آخر الأخبار

"محمد نجيب" الذى لا يعرفه المصريون!! (19)

 







 

نصر القفاص

 

انتبه من فضلك.

 

"محمد نجيب" أول رئيس لمصر يرد على "محمد نجيب" فى هزله!!

 

لا تصدقنى.. أقرأ مذكراته وقل ما شئت.. إن انفعلت عن جهل وهوى.. سامحنى إن لم أسمعك أو أراك.. لأنك فى تلك اللحظة ستكون أنت والعدم سواء!!

 

نبدأ من المذكرات التى يذكر فيها بالنص: "عقد على ماهر مؤتمرا موسعا, حضره الأوصياء على العرش - الثلاثة - والوزراء فى حكومته.. وبعض من مجلس القيادة - يقصد مجلس قيادة الثورة ولم يحددهم - وعدد من مستشاريه - ولم يحددهم - وأعضاء مجلس الدولة.. كان الاجتماع فى مبنى مجلس الوزراء.. كان من بين الحاضرين جمال سالم وصلاح سالم والدكتور راشد البراوى والدكتور عبد الرزاق السنهورى رئيس مجلس الدولة والدكتور عبد الجليل العمرى وزير المالية".

 

هو إذن لم يشر إلى "جمال عبد الناصر" من قريب أو بعيد.

 

يقول كاتب المذكرات: "فى هذا الاجتماع.. إستمرت المناقشات لساعات طوال - لم يحددها - حول ما يتبناه على ماهر - رافض للقانون - وما يطالب به جمال سالم - يدافع عن القانون - وانتهى الاجتماع بالتصويت لصالح تحديد الملكية, بحد أقصى 200 فدان.. وبالمناسبة صوت رشاد مهنا مع تحديد الملكية بعد أن كان مع الضرائب التصاعدية, وقال: أنزل على رأى الأغلبية وأوافق على المشروع"!!

 

أين "محمد نجيب" فى هذا المشهد؟!.. هو غير موجود!!

 

كاتب المذكرات يرى أن القانون كان من إنجازات العسكريين.. لكنه يذكر أن: "أعد سليمان حافظ مشروع القانون فى صيغته النهائية, لكنه ما إن دخل مجلس الوزراء حتى بقى كأنه جثة هامدة - إشارة إلى دور على ماهر - ورغم أننى عارضت المشروع عندما تم تقديمه لمجلس القيادة, إلا أننى أيدته نزولا على رأى الأغلبية.. كان على أن أتشكك فى موقف على ماهر, لكن رغم ذلك أعطيناه مهلة أخرى وأخيرة.. لكنه لم يستجب.. أحسسنا أن على ماهر وقع تحت ضغط قوى من رجال الأحزاب وكبار السياسيين والملاك, لتعطيل القانون فقررنا إقالته.. وتوليت رئاسة الوزارة يوم 7 سبتمبر عام 1952".

 

القانون إذن تمت مناقشته فى الكواليس والعلن.. بل أن مؤتمرا انعقد لمناقشته استمر لعدة ساعات.. والقانون أقرته الأغلبية - ديمقراطية يعنى - وشارك فى مناقشته علماء اقتصاد على أعلى مستوى.. والقانون عارضه رئيس الوزراء "على ماهر" وحاول دفنه!!

 

قانون "الإصلاح الزراعي" ليس من إنجازات "العسكريين" كما يقول "محمد نجيب"!!

 

تلك حقيقة ثابتة.. تشهد عليها مضابط مجلس الشيوخ قبل الثورة بسنوات وقدمه النائب "محمد السعدى خطاب" ودفع الثمن فادحا بإسقاطه فى الانتخابات التالية مباشرة, بعد محاصرته خلال الفترة التى قضاها فى المجلس بعد أن جاهر بذلك.. وتشهد مضابط مجلس النواب أن "سيد مرعى" أعاد تقديم القانون - الإصلاح الزراعى - وأخرسته الأغلبية - الوفد والأحرار الدستوريين - وأسقطوه فى الانتخابات التالية!!

 

كان قانون "الإصلاح الزراعى" مطروحا قبل الثورة بسنوات.

 

قدمه نواب للشعب أو عن الأمة فى مجلسى الشيوخ والنواب.

 

شرحه باستفاضة دكتور "شاخت" الخبير الاقتصادي الألماني الكبير, والذى يشيرون إليه هناك بأنه أحد بناة الاقتصاد الألماني بعد الحرب العالمية الثانية.

 

كيف شرحه وما مناسبة ذلك؟!

