علي الأصولي
ذكروا في الأدبيات الصوفية {عندما اتسع الفضاء ضاقت العبارة} وفي
قبال اتساع الفضاء وبالتالي ضيق العبارة تجدهم يذكرون مقولتهم {كلما ضاقت الرؤيا
اتسعت العبارة} .
وهذه المقولات هي في صدد بيان إمكانية المناورة اللفظية واللغوية
والاصطلاحية ومخاطبات المريدين من جهة وعامة الناس من جهة أخرى. كل بحسب وعاء فهمه
ومستواه وإدراكه وقابلياته. إذ تجد أن مساحة الحركة في التنقلات اللفظية وإحضار
المعاني بالألفاظ مشروط بضيق الرؤيا البشرية واستعدادت الناس وتقبل المعارف التي
صبغت على شكل قصص وأحداث ووقائع. ولكن أن كان الانطلاق نحو العلى وزيادة الوعي
وملاحظة الإشارات في عالم المعنى فهنا سوف نشهد اتساع الفضاء المعرفي الروحي
بالعبارات لا تسعف من يوظفها لتفهيم الآخر إلا بشق الأنفس ومن هنا اشتغل أكابر
المتصوفة وتبعهم العرفاء والمنهج الرمزي.
فإذا انتهج المنتهج وطريقة الرمز فسوف يمضي وما يريد وهذا المنهج.
ولكن ما أن تحاول أن تترجم الأسماء والمعاني اللفظية تترجمها من
حاق ألفاظها إلى رمزيتها أما أن تتهم بالشطح أو لا أقل يعتبر المتلقي أن الكلام
المسموع وعبائره غير مفهومة.
و على ما يبدو لي بأن مقولة الشطح أن صحت هي عبارة عن تجربة معرفية
لم يستطع صاحبها ترجمتها بصورة صحيحة فكانت على شكل مفاهيم وعبائره غير مفهومة.
اجل: فهذا النفري الذي اتسعت رؤيته ولكن ضاقت بالتالي عبارته. لم
يكن يعلم أنه وبعد قرون من وفاته ستكون إحدى مكاشفاته في كتابه المعروف - المواقف
والمخاطبات - مدخلا على ما ذكروا من مداخل الحداثة في الشعر اعتمادا على عبارته
الشهيرة {كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة} .
ما اريد بيانه هنا كمقدمة بعد التمهيد أعلاه هو { أن الحقائق
الروحيّة المجرّدة العليا مبرّءةٌ عن الفهم العرفي، وليس لها ألفاظٌ موضوعةٌ في
اللغة، لأنَّ العرف والعقلاء يضعون اللغة طبقاً لإحتياجاتهم الحسيّة والدنيويّة
والاجتماعيّة، ومن هنا يضطرّ المتكلّم بما فيهم القرآن الكريم إلى إستعمال
الأَلفاظ المألوفة لدى العرف والعقلاء عند التعبير عن الحقائق الروحيّة المجرّدة
التي لم يراها العرف ولم يضع لها ألفاظاً، فيختار المتكلّم أقرب الألفاظ للتعبير
عن مقاصده السامية، وإن ابتعدت عن الغرض من وجهٍ. ومنه يتّضح الحاجة إلى المجاز
والتعابير المسامحيّة في الحقائق المجرّدة؛ لعدم وجود لفظٍ مطابقٍ لها في اللغة
البتّة} محمد الصدر (منة المنان ج٣)
وكما ترى أن الأصل في الماورائيات والمعاني الروحية التي ذكرت في
الكتاب بل والسنة المعصومية. الأصل فيها الرمزية غاية ما في الأمر صيغت بصياغات
وقصص وأحداث ووقائع
لغاية التقريب الذهني والإنس بالمعاني. على طريقة اتساع الفضاء
وضيق العبارة فأفهم واغتنم والى الله تصير الأمور ..
0 تعليقات