عز الدين البغدادي
قبل أيام جمعني لقاء ونقاش مع بعض الإخوة من طلبة الحوزة العلمية،
وكان واضحا منذ البداية إنهم متأثرون بما يطرحه عبد الحليم الغزي، حيث كان النقاش
يدور حول وجود انحراف في الرؤية الفقهية الشيعية السائدة وتدعي ان المنهج العلمي
عند الشيعة ابتعد عن منهج أهل البيت وصار يعتمد على علوم "سنية" مثل علم
الأصول وعلم الرجال، وكان الأخ المتكلم يتحدث بانفعال واضح وتأثر شديد.
قلت لهم: شيخنا العزيز فعلا هناك اختلاف مناهج، لكن ليس هناك علم
سني وعلم شيعي، لأن العلم لا يكون علما إلا إذا كان موضوعيا، كما إن الوسط العلمي الإسلامي
كان واحدا وكانت الدراسة واحدة، كانت هناك مدارس علمية مختلفة لكنها لم تكن
متقاطعة، وهذا واضح فيما كتب عن الفقه المقارن عند كل المدارس والمذاهب. وعموما
مدرسة أهل البيت كغيرهم لها قواعد أصولية خاصة بهم وأخرى يشتركون بها مع غيرهم.
في الحوزة كما في غيرها كان يدرس كتاب "المختصر في الأصول"
لابن الحاجب المالكي الكردي، ولم يعترض احد على ذلك ولم يجده أحد شيئا غريبا،
وكانت هناك شروحات وتعليقات عليه. فالأمر هنا مثل النحو فنحن لا نسأل عن مذهب
الخليل او عن يونس او سيبويه، ولا عن الجرحاني ونحن ندرس منهجه البلاغي.
لم يمنع الانتماء المذهبي من الرجوع الى كتب ابني مالك وابن هشام
وابن عقيل وابن جني وابن عصفور، كما ان شيعية الرضي الاسترابادي لم تمنع الآخرين
من الأخذ من كتابيه "شرح الكافية" و"شرح الشافية" بل كان ينظر
إليه على انه عبقرية نحوية خارقة. كما ان كتاب "تجريد الاعتقاد" لنصير
الدين الطوسي كان موضع اهتمام العلماء من مختلف الفرق الإسلامية حيث كتب العديد من
الشروح والتعليقات عليه باللغة العربية والفارسية. فلم تكن هناك عقد علمية، فكل من
تبرز له فضيلة علمية فإن طلبة العلم تلجأ إليه تأخذ منه.
عموما هذا الطرح مع دعاوى المولوية والحركات المهدوية تمثل لعبة
جديدة لخداع الشباب والايقاع بهم، وصرفهم عن الواقع السيء الذي يعيش فيه الشباب،
الشيعة الان في حالة انسداد كارثي. فشل التجربة السياسية بعد 2003، وغلبة التفكير
الشعبوي والطقوسي حوّل التشيع الى حالة متخلفة ضعيفة تحاول تبرير فشلها بافكار
دينية خاطئة ومظلمة ومغلقة، وبالتالي فما نحتاج اليه ان نفتح عقولنا ونراجع
مناهجنا وخطابنا لا ان ننتكس ونرجع الى أفكار ظلامية هدامة لا تحفظ دينا ولا تبني
وطنا.
0 تعليقات