علي الأصولي
كثيرة هي الأقلام تناولت موضوعة دراسة النص بصورة عامة والديني
بصورة خاصة والقرآن الكريم بصورة أخص. في خصوص موضعة النص الذي نزل وولد ونشأ ضمن
ظروف خاضعة للحيثية المكانية تارة والحيثية الزمانية تارة أخرى. فقد أخذ النص
الديني والقرآني على ضوء المدرسة الإسلامية بشكل إطلاقي سيال جار على طول عمود
الزمان منذ نزوله أو صدوره إلى يوم القيامة.
وقد اعترض على هذا الأخذ السيال لكل القطع النصية الدينية ومنها
القرآنية بنظرية تأيخانية النص. التي تبناها غير واحد في العالم الإسلامي والعربي
تبعا لأفكار الآخرين وثقافتهم الوافدة.
وفي هذه الأوراق العلمية نتعرض لهذه الفكرة التي ارتفع صوتها هنا
وهناك كمحاولة نقاشية لعرض المبنى ومحاكمته بالتالي مع ذكر التفصيلات الضرورية
لرفع حالة اللبس والاشتباه التي عمد جملة من المنظرين وخلطها على القراء جهلا أو
غفلة.
الذين تناولوا النظرية. نظرية تأريخانية النص القرآني أستندوا على
جملة من القرائن التي جعلوها كأدلة على مدعاهم ومن ضمن هذه القرائن. هو النظر إلى
أسباب النزول. إذ أن الآيات القرآنية نزلت في أشخاص محددين ووقائع خاصة وأزمنة
مختلفة بحسب أسبابها.
أسباب النزول في أمكنة متعددة. فكانت هذه أول بوادر وطلائع أدلتهم
في المقام.
على أننا نعنقد أن الآيات القرآنية هي أحكام إعلائية ومتعالية
ومفارقة. ويبدو لي بأن أصحاب هذه النظرية وقعوا بخلط بين المفهوم القرآني ومصداقه
الخارجي. فحسبوا أن المفهوم واحد لمصداق واحد فارد . بينما الواقع أننا نسلم على
أن المفاهيم القرآنية محددة لكن وقائعها ومصاديقها لا يمكن حصرها بزمان معين ومكان
مخصص. نعم الشروط لها مدخلية وتحديد المصاديق وكونها يمكن عنونتها تحت هذا المفهوم
القرآني أو ذاك . ولذا قالوا {العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب} فمثلا آية
الظهار التي نزلت في شأن اوس بن الصامت وزوجته وأن كان مصداقعها أوس وزجته إلا
أننا نأخذ مفهومها لا على نحو تاريخي بل نتعامل وهذا المفهوم كنص إعلائي وعابر
للتاريخ والزمان والمكان. وكذا مثلها آيات اللعان مثلا التي نزلت في شأن عويمر
وزوجته وغيرها من آيات الأحكام التي تجري مجرى الشمس والقمر بين الناس ولكن هذا
الأخذ له شروط ومحددات متى تحققت فالنص باق على إطلاقه.
ولا أدري هل لأحظ أصحاب هذه النظرية الفرق بين الإنزال القرآني
والتنزيل؟ يبدو لي بأن أصحاب هذه النظرية لم يفرقوا بين الأول والثاني فكان الخلط
في البين.
إذن: لا يمكن واعتبار النص ميت بموت أهله بدعوى أنه نتاج تاريخي
ودعوى لابد من قراءة النصوص بسياقاتها التاريخية وبالتالي لا يمكن اعتبار هذه
النصوص قيم وأفكار كونية. كيفما كان وكيفما اتفق ..
ربما يخيل لأصحاب نظرية (التأريخانية) أن الدافع من تبني هذه
النظرية هو جملة من الآيات القرآنية. هي بالحقيقة نزلت كردود أفعال على أقوال
المشركين ومتبناتهم الفكرية وسلوكياتهم. بل حتى يمكن عد جملة من الآيات القرآنية
هو إبراز خصوصيات العائلة النبوية وتصرفات النبي(ص) الخاصة مع أفراد أسرته وبالأخص
أزواجه وبالتالي ما هي علاقة المتلقي في هذه الأزمان وتلك ردود الأفعال؟
هذا الإشكال قرانه في بعض صفحات الحداثويين أصحاب التنوير المتطرف
وقد ذكرته في غير مناسبة مع الإجابة الإجمالية هناك.
وما يمكن ذكره هنا أن هؤلاء لم يعلموا على أن القرآن كوحدة واحدة
ومنظومة متكاملة بل ذهبوا صوب تجزئته وبتساره وبالتالي حسب تعبيراتنا في علم
الأصول {تفقير النص} يعني نجعله كل فقرة فقرة.
القرآن الكريم. ضمن أهدافه المباشرة هو نقل الصورة العامة في زمن
النزول وما اكتنفه من مشاكل تعرض لها نفس النص القرآني ونفس مبلغ النص وهو النبي الأكرم(ص)
بل وتعرض لقصص قدمائية مثل قصة نبي الله يوسف(ع) وزليخا. وإلا ما هي علاقتي أو
علاقة القارئ بزليخا؟
أن في قصصهم لعبرة. هذه العبرة هي معرفة نفسيات البشر قديما ومكر
الكثير منهم وطرقهم الشيطانية وكيفية التعامل معها على طول الخط الإنساني. فالقصة
القرآنية لم تذكر على سبيل الترف الفكري بل تحتوي القصة على دلالات محكمة وفهما
رمزيا ضرورة وأن يلتفت إليه المتلقي في خط حياته وبالتالي تكامله النفسي والمعرفي.
فالناس نفس الناس قديما وحديثا إذ تجد الكل لهم اهتمامات نفسية بحب
السلطة والمال والنساء والبنين والامتلاك ونحو ذلك. فالمشرك الذي عاصر النص أو ما
قبل النص القرآني هو واحد من الناس ولا يختلف عنه المشرك المعاصر إلا بالتوسع
الثقافي والحضاري والا النفس هي هي إلا من حيث تسافلها.
0 تعليقات