كثيرة هي المصادر والكتابات والدراسات والمؤلفات التي تحدثت عن
مراسلات «تل العمارنة» المصرية، المحفوظة في متاحف عالمية عديدة مثل، المتحف
المصري، ومتحف اللوفر، ومتحف موسكو، ومتحف المتروبوليتان للفن (نيويورك) والمتحف
الحكومي (برلين) والمتحف البريطاني (لندن)، والمتحف الملكي (بروكسل) وغيرها والتي
تشير إلى أهمية هذه الوثائق المسمارية التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل
الميلاد، واكتشفت في هذا التل الأثري المهم الواقع جنوبي مدينة المينا المصرية
بنحو
وتم العثور على مجموعة الرسائل أو المراسلات من الرُقم قدّر عدد
مجموعها كاملة (382) رقيماً وهي (350) رسالة، والباقي نصوص متفرقة مختلفة
الموضوعات، مدونة بالكتابة المسمارية، واللغة الأكادية (اللهجة البابلية الوسيطة).
مراسلات أو رسائل تل العمارنة : مخاطبات من صور و صيدا و قبرص و
العراق لملك مصر ١٥٠٠ عاما قبل الميلاد.
وهذه المراسلات التى كتبت بالأكادية .. الأكادية هو (خط) أو (لغة) من
لغات بين النهرين في العراق أما تل العمارنة فهي في المنيا عاصمة حكم اخناتون.
الـ ٤٠٠ قرص المكتوبين بالأكادية
هم بقايا أرشيف ضخم احتوي الآلاف من الرسائل.
استخدمت تعبير الخط أو اللغة
قاصدا للدلالة على أن الأكادية أحد جذور الآرامية و ما انبثق عنها من لهجات
كالسرياني و النبطي ثم العربي نطقا وتشكيلا.
أما الخط ذاته فهو بعيد عن العربي. تري هل كان المصريون القدامي
يفهمون تلك اللغة ؟ هل كانت فروق اللغات بين الأكادي و المصري القديم هي فروق بين
لهجات كتبت بخطوط مختلفة ؟ اللغات المستخدمة أو اللغة المستخدمة فى هذه المنطقة
كانت لغة واحدة كتبها
المصريون بالديموطيقي من اليمين الي اليسار و كتبها العراقيون بالاكادي من اليمين
الي اليسار و تكلمها الشوام و فهمها المصريون و صارت منبع التراث الديني للشرق كله.
ولو رجعنا إلى أطلس الخط العربي تأليف الفنان العراقي ناجي زين
الدين لوجدت من الآثار القديمة ما هو مكتوب بالخط النبطي وهو شبيه جدا بالخط
العربي الذي تعرفه اليوم في كثير من حروفه والأساس الذي كتب عليه هذا الخط هو مزيج
من النقش الديموطيقي والعبري والآرامي والسرياني.
وهذا يشير إلى أن التفاعل داخل المنطقة العربية كان مستمرا ومقويا
ومتطورا .
أما تل العمارنة هى عاصمة الملك اخناتون, و هو ملك دارت حوله كثير
من علامات الاستفهام فى علاقته بالعموريين. و"تل العمارنة" تحويرا عربيا
لاسم مدينة العموريين النازحون من بلاد الشام و بين النهرين, تسللوا إلى مصر فى
معية "الهاكا خازو" أو الهكسوس. و يبدو أن نفوذهم قد ازداد جدا فى عهد
هذا الملك, كان الهاكا خازو يسيطرون على أجزاء كبيرة من شرق الدولة المصرية, و
بالذات فى الشرقية و الجزء الجنوبى و الأوسط من الدلتا, و كان أحد ملوكهم العظام
يسمى خمودى أو حمودى, فهل هناك علاقة بين مدينة أبو حماد و اسم هذا الملك؟
و هناك ملك آخر اسمه ساليك أو ساليخ, فهل هناك علاقة بين اسم هذا
الملك و منطقة الصالحية فى الشرقية.
و قد تم طرد الهكسوس على مراحل, آخرها فى عهد تحتمس, حيث تعقبهم
إلى أن اختفوا أو ذابوا فى صحراء الجزيرة العربية, و قاموا بتأسيس عدة مدن منها
"مدائن صالح" و "ثمود". فهل هناك علاقة بين هذه الأسماء و
أسماء المدن المصرية "الصالحية" و "أبو حماد"؟ علما بأن هذه
المدن تكاد تكون على نفس المستوى جغرافيا
و هل هناك علاقة بين "غزة" و الهاكا خازو, فمن المعروف
أنهم استقروا فى تلك البقعة لبعض الزمن قبل أن يستكمل تحتمس مطاردتهم الى أعماق
الجزيرة العربية.
