آخر الأخبار

لعبة الأمم فى العراق

 




 

بقلم : عمرو صابح

 

هناك بالفعل لعبة أمم تجرى فى العالم العربي ،ولكنها ليست على شاكلة ما كتبه عميل المخابرات المركزية الأمريكية "مايلز كوبلاند" فى كتابه الشهير "لعبة الأمم" ،الذى زور التاريخ فيه لتشويه جمال عبد الناصر وثورته وعهده، ولكنها تجرى وفق قواعد أخرى .

 

ومن أمثلتها الحية ما يجرى بالعراق منذ منتصف السبعينيات من القرن العشرين وحتى الآن .

 

فى عام 1974 كان العراق مرشحاً للانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة بعدما ارتفعت نسبة إنفاق الحكومة العراقية فى مجالات الصحة والتعليم والبحث العلمي ، فهل يسمح له الأمريكيون بذلك؟!ِ

 

بالطبع لا

 

أمريكا خربت العراق ودمرته بفضل تهور "صدام حسين" الذى نفذ كل المخططات الأمريكية للعالم العربى ببراعة يحسد عليها بدءً من إبادته لكل قادة حزب البعث وصولاً لحربه مع إيران ثم احتلاله للكويت بحجة الحقوق التاريخية للعراق فيها ، وتحرير فلسطين عن طريق الكويت!!

 

ولكن لم تنجح اللعبة الأمريكية بفضل صدام وحده ،بل أيضاً بفضل ثورة الخمينى فى إيران ، تلك الثورة التى جلبت عبر حروبها مئات المليارات من الدولارات لمصانع السلاح فى الغرب ، لا يجب أن ينسى أحد إقامة الخمينى بفرنسا والحماية التى كان يحظى بها من الغرب حتى وصوله لطهران عقب اندلاع الثورة محمياً بالطيران الغربي، فبعدما انتهى دور الشاه فى خدمة مخططات الغرب وتخويف العرب ، كان هناك دورا أخر لا يقل أهمية للثورة الإيرانية فى خدمة نفس المخطط سواء عن علم أو عن جهل .

 

قبيل سقوط الشاه ارتفعت أسعار النفط بجنون بفضل حرب 1973 ، وأصبحت إيران والدول النفطية العربية بالغة الثراء، كما تم توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى أوقفت الحروب بين مصر وإسرائيل ، كان لا بد من تدوير الاقتصاد الغربي والاستيلاء على فوائض النفط الهائلة لصالح الغرب وشعوبه.

 

فما العمل؟ المساهمة فى إسقاط نظام الشاه ووصول نظام أخر لحكم إيران يعادى الغرب فى الظاهر ولكنه فى الحقيقة يخدم مصالح الغرب كما لم يخدمها الشاه،وذلك عبر استنزاف أموال العرب فى الخليج والذين هم بطبيعة الحال غير قادرين على حماية الثروة الهائلة التى جلبها لهم النفط .

 

ببساطة لو ظل الشاه وأسرته يحكمون إيران ، لم يكن صدام حسين ليجرؤ على دخول الحرب ضده ، وهو الذى وقع معه معاهدة الجزائر عام 1975 ، متنازلاً له فيها عن حقوق العراق التاريخية فى شط العرب .

 

كان صدام مضطراً لتوقيع معاهدة 1975 مع الشاه ، للدفاع عن نظامه من السقوط تحت مطرقة الحرب ضد الأكراد فى الشمال وضد الشيعة فى الجنوب وهى معارك كانت تتم بمعرفة الشاه وجهازه السافاك.

 

كما أنه لولا رغبة الخمينى فى تحطيم الجيش الشاهنشاهى لإنشاء جيشه العقائدي الثوري ، لم يكن ليستفز صدام حسين حتى يدخل حرباً وقائية ضده ، وهى حرب حاول صدام مراراً إيقافها فيما بعد مقابل رفض قاطع للخمينى ، الذى وجد فيها فرصة ذهبية لتصفية خصومه فى الداخل ، ولتدمير جيش الشاه المشكوك فى ولاؤه للثورة.

 

أيضاً التماهى السعودى مع السياسة الأمريكية وخروج مصر من معادلة القوة بالإقليم منذ عقد معاهدة السلام مع الصهاينة ساهم فى النجاح الأمريكى الباهر ، وبعد خراب العراق ، كان لابد من دخول إيران على الخط ، فأمنها القومى مهدد طالما بقى الأمريكيون فى العراق ، أفاق السعوديون متأخرين على سقوط العراق تحت النفوذ الإيرانى سياسياً ، لذا يمولون حرباً بالوكالة هناك ضد إيران.

 

إيران دولة كبرى فى الإقليم ولكنها لا تخدم إلا مصالحها سواء فى العراق أو فى سورية أو فى لبنان أو فى اليمن عبر أدواتها المتعددة.

من سخرية القدر إن ما تفعله إيران بالإقليم يسير فى خط موازى لما يفعله العرب بأنفسهم وكلا الخطين يصبان فى مصلحة الأمريكيين.

 

العرب وهم أصحاب الإقليم لا يخدمون للأسف إلا مصالح الغرب .

 

بلاشك هناك خطر إيرانى يتمثل فى رغبة إيران فى أن تصبح القوة العظمى بالإقليم ، وهناك خطر تركى يتمثل فى رغبة تركيا فى استعادة أمجادها بالإقليم بعد إذلالها عبر التأجيل المستمر لقبول انضمامها للاتحاد الأوروبي ، ولكن الخطر الأكبر والأعظم الذى يتغافل عنه الجميع هو الخطر الأمريكي الصهيونى.

 

متى يخدم العرب مصالحهم؟ !!

 

فى أفغانستان خدموا الأمريكان وصنعوا القاعدة وطالبان.

 

ألا يكفى ما جرى للعراق وليبيا وسورية واليمن ؟!!

 

لا يمكننى لوم إيران على خدمتها لمصالحها .

صدق "محمود درويش" عندما قال:

عرب ٌ أطاعوا رومهم عربٌ وباعوا روحهم عرب ٌ…. وضاعوا

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات