آخر الأخبار

من أبدع ما قرأت في الموضوع وأكثره دقة وعلما: من حدد لمصر حصتها من مياه النيل؟!

 



 

نادر نور الدين محمد

 

 أستاذ الأراضي والمياه بجامعة القاهرة

 

 

فى مختلف المواجهات الفضائية والمؤتمرات العلمية يثير الإثيوبيون هذا السؤال، وهو: من حدد لمصر حصتها من مياه النيل بحجم 55.5 مليار متر مكعب سنويا؟!. والإجابة عن هذا السؤال هى أن التدفق الطبيعي للنهر مع الانحدار صوب دولة المصب هو الذى أتى بالمياه عبر آلاف السنين حتى الحدود المصرية دون جهد من مصر، فنحن لا نسحب مياه الأنهار من دول المنابع، ولا نحن شققنا النهر حتى يصل إلينا، وإنما هو مورد طبيعي ربانى قُدر له مسار محدد وحمل مائى أيضا.

 

وعلى ذلك، ومنذ فجر التاريخ، وجدت مصر أن نهر النيل يحمل إلى أراضيها 84 مليار متر مكعب من المياه تزيد فى سنوات الفيضانات الوفيرة وتقل فى السنوات العجاف وترتضيها مصر وتقيم عليها حياتها، فلا أحد كان يعوض مصر عن السنوات العجاف ونقص المياه، ولا أيضًا عن السنوات السمان والدمار الذى يحل بالقرى والمدن فى مواسم الفيضانات، وبالتالى فليس من حق أحد الاعتراض لا على مسار النهر مع الانحدار الطبيعى إلى مصر ولا على كمية المياه التى تعودت مصر على تسلمها.

 

الأمر الثاني أنه لم يحدث ولو لمرة واحدة أن خاطبت مصر إثيوبيا ولا دول منابع النيل الأبيض الست بشأن عدم الاستفادة بمياه نهر النيل فى قطاعات الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلى، وكانوا دومًا يحصلون على كافة احتياجاتهم من مياه النهر وموارده من البحيرات والأمطار والمياه الجوفية، ثم يأتى الباقى إلى مصر فى تدفق حر لا يتحكم أحد فيه. الأمر أن دول منابع النيل الأبيض ارتضت بما لديها من مياه عذبة وفيرة فى البحيرات الاستوائية الخمس التى ينبع منها النيل الأبيض، فيكتوريا وكيوجا ألبرت وإدوارد وجورج.

 

.. وقدرت أن ما فى هذه البحيرات من مياه يكفيها وزيادة لكافة أنشطتها الحياتية، وبالتالى فلا حاجة لهم لما يجرى بين ضفتى النهر من المياه القليلة، وليسر النهر إلى قدره إلى دولة المصب مصر. وعلى النقيض نجد الإثيوبيين رفضوا أن يرتضوا بما تحمله بحيرة تانا، منبع النيل الأزرق، من مياه وفيرة وثروة سمكية وجزر ومزارات سياحية، وأخذوا يُخرجون الأحقاد حول ولماذا لا نأخذ أيضًا حصة من مياه النيل الأزرق حتى ولو كنا لا نحتاجها، أو كانت موارد النهر من أمطار ومياه جوفية وبحيرات عذبة تمثل 96.3% تأخذها إثيوبيا وحدها ولا يذهب إلى ما بين ضفتى النيل الأزرق ومعه نهرا عطبرة والسوبات إلا 3.7% فقط من موارد النهر، وكأن هذه الوفرة المائية والنصيب الأكبر لا يكفى أطماعهم ويسألون أنفسهم: ولماذا لا نستولى على القلة القليلة من المياه التى تذهب إلى مصر الجافة؟! فهم يعيشون فى وهم الحقد بأن مصر تقدمت بسبب المياه الإثيوبية!.

 

لذلك يمكن القول إنه لا اتفاقيات ولا معاهدات هى التى حددت حصة مصر من مياه النيل، ولكنه القدر والخلق الربانى والموقع فى نهاية الانحدار الذى يجرى فيه النهر، حيث ينبع النيل الأزرق من بحيرة تانا فى إثيوبيا على منسوب 1820 مترًا وينبع النيل الأبيض من بحيرة فيكتوريا التى تطل عليها أوغندا وكينيا وتنزانيا على منسوب 1200 متر ليسير كلاهما مع الانحدار المقدر له حتى يتلاقيا معًا فى مدينة الخرطوم على منسوب 500 متر، ثم يستمر سير النيل الموحد حتى يصل إلى الحدود المصرية عند منسوب 200 متر مستكملًا مسيرته الربانية حتى البحر المتوسط عند منسوب الصفر. فهل لهذه المعجزة والمقدرات الإلهية لمصر أى دخل أو دور فيها؟!

 

 وهل خلقنا هذا الانحدار وهذه المنظومة حتى نجلب مياه النهر إلى مصر، أم أنه القدر الذى ترتضى به دول منابع النيل الأبيض الست بينما ترفضه إثيوبيا وحدها وتثير المشاكل حوله من حين إلى آخر، مستكثرة على مصر ما قُدر لها أن تتسلمه من القليل من مياه النيل، ومستقللة على نفسها ما تتسلمه من عشرات الأضعاف الذى تتسلمه مصر وتريد المزيد فى جشع لا مثيل له.

 

الأمر الثاني الذى يثيره الإثيوبيون هو أن مصر تنقل مياه النيل إلى الصحراء، وكأنهم ولّوا أنفسهم أوصياء على مياه النيل ليراقبوا ماذا يفعل غيرهم بحقهم فى مياه النهر، وكأنه نهرهم الخاص. ولهم نقول إن نهر النيل وما حوله من أراضٍ طميية جلبها النهر معه إلى مصر، حيث يمثل مجرى النهر وما حوله من أراضٍ سمراء نيلية 3.5% فقط من إجمالي مساحة مصر، بينما تمثل الصحارى المحيطة بالنهر وأرضه 96.5%، وبالتالي فلا مفر لمصر من أن تنقل المياه إلى حواف وهوامش الأراضي السمراء فى الصحراء، لأن الأراضي الزراعية فى مصر هى الأقل فى كل دول منابع نهر النيل، حيث لا تزيد أراضينا الزراعية عن 8.6 مليون فدان بالمقاييس المصرية، وهى عُشر الأراضي التى تزرعها إثيوبيا، بل وتقل عن مساحة زراعات الوقود الحيوى فقط فى إثيوبيا، والبالغة 10 ملايين فدان بخلاف مساحات زراعات الحبوب ومحاصيل الألياف والزيوت والأعلاف فى 76 مليون فدان أخرى. فهل ليس من حقنا أن نستغل أراضينا الصحراوية ونحولها إلى اللون الأخضر ونوفر لشعبنا قدرًا من الأمن الغذائى يقلل من فجوتنا الغذائية البالغة 65% من احتياجاتنا نستوردها بفاتورة 15 مليار دولار، أو أنه من حقنا أن نزرع مساحة من الأراضي تماثل رُبع فقط ما تزرعه إثيوبيا وبعض دول المنابع لأننا لا نأخذ من مياه أحد؟!.

 

تغيب الموضوعية ومعها العقل دومًا فى المناقشات مع الإثيوبيين الذين يحتاجون إلى من يعيدهم إلى رشدهم وإلى المنطق والرضاء بقضاء الله، فنحن أيضا نسأل: من أعطى إثيوبيا الحق فى تخزين 75 مليار م3 فى بحيرة سد النهضة؟ ومن أعطاها الحق فى تحويل النهر إلى بحيرة وتغيير المصب النهائي للنهر ليكون فى بنى شنقول بدلًا من قدره وخلقه الطبيعي لينتهي في البحر المتوسط؟!.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات