الدكور جواد كاظم نصر الله
بل إن رواية السعدي أكدت إن إرضاع حليمة للنبي (ص) جاء بناءً على
أمر صدر لأم النبي (ص) من جهة مجهولة، إذ روى إن آمنة قالت: قيل لي ثلاث ليال:
استرضعي ابنك في بني سعد بن بكر، ثم في آل ذؤيب، قالت حليمة: فإن أبا هذا الغلام
الذي في حجري أبو ذؤيب، وهو زوجي، فطابت نفس حليمة، وسرت بكل ما سمعت، ثم خرجت به
إلى منزلها". وأدركت صويحباتها في وادي السرر اللواتي حسدنها على ما نالت.
والملاحظ الروايات تباينت في تعريفها لشخص أبي ذؤيب فهل هو أبو حليمة أم زوجها؟ ولكن ما الفائدة والحكمة من وراء هذه الكرامات؟ ولماذا اختيرت ديار بني سعد مكانا لتلك الكرامات التي لم تتعدَ بيت حليمة؟ هل من آثار بعيدة المدى نتجت على أثر هذه الكرامات؟ إن مجهولية بعض الرواة ونسبة بعضهم لبني سعد قد يلقي بظلاله على تفسير ما ذكر أعلاه!
في ظل هذه الأجواء قضى النبي (ص) السنتين الأولى من عمره الشريف،
وبهذا انتهت فترة الإرضاع ولا بد من إعادته لمكة، قالت حليمة: " فلن يزل الله
عز وجل يرينا البركة، ونتعرفها حتى بلغ سنتيه، وكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان،
فوالله ما بلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا، فقدمنا به على أمه".
وفي رواية أبو نعيم الاصبهاني: " مكث صلى الله عليه وسلم
سنتين عند حليمة حتى فطم. فكأنه ابن أربع سنين، فقدموا به على أمه زائرين لها وهم
أحرص على مكانه لما رأوا من عظم بركته". والظاهر من الرواية إن النبي (ص) قد
تعرض لمحاولة اغتيال من بعض النصارى الذين أدركوا انه نبي، قال ابن إسحاق: "
إن نفرا من الحبشة نصارى رأوه معها حين رجعت بعد فطامه، فنظروا إليه وسألوها عنه
وقلبوه، ثم قالوا لها: لتأخذن هذا الغلام فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا، فإن هذا
غلام كائن له شأن، نحن نعرف أمره فزعم الذي حدثني أنها لم تكد تنفلت به منهم)).
وفي رواية أبي نعيم الاصبهاني: " فلما كانوا بوادي السرر،
لقيت نفراً من الحبشة وهم خارجون منها فرافقتهم فسألوها فنظروا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم نظرا شديدا ثم نظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه، والى حمرة في
عينيه فقالوا: يشتكى أبدا عينيه للحمرة التي فيها؟ قالت: لا، ولكن هذه الحمرة لا
تفارقه، فقالوا: هذا والله نبي، فغالبوها عليه فخافتهم أن يغلبوها ، فمنعه الله عز
وجل ".
وفي رواية لابن اسحق" إن حليمة أضلت النبي صلى الله عليه وسلم
في طريق عودتها لمكة"، ولم يتضح هل ذلك بسبب بمحاولة الاغتيال التي تعرض لها
النبي (ص) من قبل بعض نصارى الحبشة لأنهم أدركوا انه نبي؟ أم جاءت محاولة الاغتيال
لأنهم عرفوه انه حفيد عبد المطلب الذي كانت حملة الفيل الفاشلة في أيامه!
ومهما يكن فان حليمة قد عادت بالنبي (ص) مجددا إلى ديار بني سعد،
وكان السبب في إعادته هو الخوف من وباء مكة.
قال ابن اسحق: "
فقدمنا به على أمه، ونحن أظن شيء به مما رأينا فيه من البركة، فلما رأته أمه، قلنا
لها: يا ظئر دعينا نرجع ببنينا هذه السنة، فإنا نخشى عليه أوباء مكة، فوالله
مازلنا بها حتى قالت نعم فسرحته معنا)). فيما ذكر أبو نعيم الاصبهاني إن آمنة هي
التي أشارت على حليمة بإعادة النبي معها خوفا من الوباء " فدخلت به على أمه
وأخبرتها بخبره وما رأوا من بركته وخبر الحبشة، فقالت آمنة: ارجعي بابني فإني أخاف
عليه وباء مكة فوالله ليكونن له شأن، فرجعت به. وبعد عودة النبي (ص) إلى ديار بني
سعد أمضى مابين 2 ـ 4 سنوات أخرى هناك، ومن خلال بضعة روايات تبين إن من الأحداث
التي مرت بالنبي (ص) هي: 1
ـ حضوره سوق ذي المجاز.
2 ـ رعيه للبهم.
3ـ شق صدره الشريف.
أما حضوره سوق ذي المجاز فكان مع حليمة، ولم يتضح السبب الذي من
اجله أخذته لهذا السوق؟ واقتصرت الرواية على الإشارة إلى كاهن عرف حقيقة النبي
ودعا الناس لقتله، لكنه (ص) تمكن من النجاة بمساعدة حليمة.
أما رعايته للغنم فالظاهر اقتصرت على رعاية البهم وهي صغار الغنم
قرب البيوت.
وكان النبي يرعاها مع أخيه من الرضاعة وهو عبد الله، ومع أخته
الشيماء، وانه كان يلعب مع الغلمان، ومن لعبهم التقاذف بالجلة.
ومن الحوادث المهمة التي عجلت بإرجاعه إلى مكة هو ما حصل للنبي (ص)
من شق صدره الشريف، فقد أشارت عدة من الروايات لهذه الحادثة، منها: (( عن حليمة
ابنة الحارث قالت ... فبينا نحن خلف بيوتنا، وهو مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا،
جاءنا أخوه يشتد، فقال: ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه
فشقا بطنه، فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه، فنجده قائما، منتقعاً لونه، فاعتنقه أبوه،
وقال: أي بني، ما شأنك ؟ قال : جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاني فشقا بطني،
ثم استخرجا منه شيئاً فطرحاه، ثم رداه كما كان )).
- (( عن أصحاب رسول الله (ص) أنهم قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن
نفسك ، فقال : ... فبينا أنا مع أخٍ لي في بهم لنا ، أتاني رجلان عليهما ثياب بيض
، معهما طست من ذهب مملوءة ثلجاً ، فأضجعاني ، فشقا بطني ، ثم استخرجا قلبي فشقاه
، فأخرجا منه علقة سوداء ، فألقياها ، ثم غسلا قلبي وبطني بذاك الثلج ، حتى إذا أنقياه
، رداه كما كان ، ثم قال أحدهما ، لصاحبه : زنه بعشرة من أمته ، فوزنني بعشرة ،
فوزنتهم ، ثم قال زنه بألف من أمته ، فوزنني بألف ، فوزنتهم ، فقال : دعه عنك ،
فلو وزنته بأمته لوزنهم)) .
- (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ملكين جاءاني في صورة
كركين ، معهما ثلج وماء بارد ، فشرح أحدهما صدري ، ومد الآخر منقاره ، فغسله)) .
ـ (( ولما بلغ أربع سنين كان يغدوا مع أخيه وأخته في البهم قريبا
من الحي فأتاه الملكان هناك فشقا بطنه واستخرجا علقة سوداء فطرحاها وغسلا بطنه
بماء الثلج في طست من ذهب ثم وزن بألف من أمته فوزنهم ، فقال أحدهما للآخر : دعه
فلو وزن بأمته كلها لوزنهم ، وجاء أخوه يصيح بأمه : أدركي أخي القرشي ، فخرجت أمه
تعدو ومعها أبوه فيجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منتقع اللون ...)) .
ـ (( أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كيف كان أول
شأنك يا رسول الله قال النبي (ص) ... فأقبل طيران أبيضان كأنهما نسران ، فقال
أحدهما لصاحبه أهو هو؟ قال : نعم ، قال فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفا
فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه ، فأخرجا منه علقتين فقال أحدهما لصاحبه : آتيني
بماء ثلج فغسلا به قلبي ثم قال آتيني بالسكينة فدارها في قلبي ثم أظنه قال أحدهما
لصاحبه : حصه فحاصه ، وختم عليه بخاتم النبوة . فقال أحدهما لصاحبه : اجعله في كفة
واجعل ألفاً من أمته في كفة ، فإذا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر على بعضهم ،
فقال : لو أن أمته وزنت به لمال ثم انطلقا وتركاني وفرقت فرقاً شديداً ثم انطلقت
إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت فأشفقت أن يكون قد التبس بي فقالت أعيذك الله فرحلت
بعيراً لها فجعلتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغتني إلى أمي…)) .
ـ (( عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل
وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه ، فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة
فقال : هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ُ ثم أعاده في
مكانه ، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره فقالوا : إن محمداً قد قتل
فاستقبلوه ، وهو منتقع اللون قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره)) .
ـ (( فلم يزل مقيماً في بني سعد يرون به البركة في أنفسهم وأموالهم
حتى كان من شأنه في الذي أتاه في صورة رجل ، فشق عن بطنه وغسل جوفه ، ما كان .
فخافوا عليه وردوه إلى جده عبد المطلـب ...)) .
ـ (( عن شداد بن أوس قال بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذ أقبل شيخ من بني عامر وهو مدرة قومه ... فمثل بين يدي النبي صلى الله
عليه وسلم قائماً ... فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أخا بني عامر إن حقيقة
قولي وبدء شأني ... كنت مسترضعاً في بني سعد فبينا أنا ذات يوم منتبذ من أهلي في بطن
واد مع أتراب لي من الصبيان نتقاذف بيننا بالجلة إذ أتانا رهط ثلاثة معهم طست من
ذهب مليء ثلجاً ، فأخذوني من بين أصحابي فخرج أصحابي هرابا حتى انتهوا إلى شفير
الوادي ثم اقبلوا على الرهط فقالوا : ما أرابكم إلى هذا الغلام فإنه ليس منا هذا
ابن سيد قريش وهو مسترضع فينا من غلام يتيم ليس له أب ... انطلقوا هرابا مسرعين
إلى الحي ... فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض إضجاعا لطيفا ثم شق مابين مفرق صدري
إلى منتهى عانتي ، وأنا أنظر إليه لم أجد لذلك مساً ثم أخرج أحشاء بطني ثم غسلها
... ثم قام الثاني منهم فقال لصاحبه : تَنَح فنحاه عني ثم أدخل يده في جوفي ،
فأخرج قلبي وأنا أنظر إليه فصرعه ثم أخرج منه مضغة سوداء فرمى بها ثـم قال بيـده
اليمنى منه كأنه يتناول شيئاً فإذا أنا بخاتم في يده من نور فختم به قلبي فامتلأ
نوراً ...)).
لقد كانت هذه الحادثة سببا في إعادة النبي (ص) إلى مكة.
هل أرضعت حليمة السعدية النبي (ص)؟ (2)
0 تعليقات