 

السؤال يجيب عليه "محمد نجيب" فى مذكراته, فيقول: "كان د.شاخت يزور مصر تلبية لدعوة د. عبد الجليل العمرى وزير المالية.. التقيت به.. شرحت له كل مخاوفى من القانون, ووجهة نظرى حول الضرائب التصاعدية.. قلت له: إن ما أخشاه أن يثير القانون الصراع الطبقى بين القدامى والملاك الجدد.. وقلت له.. إن من تؤخذ منه الأرض قسرا, وتعطى للآخرين سيكون عدو للثورة.. وعدو للملاك الجدد.. فإذا به يقول لى: إن الغاضبين سيجيئون بعد ثلاث سنوات ليشكروك.. إذ أن مشروع تحديد الملكية سيفيدهم.. وإذا كانوا غاضبين اليوم, فسيعرفون غدا مقدار فائدة هذا المشروع لهم.. فالطريقة التى كانوا يسيرون عليها, كانت ستفقدهم كل شىء.. الآن سيوجهون أموالهم إلى مشروعات اقتصادية أكثر فائدة لهم.. سيتفادون ثورة شيوعية تقضى عليهم.. واقتنعت بالقانون.. واقتنعت بقرار إقالة على ماهر.. واقتنعت بتولى رئاسة الوزراء".

 

لكن "محمد نجيب" حين جلس لكتابة مذكراته قال عنه "إنجاز العسكريين"!!

 

"محمد نجيب" حين كتب مذكراته يقول: "كنت مع الضرائب التصاعدية, وكنت أرى أن الضرائب التصاعدية ستجبر الملاك على التخلص من أراضيهم التى تخضع لشرائح الضرائب العليا.. كنت أرى أننا سنعلم الفلاح الذى حصل على الأرض بلا مجهود أو تعب الكسل والنوم فى العسل.. وكنت أرى أن تطبيق القانون سيفرض علينا إنشاء وزارة جديدة لمباشرة تنفيذه, وهذا يكلفنا أعباء مالية وإدارية لا مبرر لتحملها"!!

 

إذن "محمد نجيب" الرافض لقانون الإصلاح الزراعى.. هو "محمد نجيب" الذى قال أنه اقتنع برؤية أكبر خبير اقتصادى المانى التى تؤيد الذهاب إليه.. وهو "محمد نجيب" الذى تولى وزارة أعلنت القانون بعد 48 ساعة من تشكيلها وحلف اليمين.. إذا عرفت أو فهمت من هو "محمد نجيب" فأنت خبير لوغاريتمات!!

 

يصف "محمد نجيب" ثانى رئيس وزراء بعد الثورة قانون "الإصلاح الزراعى" بأنه بإقراره كسبت السياسة وخسر الاقتصاد!!

 

ويقول "محمد نجيب" أيضا: "اعتبرت هذا القانون جزء من سياستى الداخلية.. حتى أننى قلت ساعتها لمستر كولينز مدير وكالة اليونايتد برس فى الشرق الأوسط عندما سألنى عن الخطوط العامة لسياسة حكومتى.. أنها تقوم على أساس تحديد الملكية الزراعية وتقريب الفوارق بين الطبقات, بإعداد التشريعات والمشروعات التى تحقق ذلك.. وتحقق تخفيف أعباء الحياة عن كاهل المواطنين للحد من الغلاء ومكافحة التضخم ورفع مستوى العمال وتشجيع الصناعة وإصلاح نظام الضرائب..

 

وسألنى مستر كولينز عن الفوائد التى ستجنيها مصر من وراء قانون الإصلاح الزراعى.. فقلت له: يعود هذا القانون على البلد بفوائد اقتصادية واجتماعية وسياسية.. أما الفوائد الاقتصادية فهى عدم تجميد الثروة القومية فى الزراعة دون الصناعة.. لأن تحديد الملكية سيجبر أصحاب رؤوس الأموال على الالتجاء فى استغلال أموالهم فى الصناعة والتجارة.. والفوائد الاجتماعية تبدو واضحة فى القضاء على الفروق الشاسعة بين أصحاب الملكيات الكبيرة والمعدمين.. أما الفوائد السياسية فسنجنيها من ارتباط الملاك الجدد بأرضهم وتحريرهم سياسيا من أصحاب الإقطاعيات الكبيرة أثناء ممارستهم حق الانتخاب"!!

 

هل تصدق "محمد نجيب" الرافض لقانون "الإصلاح الزراعى".. أم تصدق "محمد نجيب" الذى يترافع دفاعا عنه؟! وهو الذى كتب ذلك بيديه بعد رحيل "عبد الناصر"!!

 

"محمد نجيب" الذى يرى فى قانون "الإصلاح الزراعى" أنه من إنجازات العسكريين!!

 

يقول فى مذكراته: "كان ملاك الأراضى قبل الثورة يدفعون للفلاح الأجير 8 قروش فى اليوم, فى حين أن التكاليف اليومية للحيوان كانت أكثر من ذلك.. كانت تكاليف البغل 12 قرشا, والجاموسة 22 قرشا, والحمار 9 قروش"!!

