عز الدين البغدادي
قبل ثلاث سنوات كانت لي محاضرة في مجلس حضره عدد من طلبة وفضلاء
الحوزة العلمية الشريفة، وكان الموضوع عن ضرورة تجديد المنهج العلمي في الفقه الإسلامي،
أبلغت بان السيد - - - - وهو من تلاميذ السيد الصدر كما يقال ربما يحضر في المجلس،
وفعلا حضر لكن في الجزء الأخير من المحاضرة، اقل من عشر دقائق ثم غادر كان الموقف
غريبا وغير محبذ وفيه شيء من الفظاظة.
لكن الرجل حر، فيما بعد علمت انه عندما خرج أبدى انزعاجا لأني لم
اذكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر، استغربت من موقفه فهو لم يحضر إلا دقائق فكيف
عرف إني ذكرته أو لم اذكره، ثم أني لم اذكر أحدا من العلماء بل تحدثت عن المنهج
فقط، عموما الأمر طبيعي ويستحق التجاهل فانا اعرف بطبائع أهل هذا المسلك.
بعد فترة كنت في ضيافة احد العلماء الأجلاء، وذكر السيد الصدر
(رحمه الله) وقال بأنه عندما انسحب الصدر من حزب الدعوة وحرم على طلبة الحوزة
الانتماء للحزب تعرض لهجوم عنيف من عدد من المعممين من جماعة الدعوة ذكر أسماءهم
والغريب جدا أن هذا السيد الذي نتحدث عنه كان ممن تهجم وانتقد الصدر بشدة‼ لم
استغرب ذلك لكني ضحكت من تناقضات بعض البشر بهذه الطريقة المثيرة للسخرية.
الحقيقية ان الصدر انسحب من الدعوة، وحدث بينه وبين الدعوة جفاء
شديد، ثم بعد ذلك وعندما اعدم الصدر تحول الى رمز كبير للدعوة واستغل اسمه بشكل
غير مسبوق!!
أما علاقة الصدر مع آية الله الخميني فخلافا للمتصور والمتوقع لم
تكن العلاقة بينهما ودية جدا عندما كان في النجف، وعندما فرضت عليه إقامة جبرية في
النجف سنة 1975 عرض على آية الله الخميني أن يزوره كدعم لوضعه إلا انه لم يتفاعل
مع الأمر كثيرا وقال بأن عندنا في إيران خمسين عالما تحت الإقامة الجبرية‼
وعندما اندلعت الثورة وفي بداياتها كلف الصدر ثلاثة أشخاص (ليس
مناسبا أن اذكر أسماءهم الآن) اثنان منهما من تلاميذه والثالث اكبر منهما سنا بان
يدرسا واقع الحال في إيران ويرفعوا له تقريرا ليأخذ موقفه من تأييد الثورة أو
عدمه، وفعلا جاء التقرير سلبيا أي بعدم تأييد الحراك ضد الشاه إلا أن الأمور تحركت
بشكل سريع جدا والحراك تحول إلى ثورة اكتسحت البلاد عندها أدرك الصدر انه تأخر
كثيرا وانزعج جدا من الأشخاص الذين كلفهم وعتب عليهم جدا.
بأي حال فان القصة تكشف
انه لم يكن متعاطفا جدا مع الثورة، إلا أن الأمور تحركت بشكل سريع جدا ودفعت نحو
اتخاذ موقف قوي وهو ما لم يبدو أن الصدر كان يميل إليه رغم انه رجل رسالي في توجهه.
عموما حركة الأحداث كانت مثل منحدر يصعب جدا على الإنسان ان يثبت
قدمه فيه، والصدر اندمج فيها إلا أن منهجه الأصلي لم يكن يميل لهذا التوجه ولأجل
هذا انسحب من الدعوة بل كان اقرب الى التوجه الثقافي الذي أبدع فيه وأنتج فيه إضافات
هامة في الفكر الإسلامي والإنساني عموما والشيعي خصوصا.
0 تعليقات