الانصياع للقانون واللوائح الجامعية, التى من المفترض أنك قيم عليها.. للأسف كان قراركم هو عدم تصويب أمر فاسد للغاية, كما أثبت لكم فى آخر مذكرة أرسلتها"!!

 

القضية التى دارت أحداثها خلال العام الماضى.. إنتهت بتعيين المعيدة.. عدم التحقيق مع الدكتورة التى خرجت عن الأعراف والقواعد الجامعية.. والتى أهدرت سمعة الجامعة والكلية, ولم تحترم أحكام القضاء.. وخرجت عن مقتضى الواجب الوظيفى.. بل تم اتهامها بإطلاق أكاذيب - حسب الكلية والجامعة - ولم يتم إيقاف الدكتور "إيمان جمعة" عن العمل.. لكن الدكتور "أيمن منصور ندا" يتم إعلان إيقافه عن العمل, يوم أن مثل أمام النيابة للتحقيق فى بلاغ قدمه أحدهم أو بعضهم ضده.. والمذهل أن تعلن الجامعة أن أسباب إيقاف الدكتور عن العمل, حتى لا يؤثر على سير التحقيق فى واقعة بين أستاذين بالكلية!!

 

قد تسأل.. ولماذا تمت تسوية قضية الدكتورة "إيمان جمعة"؟!

 

الإجابة لا تحتاج إلى صفحات وتفاصيل كثيرة.. فأطراف القضية كلهم من أصحاب الشأن والنفوذ.. وهى قضية.. وإن مست الكلية والجامعة.. مرتبطة بأشخاص.. لكن قضية الدكتور "أيمن منصور ندا" مرتبطة بوطن ومهنة وعلم.. فالأستاذ فتح ملف انهيار الإعلام المصرى وأسبابه.. قال كلمته ليبرىء ذمته أمام المئات من طلاب يلقنهم علما, لا علاقة له بما يقدمه "أراجوزات" على الشاشات!!

 

ورغم أن "المفترى عليه" هو "الدكتور" فقد تقرر إنصاف "الجناة" ربما ليتم إعلان "انتحار المنطق"!!

 

أكرر أننى لم أتشرف بمعرفة الدكتور "أيمن منصور ندا".. سوى من كتاباته.. وإن كانت جرأته وشجاعته وإبداعه فى الكتابة تجعلنى أندم على عدم معرفتى به.. لكننى عرفت عنه أنه حاصل على جائزة الجامعة التقديرية, ومؤلف موسوعة "البلدان العربية والإسلامية فى استطلاعات الرأى العام الأمريكية".. وهى فى خمسة أجزاء.. وعرفت عنه سابقة التدريس فى أرقى الجامعات.. وأهم ما عرفته عنه أن "الأراجوزات" لم يملكوا ردا عليه غير سباب وشتائم وصراخ, مع تهديدات بلا سقف وابتزاز غير مسبوق أمام الرأى العام المصرى والعربى.. وكم أذهلنى أن الكلية لم تحاول أن تتدخل بدعوة للمناظرة بينه وبين الذين يسبونه - كحد أدنى - واختارت أن تقدم لنا مسرحية "شاهد ما شافش حاجة" فى الوقت الذى تابعنا فيه أحد "قصار القامة" يطالب نقابة الصحفيين بتقديم مسرحية "بودى جارد"!!

 

يحدث كل ذلك فى لحظة صعبة من عمر الوطن.. لكن هواة اغتيال الموهوبين والمحترمين, لا يهمهم غير الحفاظ على استثماراتهم فى الأزمات والتجارة بتشويه الحقيقة.. وهؤلاء ذكرهم "زكى عمر" بإحدى قصائده حين قال: "مات الذى عبر.. عاش الذى هبر.. وكم فيك يا مصر من عبر"!! وهؤلاء ذكرهم "يوسف إدريس" حين تحدث عن تجربته فى السجن فقال: "أحس أنى بسجنى.. أدفع ثمن قول رأى فى بلد يعاقب بالسجن صاحب الرأى, ومعنى هذا أن وجودى فى السجن نتيجة طبيعية تماما.. فالحكومات فى العالم الثالث لا تنعم بالنياشين على أصحاب الرأى.. خاصة إذا كان رأيا معارضا.. إنها تعاقبه على رأيه.. تضربه.. وأحيانا تقتله"!!

 

أخذنى المبدع "خيرى حسن" وأغرقنى فى الشجن بكتابه "يا صاحب المدد".. وأخذنى الدكتور "أيمن منصور ندا" إلى ساحة الأمل والتفاؤل.. فهذا كاتب لا يملك غير قلمه وصفحته على "الفيسبوك" يواجه قذفا صاروخيا من فضائيات ورشقا بطلقات مطبوعة فى صحف وبيانات.. تحاصره تحقيقات النيابة وأحكام جامعة القاهرة بإيقافه عن العمل.. تتناوله الإذاعات بأخبار تفجر الذهول, وتتصدى له المجالس العليا للإعلام والمرأة وتحذيرات بأن "البرلمان" قادم إلى ساحة المعركة عبر لجنة "الثقافة والإعلام والآثار" بما يجعلنى ألقى فى وجوههم جميعا قول "زكى عمر" شعرا: "ملعونة الكلمة.. إن جت من عالى لتحت.. ملعونة الكلمة.. اللى ما تطلع من تحت لفوق.. ملعونة الكلمة.. إن خافت تطلع فوق" وإذا كان "زكى عمر" قد رحل.. فقد حمل "خيرى حسن" قلمه كربابة وحكى حكاية.. وشاء قدر "أيمن منصور ندا" أن يحمل بعده رايته!!

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات