عز الدين البغدادي
وردتني أسئلة من احد الأصدقاء تتعلق برؤية ميثاق العسر حول ما سماه
"القرآن البعدي" ومما ورد فيها:
هل يمكن أن تثبت اهتمام السّماء واكتراثها بتدوين القرآن وجمعه
ودستوريّته الدّينيّة الدّائميّة؟
وهل يمكن أن تثبت أنّ نسخة القرآن الواصلة قد كتبت بحصانة سماويّة
تمنع وقوع التّصحيف والأخطاء فيها؟
وللإجابة نقول بأن من الواضح صاحب هذه الأطروحة لا يتعامل مع
القرآن كخطاب الهي أو سماوي كما سماه، كما انه لم يوضح قصده من عبارات نحو
"اهتمام السماء" و "الحصانة السماوية" فضلا عن غرابة استعمال
لفظ السماء كبديل عن لفظ "الله"‼
عموما، لا يوجد شيء اسمه اهتمام السماء بالتدوين والحفظ، فالتدوين
والحفظ أفعال بشرية بامتياز ولم يقل احد بان هناك نسخة نزلت من السماء بل كان
الحفظ يتم عبر عملية حفظ و تدوين ومراجعة، ولا داعي ولا معنى لافتراض وجود عوامل
غيبية مع إمكان تفسير بالعوامل الطبيعية أو العادية .
ومن هذا يتبين الإجابة على السؤال عن وجود نسخة قرآنية كتبت بحصانة
سماوية، فمن الواضح أن تدوين القرآن مر بمراحل متعددة من الفعل البشري، وان هناك
قراءات واختلافات في النص القرآني وان لم تصل إلى اختلافات عميقة ففي معظمه لم
تتجاوز اختلاف قراءة اللفظ وأحيانا إضافة كلمة، وهذا أمر حفظه المسلمون لم ينفوه أبدا،
ولم يمثل لهم إحراجا بأي حال.
القرآن نزل عن طريق الوحي، لكن التدوين هو فعل بشري تمام، وأقصى ما
يمكن ان يقال بان الله تعالى وفق الناس لحفظ القرآن ولكن وفق أسباب طبيعية تتمثل
في اهتمام المسلمين به والإقبال عليه قراءة وحفظا وتدوينا، فضلا عن حفظ طرق
القراءة وبيان القراءات المختلفة وهذا ما يثبت بشرية فعل التدوين والحفظ.
وأما دستورية النص القرآني، فهذه النصوص ليست في مستوى واحد ولا في
عرض واحد، فهناك ناسح ومنسوخ ومجمل ومبين وهناك أحكام يناقش في إطلاقها الزمني
وتأبيدها وهو ما وضحناه في موضوع تطبيق الشريعة في كتاب "نقد الإسلام
السياسي".
والله اعلم.
0 تعليقات