آخر الأخبار

خلف السد الاثيوبي: مياه ومصالح ومآرب أخري






محمد دوير


.. التشريح التاريخي لورقة " الدولار " الأمريكي، تكشف عن دمار شعوب ، واختفاء حضارات، وإفقار ملايين البشر، وفقدان كثير من البلدان لعملتها الوطنية، وإفلاس كثير من المؤسسات الاقتصادية الوطنية.


.. كان الدولار– كورقة رمزية لسيادة دولة وسطوتها – هو ميدان الرماية الذي تعلمت فيه الشركات الكبرى والمتعددة الجنسية كيف تقتنص الفريسة، وكيف تأكل الحملان.


.. وكنا ونحن نتابع ما يجري في لبنان منذ الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات وحتي وقت قريب، نراقب كيف أن هذه الدولة التي علمت العالم العربي الكثير من القيم، كيف تحولت الي ميدان رماية وساحة تجريب لموازين القوي الإقليمية والدولية..


.. كنا نتابع أحداث شيلي في السبعينات، وكيف توحدت قوي الامبريالية ضد إرادة شعب ورغباته في حكم نفسه.كنا نتابع ما حدث للعراق من تجريف وتدمير تراثه العربي والإسلامي، بصورة تخطت حدود الحرب التقليدية الي حرب علي ثقافة هذا البلد المؤسس للحضارة العربية.


.. كانت ميادين الرماية، كثيرة، واللاعبون يتناوبن لعب الأدوار، كما يتناوب المغتصبون أدوارهم علي الضحية..


.. لم نكن ندري، وربما لم نكن بالوعي الكافي لكي ندرك أن نهر النيل سيكون هو ميدان الرماية الجديد، الذي سيهبط عليه ممثلوا الامبريالية العالمية والشركات العابرة للحدود، وأصحاب المصالح الاقتصادية الكبري في العالم، ليتحول السد الإثيوبي الي أكبر من مجرد بناء يهدف لاحتجاز المياه من أجل توليد الطاقة.


.. فالسد الإثيوبي أصبح كعملة الدولار الأمريكي، كلاهما يحمل بداخله خبايا وأسرار، كلاهما لا يعبأ بالنتائج المترتبة علي صعوده، كلاهما يسعي الي الاستقواء بكل قوة ممكنة حتي لو كانت شيطانية.. وكلاهما يرفع شعار البقاء للأقوي..


.. ويكشف الموقف المصري الرسمي حتي الآن – فيما بين سطوره – عن عدم قدرة مصر علي مواجهة كافة التحديات، ومواجهة العالم الذي ينقسم الي ثلاثة مواقف جميعهم ليسوا في صالحنا ( موقف الصمت كباقي بلدان العالم – وموقف المناور كأمريكا والاتحاد الإفريقي – وموقف الداعم الاقتصادي والسياسي للمشروع باعتباره كاشفا عن مستقبل قضية المياه في العالم مثل الإمارات والسعودية وإسرائيل وشركات كبري لها قوة الدول ).


.. لا أريد التوغل في سيناريوهات المستقبل، ولكنني مازلت متمسكا بأن قضية السد الإثيوبي أكبر من مجرد تنمية محلية للشعب الأثيوبي الفقير، بل إن الأمر متعلق بعدد من السيناريوهات المستقبلية المؤلمة علينا..فهل تستطيع شجاعتنا مواجهة هذا التحدي – الذي يبدو أنه سيصبح قضية القرن 21 ؟؟ وهل ستتراجع طموحاتنا ومطالبنا الي الحد الأدني وهو ضمان وصول قدر أقل من المياه مع استعدادنا لدفع أموال سنوية مقابل حصة أخري ؟ هل سنضطر لتقديم تنازلات سياسية ووطنية واعتبار أراضينا ممر مائي لبدان أخري؟


.. للأسف نهر النيل أصبح هو ميدان الرماية الجديد ..وأخشي أن نتحول الي دور المشاهد للعبة دولية كثيرا ما نجحت في تركيع شعوب وتدميرها..


..أتمني أن يتصف كلامي هذا بالهذيان.




إرسال تعليق

0 تعليقات