نصر القفاص
واجبى أن أقول كلمتى بتفاصيل.. حق من قرأنى يوما أن يعرف رأيى.
قضايا كثيرة نتناولها رفضا أو تأييدا.. معظمها لا تجد آذانا صاغية.. أصدقها
يتعرض صاحبه للتشهير والسباب, وفى أقل الأحوال للسخرية!! وبعض القضايا يجوز أن
نصمت عنها, ونتجنب الخوض فيها لنفوز بالسلامة دون استسلام.. لكن هناك قضايا يكون
تجاهلها خيانة ضمير.. ثم خيانة شعب.. بل وخيانة وطن!
عندما أتجاهل "مسخرة" العرض "الهزلى" بين وزير الدولة
للإعلام, ورجال الدولة فى الإعلام.. فهذا يرجع إلى تقديرى بأن ما نتابعه شيئا غير
مسبوق.. غير مفهوم.. غير منطقى.. وقد علمنى الحكماء قول "اللهم اضرب الظالمين
بالظالمين" فى مثل هذه المواقف.. خاصة وأننى قلت كلمتى فى وزير الدولة
للإعلام, قبل أن يتعرض لما حدث معه بشهور.. وعندما وجدت أن الأمر تجاوز حدود الأدب,
رأيت الصمت أفضل.. وعلى العكس كان موقفى حين اشتبك أستاذ الإعلام الدكتور "أيمن
منصور ندا" مع "أراجوزات" لم يملكوا تجاهه سوى القذف والسب, واستخدام
القوة المفرطة والغاشمة.. فكان أن جرؤت عميدة كلية الإعلام على تنفيذ تعليمات رئيس
الجامعة, بإرسال خطاب لإيقافه عن العمل فى واقعة إدارية شديدة السذاجة.. ثم لجأوا
إلى النيابة العامة للحوار معه عبر مواد القانون, وذلك أمر محمود وإن كان ليس سبيل
أهل الفكر والرأى.. وذلك دفعنى إلى الوقوف فى خندق أستاذ الإعلام, حتى ولو كانت
حروفه مسنونة وجمله قاسية.. لأنه استهدف بها "أراجوزات" يمارسون ارتكاب
الفعل الفاضح فى شارع الإعلام!! وإذا كنت أتجاهل احتكار "صاحب سينرجى" للإعلام
والدراما والإنتاج, لضرب "ماسبيرو" و"قطاع الإنتاج" والصحف
القومية.. فهذا سببه أننى لا أفهم - كغيرى - هذا اللغز.. فقد يتجاوز حدود قدراتى
العقلية.. فالدولة التى تترك وزير الدولة للإعلام, لرجال إعلام الدولة لكى ينهشونه..
هى الدولة التى تملك "ماسبيرو" و"الصحف القومية" و"قطاع
الإنتاج" وقررت ضربهم بقدرات "صاحب سينرجى" الخارقة.. وقد يكون ذلك
ضمن ما يمكن أن أضعه فى خانة الفعل الفاضح فى شارع الإعلام!!
يجب أن أكاشفكم بأن ما سبق ليس هو الموضوع, لكنه هوامش لا تشغلنى أو تشغل
السواد الأعظم من الشعب.. لأن قضية "مياه النيل" وغموض موقفنا تجاه ما
تفعله "أثيوبيا" بورقة "سد النهضة" لا يجب أن يعلو صوت على
صوتها.. وأعترف أننى كنت ضمن ملايين ارتضوا وعد القيادة السياسية, بأن الحل قادم..
قادم.. وتابعت "إحنا ضيعناكم قبل كدة؟" كما تابعت مشهد حلف "آبى
أحمد" رئيس وزراء "أثيوبيا" لليمين بعدم المساس بحصة مصر من مياه
النيل.. ثم تابعت "الخط الأحمر" الذى تحدث عنه الرئيس.. لكننى أخذتنى
الدهشة, وأصابتنى حالة ذعر حين سمعت وزير الخارجية متحدثا عن إمكانية تحملنا إقدام
"أثيوبيا" على الاستمرار فى ملء "سد النهضة" وتعليته.. لا
أنكر أننى قلت "يانهار اسود" خوفا وهلعا.. فهذا كلام يتناقض تماما مع "الخط
الأحمر"!! ذهبت إلى محاولة التفكير فيه, فهو لا يعنى غير رفع "الراية
البيضاء" وهكذا أخذنى تفكيرى وعقلى الذى لا يحتمل سماع تفسير أو توضيح لما
نسمع ونرى.. لكن الصمت يصيبنى بحالة خوف.. والتصريحات المتعارضة والمتناقضة تجعلنى
فى حالة هلع!!
نعلم.. وتعلم الدنيا.. أن مياه النيل ارتبطت ارتباطا عضويا بقناة السويس.. فقد
كان بناء "السد العالى" لتأمين مياه النيل, سببا فى تأميم قناة السويس..
ونشوب حرب 1956 التى ضاعت خلالها سيناء بالحرب واستعدناها بالتفاوض وفرض شروطنا
على إسرائيل ومن وراء إسرائيل عام 1957!! ولحظة أن تابعت أزمة السفينة التى أغلقت "قناة
السويس" فى ذروة "حرب المياه" التى توشك أن تندلع.. ربطت منطقيا - ليس
تعسفيا - بين مياه النيل وقناة السويس, لأنهما من أسس "شخصية مصر" التى
صاغها بالتاريخ والجغرافيا الدكتور "جمال حمدان" ويبدو أن تقصيرنا
لسنوات فى قراءة ما كتبه هذا العالم المتفرد, يفرض علينا أن نعالجه - على الأقل - بفتح
صفحات كتابه الموسوعى ومناقشته باستفاضة وعمق عبر كافة وسائل الإعلام المرئية
والمقروءة والمسموعة.. فهذا لم يعد ترفا أو رغبة يجوز تجاهلها, كما يتم تجاهل كل
رؤية جادة أو مخلصة.. بل أصبح فرضا وضرورة حتمية إن شئنا أن يفهم شعبنا أصل
الموضوع.. وهذا بالتأكيد لا يقدر على فعله أو فرضه "وزير الدولة للإعلام"
الذى لا يقدر على الدفاع عن نفسه رغم استمراره على مقعد الوزير.. وبديهى أنه لا
يقدر عليه "أراجوزات" الإعلام من الهتيفة والبلهاء.. ولا يستوعب معناه
ومغزاه "صاحب سينرجى" بما يملكه ويحتكره ضمن إمبراطوريته الغامضة وغير
المفهومة!! وإن حدث ذلك فسيكون بقرار سيادى يتم فرضه على أولئك الذين يمارسون
الفعل الفاضح فى شارع الإعلام والدراما!!
حرضنى الدكتور "طه حسين" عميد الأدب العربى على الكتابة حين قرأت
له: "لايعنينى مطلقا أن يوجد برلمان ولا حكومة برلمانية.. بقدر ما يعنينى أن
أستمتع بالحياة الهانئة, التى أتجنب فيها الشقاء بمقدار ما يستطيع الناس أن
يتجنبوا الشقاء" ثم أوضح: "إذا لم تستطع الديمقراطية أن تمكننى من
الحرية العزيزة, فلست فى حاجة إلى البرلمان ولا الحكومة البرلمانية" ولو أننى
قلت الكلام دون نسبة للدكتور "طه حسين".. وهو قائله وكاتبه.. ربما كنت
تعرضت للسب والقذف كما يحدث مع كل من يحاول التفكير.. والأصعب من ذلك أن يرميك "الأراجوزات"
و"السفهاء" بالخيانة العظمى حتى كادوا أن يجعلوا أغلبية الشعب خونة!!
إحتمى بالدكتور "طه حسين" وأنقل مما كتبه قبل ثمانين عاما تقريبا
فى مجلة "المصور" يوم 4 أكتوبر عام 1940.. فقد قال: "أرأيت إلى
هؤلاء السادة والقادة الذين يملأون الصحف, بما ينبغى لمصر أو لا ينبغى لها من
الحرب والسلم.. وبما تقدر عليه مصر أو لا تقدر عليه من الحرب والسلم.. أتراهم
ينفعون مصر بهذا السخف أم تراهم يسيئون إليها؟! وقد تسألنى عن أمور الشعب ما خطبها
إذا لم ترد إلى الشعب نفسه, ولم ينهض بها الأكفاء من أبنائه, ولم يؤتمن عليها
الوكلاء الذين يرى الشعب أنهم أحرى بالنيابة عنه".. أتوقف عند ما رأيت
اقتباسه.. لأطرح سؤالا على الذين يزعمون أنهم نواب الشعب.. هل يليق بهم أن ينصرفوا
عن أخطر قضية تواجه مصر فى تاريخها, إلى توزيع "كرتونة" للفقرا كهدية من
الرئيس؟! وماذا كان يمكن أن يقول "طه حسين" لو امتد به العمر وشهد هذا
العبث؟!
أصارحكم بأن "الهدوء" أصبح عملة صعبة كلما سمعت أو تابعت
التصريحات الصادرة عن "أثيوبيا العظمى"!! و"الصمت" لا يوصف
بغير "الخيانة" إذا لم نسأل عن الأحزاب التى وقعت "اتفاق القصد
الجنائى" لتتقاسم بموجبه مقاعد البرلمان - شيوخ ونواب - وتقر "التوريث"
كمنهج.. ولن أندهش إذا أصابهم الجنون وطالبوا بإعادة الملكية, وشطب ما حدث بعد 23
يوليو 1952 من الذاكرة الوطنية.. لكننى لا أصدق أنهم يتجاهلون قضية "مياه
النيل" وهى قضية وجود.. وتشغلهم صورتهم وهم يوزعون هدية الرئيس على الفقراء..
ولعلى أجد عند "طه حسين" ما أريد قوله, وهو القائل: "واجبنا أن نقر
فى نفوس المصريين, أن من حق أبناء مصر على مصر أن تؤويهم وتؤمنهم على حياتهم
ومصالحهم.. وتكفل لهم فى أرضها عيشا رغدا وقدرة على الرقى والاستمتاع بطيبات
الحياة المادية والفعلية.. حق مصر على شعبها أن يذود عنها إذا تعرضت للخطر, ويبذلوا
دماءهم فى سبيلها إذا حاول الأجنبى أن يهينها أو يستذلها أو يطأ أرضها أو ينالها
بمكروه".
قال "جمال حمدان" وقال "طه حسين" ومئات من مبدعى
ومثقفى وعلماء هذا الوطن يقولون.. لكن صوتهم محبوس وممنوع.. والميكروفون والقلم
والكاميرا يلهو بهم الذين يمارسون الفعل الفاضح فى الشارع السياسى!!
0 تعليقات