هؤلاء الهاكا خازو هم فى الغالب قبائل جرهم أو العرب البائدة الذين
أسسوا مدن ثمود و مدائن صالح, و هم الذين استقروا أخيرا فى منطقة
"الحجاز" فهل هناك علاقة بين "الحجاز" و "هاكا
خازو"؟
و ممن الممكن أن يكون تحتمس قد أنشأ مدينة على الساحل الشرقى لبحر
القلزم فى مقابل عاصمته طيبة, و أسماها هى أيضا طيبة. و يبدو أنها هى مدينة الطائف
حاليا
مراسلات أخت آتون
أحدث وأهم الدراسات والأبحاث والترجمات لهذه المراسلات، صدرت
حديثاً في كتاب ضخم (688 صفحة من القطع العادي) للباحث الدكتور فاروق إسماعيل،
أستاذ اللغات القديمة في جامعة حلب، وأعتقد أن الجهد الذي بذل في دراسة وترجمة هذه
المراسلات لا يضاهيه أي جهد آخر (عربياً وعالمياً)، وهنا لابد من الإشارة بأن هذه
الرسائل قد تبادلها ملوك مصريون من الأسرة الثامنة عشرة: (أمنحتب الثالث، أمنحتب
الرابع، توت غنج آمون) مع ملوك كبرى ممالك الشرق القديم (ميتاني - حثي - بابل)
وملوك آشور وآلاشيا، أو حكام كانوا يحكمون مدناً في بلاد الشام خلال القرن الرابع
عشر قبل الميلاد.
لقد نبّه الدكتور إسماعيل في بداية دراسته الضخمة إلى أمور جديرة
بالذكر وهي:
1- يعود قسم كبير من النصوص إلى عهد حكم «أمنحوتب الثالث» في طيبة،
ويبدو أنها نقلت إلى مدينة «أخت آتون» عند انتقال «أمنتحب الرابع - أخناتون»
إليها، ولذلك ليس من المستبعد أن تكون هناك رُقم بقيت في طيبة، أو تلَفت أو ضاعت..
2- وصف الرسائل بأنها «متبادلة» - كما هو شائع - ليس دقيقاً، في
الوضع الراهن، وذلك لأننا لا نجد ضمن الـ350 رسالة، سوى عشر رسائل مرسلة من مصر،
بينما سائر الرسائل الأخرى مرسلة إلى مصر، إلى الملك، وإلى بعض كبار الموظفين في
البلاط الملكي، وإلى المندوبين الملكيين المتنقلين بين مصر وبلاد الشام.
3- يحتمل - من ناحية ثانية - أن تكون الرسائل المكتوبة المرسلة من
مصر قليلة، بسبب الاعتماد على الرسائل الشفهية التي كان يرسلها الرُسل والمترجمون،
نظراً إلى صعوبة التدوين، إذ لم تكن الكتابة المسمارية، واللغات الأكادية والحورية
والحثيّة شائعة في مصر.
من خلال التدقيق والدراسة، يمكن تصنيف وثائق تل العمارنة إلى
مجموعات عدة هي:
- رسائل تتحدث عن حدث معين.
- رسائل تتحدث عن أحداث عدة، حصلت بشكل متفرق.
- رسائل يقتصر هدفها على طلب العون من مصر.
-
رسائل تبيّن الوفاء والولاء لمصر، وهي كثيرة، وأرسلت معظمها
من بلاد كنعان.
أما من حيث الصياغة اللغوية، وأسلوب تحريرها وتوصيلها، فيتمكن
تمييز نمطين أساسيين بينها هما:
- المرسل يجيد اللغة الأكادية، لأنها لغته الأم، كملك آشور.. أو
لأنها صارت بمنزلة لغته الأم كملوك بابل، ويفترض أن هؤلاء كانوا يطلبون من كتاب
القصر الملكي كتابة رسائل إلى مصر، فيملُون عليهم الأفكار الأساسية، ويحرر الكاتب
الرسالة وترسل إلى مصر مع رسول ومترجم، وقد يكونان واحداً.
- المرسل لا يجيد
اللغة الأكادية، كما هي حال معظم الرسائل، فهي مرسلة من بلاد ميتاني أو بلاد حثّي،
أو بلاد كنعان التي كانت تتكلم لغاتها الخاصة، (الحورية، الحثيّة، الكنعانية) أما
في سورية الداخلية، فيعتقد أن اللغة الآمورية كانت ما تزال شائعة..
وتعكس رسائل تل العمارنة مجتمعات حضارية مختلفة، بدرجات متفاوتة،
في أرجاء الشرق القديم، ولكنها تشترك في مسألة انتشار الكتابة المسمارية واللغة
الأكادية فيها، وما يتصل من تراث ثقافي أيضاً، وقد أدى ذلك إلى نشوء ازدواج لغوي
في تلك المجتمعات، إذ استخدمت الأكادية في الوثائق الرسمية، وحافظت على لغاتها الخاصة
في أمور الحياة اليومية..
أما وجود الأكادية في مصر، فيّمثل حالة خاصة، مؤقتة زمانياً،
ومحصورة في إطار البلاط الملكي.. لقد كانت لغة «وافدة» لأغراض دبلوماسية سياسية
دولية، يستخدمها كتّاب ومترجمون، قد يكونون رسُلاً في الوقت ذاته، وهي حالة عابرة
لم تتكرر في زمن قيام الآشوريين والبابليين باحتلال أجزاء من مصر، خلال القرنين
السابع والسادس قبل الميلاد، ولا في فترة انتشار الوجود العسكري المصري في مناطق
وادي الفرات العليا، خلال حكم ملوك السلالة السادسة والعشرين (672 – 525 ق.م)،
ولذلك لم يعثر في مصر على أية كتابات مسمارية أكادية أخرى، غير وثائق تل العمارنة.
ربع قرن من الأرشيف الدولي
لقد استطاع علماء اللغات القديمة، تحديد الإطار الزمني للفترة
الزمنية التي تعود إليها هذه الرسائل، فقد حددت بدايتها بنحو خمس سنوات قبل
التاريخ المذكور في الرسالة (23) الموجهة إلى أمنحوتب الثالث (1390– 1352 ق.م) في
سنة حكمه السادسة والثلاثين (1355 ق.م).. أما النهاية فليست واضحة جيداً، فقد
مدّها بعض العلماء إلى السنة الأولى من حكم الملك المصري (آي سنة 1327 ق.م)، وهناك
من حدد إطارها الزمني بما لا يزيد عن ربع قرن بين (1360 و1336 ق.م)..
ويتضح من هذه المراسلات أن (عصر العمارنة) قد شهد تحالفات وصراعات
بين القوى السياسية الكبرى القائمة، وتبدلات في مناطق السيادة والنفوذ، ورافقها
تغيّر في طبيعة مواقف الكيانات الصغرى، وكان يحكم مصر خلال هذا العصر ملوك من
الأسرة الثامنة عشر وهم: أمنحتب الثالث (1390- 1352ق.م) وأمنحتب الرابع /أخناتون
(1352 - 1336ق.م) وتوت غنج آمون (1336ق.م).
وكانت مملكة ميتاني الحورية موجودة في مناطق الجزيرة السورية وطور
عابدين منذ القرن السابع عشر قبل الميلاد، وعاصمتها «واشوكاني» عند منابع نهر
الخابور، والمملكة الحثية في بلاد الأناضول منذ أواخر القرن السابع عشر قبل
الميلاد، وكانت بلاد بابل في هذه الفترة خاضعة لسيادة الكاشيين، كما كانت بلاد
آشور تشكل مملكة مستقلة في مطلع عصر العمارنة، وشهدت بلاد الشام وجود ممالك صغيرة
أو إمارات في شتى المناطق، نذكر منها الممالك الكنعانية الشمالية والوسطى والداخلية
والجنوبية.. مثل: أوغاريت وسيانو وجبيل وصيدونا (صيدا) وصوري (صور) وقطنا (تل
المشرفة) وتونيب في سهل العشارنة (وادي نهر العاصي).
2 تعليقات
عرض رائع ووافي لموضوع رسائل العمارنة.
ردحذفجزاك الله خير.
وسام
اشكرك صديقى شكر لرأيك ونعتز به
حذف