 

يواصل "محمد نجيب" رشق من يسميهم "العسكريين" بسهامه واتهاماته, فهو كتب نصا يقول: "كانت وزارتى هى أول وزارة عسكرية فى تاريخ مصر - يقصد الثانية, بعد وزارة محمود سامى البارودى وأحمد عرابى فى عهد الخديوى توفيق - وكان هذا ما يفزعنى ويثير قلقى فى الواقع.. كنت أخشى أن يكون حكم العسكريين هو نقطة تحول فى تاريخ مصر, لا تستطيع بعده أن تعود للحكم المدنى الطبيعى.. كنت أخشى ان ينتقل النفوذ العسكرى من الوزارة إلى كل شبر فى الحياة المدنية.. لكن كل الظروف حولنا كانت تدفعنا للحكم.. وأحسست أننى بوجودى على رأس الحكم, سأتمكن من ضبط الأمور, وسأتمكن من تحقيق التوازن الطبيعى بين الجيش والحكومة.. بين العسكريين والمدنيين"!

 

تلك هى رؤية "محمد نجيب" لما أسماه "العسكريين" وإن رأيت فيها أى اختلاف عن رؤية "الإخوان" فيما مضى أو حاليا.. عليك أن تذكره.. لكنك بالتأكيد ستكون فى حالة استغراب من قوله: "أحسست أننى بوجودى على رأس الحكم سأتمكن من ضبط الأمور" لأن للكلام معنى.. ومعنى ذلك أنه وضع نفسه حكما بين طرفين - مدنيين وعسكريين - وهو يدعى أنه كان رافضا للمنصب.. لكنه نزولا على رأى الأغلبية قبل المنصب.. ربما لأنه ديمقراطى منذ نعومة أظافره! والديمقراطية عنده أن يخلع موقفه ورؤيته كما يخلع ملابسه, لمجرد أن الأغلبية إنحازت إلى موقف آخر!!

 

وهو يدعى أن اسم الدكتور "عبد الرزاق السنهورى" كان مطروحا لرئاسة الوزراء.. لكن "جمال سالم" و"على صبرى" إعترضا لأن الأمريكان يرون فيه شيوعى, وذلك سيكون ضد مصلحة الحركة!! ويدعى أن الدكتور "السنهورى" حضر تلك المناقشة, وأعلن أنه يرشح "سليمان حافظ" لرئاسة الوزارة.. لكن الرجل قال بشجاعة أنه لا يستطيع أن يملأ فراغ "على ماهر" فما كان من "السنهورى" إلا أنه اقترح ترشيح القائد العام - الافتراضى - لرئاسة الوزارة.. لكنه رفض حتى لا يقود الحكومة رجل عسكرى - محمد نجيب يقول - وأكدت اعتراضى وغضبت وتركت المناقشة, لكنهم جاءوا وأكدوا إصرارهم.. فقبلت نزولا على رأى الأغلبية!!

 

أخشى أن يأخذك الكلام إلى مشهد كوميدى للفنان "عبد الفتاح القصرى" الذى كان يكرر: "كلمتى مش ممكن تنزل الأرض أبدا"!!.. لأنه قال فى مذكراته: "شكلت الوزارة فى يوم واحد.. أصبح سليمان حافظ نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية.. كان المجلس قد قرر إشراك الإخوان فى الوزارة الجديدة, فاتصل عبد الناصر بحسن العشماوى يدعوه لمقابلته فى إدارة الجيش.. وعرض عليه أن يكون ضمن الوزارة, ففضل أن يعرض الأمر على مكتب الإرشاد.. وخلال اللقاء إتصل عبد الناصر بالمرشد حسن الهضيبى وطلب منه ترشيح ثلاثة من الإخوان للوزارة, فرشح منير الدلة وحسن العشماوى ومحمود أبو السعود.. لكن يوسف صديق الذى كان حاضرا هذا الاجتماع, قال أنه يشكك فى كفاءة الإخوان إذا ما أصبح منهم وزراء.. فرد حسن العشماوى بأن بينهم الشيخ حسن الباقورى الذى يعلم الجميع كفاءته.. إلتقط عبد الناصر اسم الباقورى واعتبره مرشحا أساسيا"!!

 

إذا كانت الوزارة قد تقرر أن يرأسها "محمد نجيب" فلماذا يجعل "عبد الناصر" طرفا فى تشكيلها رغم زعمه أنه كان مجرد مدير لمكتبه؟! ولماذا اختار الزج باسم "عبد الناصر" فى التفاوض مع "الإخوان" للمشاركة فى الوزارة؟! ستجد الإجابة حين يشرح "أول رئيس لمصر" سر ظلم الثورة لجماعة "الإخوان" وكيف أن "عبد الناصر" هو الذى تربص بهم!! ذلك يؤكده "محمد نجيب" الذى نشاهد إعلاء اسمه, ونتابع محاولات جعله قرينا للقائد والزعيم "جمال عبد الناصر".. وتستمر حكايات الرجل الذى كان "جملة عابرة" فى تاريخ مصر..

 

"محمد نجيب" الذى لا يعرفه المصريون!! (18)


 يتبع

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات