آخر الأخبار

"شبيبة التلال".. استثناء يثبت القاعدة!

 




أنطوان شلحت



أعربت عدة متابعات وتحليلات إسرائيلية، وإن من طرف خفيّ، عن اعتقادها بأن حادثة ملاحقة الشرطة لمجموعة مستوطنين من عصابة "شبيبة التلال"، والتي تسببت بموت أحدهم، قبل فترة وجيزة، من شأنها أن تعيد إنتاج هذه العصابة بوصفها فئة لا تحظى جرائمها برقابة عين الأجهزة الأمنية الساهرة، سواء في صفوف المسؤولين عن تلك الأجهزة، أم في أوساط الرأي العام الإسرائيلي عموماً. ورأى البعض أن عدة قوى داخل جمهور المستوطنين سارعت إلى إطلاق حملة غايتها "تخفيف وطأة ملاحقة الأجهزة الأمنية" لأفراد هذه العصابة.



من ناحية وقائعية يجدر أن نعيد إلى الأذهان أن تلك الملاحقة برزت على السطح قبل عدة أعوام، في إثر جريمة إحراق عائلة دوابشة. ووفقاً لتقارير إسرائيلية متطابقة، في العامين 2016 و2017 حدث انخفاض متواصل في عدد تلك الجرائم، نُسب بالأساس إلى تداعيات العملية الإجرامية في قرية دوما، حيث اتهم مستوطن إسرائيلي بقتل ثلاثة من أبناء عائلة دوابشة، التي تم إحراق بيتها بواسطة زجاجات حارقة، وبعد العملية اعتقل جهاز "الشاباك" الكثير من ناشطي ما تسمى "مجموعة التمرد" كانوا متورطين حسب التهمة في أعمال عنف وتحريض على العنف ضد الفلسطينيين. وكما يبدو أدت الخطوات التي اتخذت في تلك الفترة،



ومنها الاعتقال الإداري، وأوامر إبعاد من الضفة الغربية، وفي حالات معينة السماح بإجراء تحقيق عبر استخدام وسائل ضغط شديدة، إلى حل "لغز" عدد من الجرائم، وفي المقابل أدت إلى تعزيز الردع تجاه ناشطين متطرفين. وكان التقدير أنه على هذه الخلفية انخفضت بدرجة كبيرة "الجرائم القومية المتطرفة" من جانب المستوطنين. ولكن هذه الحال لم تدم سوى فترة قصيرة جداً. وفي العام 2018 بعد إطلاق سراح الناشطين، وظهور مجموعات جديدة أكثر شباباً، سُجل ارتفاع كبير في عدد جرائم العنف في الضفة الغربية، التي يعتبرها جهاز الأمن العام "جرائم قومية متطرفة"، أي أعمال عنف ومساس بالممتلكات الفلسطينية من طرف المستوطنين اليهود. ومن معطيات غير نهائية جمعت حتى منتصف كانون الأول من ذلك العام، تبين أنه ارتكبت خلاله 482 حادثة كهذه – ارتفاع بمعدل نحو ثلاثة أضعاف ونصف الضعف مقارنة مع العام 2017، الذي سُجلّت فيه 140 حادثة. وحذرت حتى عناصر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى من احتمال حدوث تصعيد في عمليات الإرهاب اليهودي التي يقوم بها ناشطون من اليمين المتطرّف. وقالت هذه العناصر إن هؤلاء الناشطين "يتملكهم شعور قوي بأنهم يقدرون على الدولة ولا يمكن هزمهم". ولا بُدّ من أن نشير إلى أن 42 حادثة ارتكبت بصورة مباشرة ضد قوات الأمن الإسرائيلية، مقارنة بـ14 عملية كهذه ارتكبت العام 2017، ما يعني ارتفاعاً بنسبة 300 بالمئة.



وأبرز هذه الأعمال جريمة قتل عائشة الرابي في تشرين الأول 2018، والتي بات معروفاً أن المستوطنين المشتبه بهم بقتلها حصلوا على توجيهات من زعماء المستوطنين في "يتسهار"، كما أنهم تلقوا تعليمات من عناصر قضائية تتعلق بكيفية مواجهة التحقيقات في أروقة جهاز "الشاباك".



ما عاد سرّاً أن المحاولات الإسرائيلية المستمرة لتصوير هذه الجرائم على أنها استثناء، لم تفلح في أن تنزع عنها صفة الاستثناء الذي يثبت القاعدة. وهي صفة مستمدّة، بين أمور أخرى، من التواطؤ الإسرائيلي الرسميّ مع هذه الجرائم، حتى على المستوى القانوني، حيث كشفت دراسة أجرتها منظمة "يش دين" ("يوجد قانون") على مدى أعوام عدة أنه من بين جميع ملفات التحقيق التي تم فتحها في شرطة "لواء يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) بشأن مخالفات ارتكبها المستوطنون بحق فلسطينيين، انتهت 3 بالمئة منها فقط بالإدانة، ما يحيل إلى أن الجهازين القضائيّ والأمنيّ في إسرائيل يغضّان الطرف عن ممارسات هذه العصابة ولا يتعاملان بجِدّيّة لكبحها وإلقاء القبض على المنفّذين.



وإذا ما أضفنا إلى ذلك أن "شبيبة التلال" متأصّلة من ناحية فكريّة في العقيدة الاستيطانيّة الإسرائيليّة وتلقى دعماً سياسيّا ودينيّاً كبيرين، نصل إلى الاستنتاج بأن هناك هامشَ عملٍ واسعاً لهذه العصابة. وبهذا المعنى فإنّها مقبولة من طرف المؤسّسة الحاكمة، التشريعيّة والتنفيذية والأمنيّة والاستيطانيّة، بل تخدم مصالحها بوسائل يصعب على المؤسّسة الرسميّة اللجوء إليها.



وسبق أن أشرنا مرات كثيرة إلى أن الهدف الحقيقي من وراء هذه الجرائم كلها ليس تكبيد الفلسطينيين أضراراً اقتصادية فحسب، إنما أيضاً بث الرعب والشعور بعدم الأمن والأمان وبأن حياتهم وممتلكاتهم سائبة في مهب بلطجية المستوطنين وزعران البؤر الاستيطانية.

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات