عز الدين البغدادي
قمت بتدريس مادتي الفيزياء والرياضيات لفترة في مدارس الوقف
الشيعي، وبسبب كثرة العطل التي يتوقف عندها التدريس كنت أحاول استغلال الوقت ما أمكن
بما يضمن تحقيق فهم أفضل للطالب مع اكمال المنهج المطلوب.. احيانا تمر مناسبات
دينية فيطلب مني مدير المدرسة ان اقتطع عشر دقائق من الدرس للحديث عن ولادة او
وفاة احد الأئمة فكنت اعتذر منه لأن وقت الدرس للدرس، ولأني لا احب ان اخلط بين الأعمال
والاختصاصات فانا في المسجد رجل دين لكن في الصف انا مدرس ومدرس فقط، لهذا وبخت
احد الطلاب يوما عندما ناداني بلقب شيخ وحذرته من تكرار هذا الكلمة في الصف فلقب
المدرس في المدرسة هو أستاذ.
مناسبة واحدة فقط كنت أجد نفسي مضطرا للوقوف عندها والحديث عنها
دون ان أتجاوزها وهذه المناسبة هي عيد العمال العالمي كنت احدث الطلاب عن تاريخ
هذا اليوم ودلالاته، وعن قيمة العمل ودوره في بناء الإنسان والوطن.
في الجاهلية كان العرب يسمون العمل "مهنة" من الامتهان،
لأنهم كانوا يأنفون من الزراعة او الصناعة ويرون ان الرجل لا يأتي بالمال الا
بالسيف والرمح وأن المخنثين والعبيد وسقط الرجال هم من يمارسون الأعمال اليدوية
المهينة، وجاء الإسلام فرفع من قيمة العمل بل وجعله مقدسا، حتى ان النبي (ص) رأي
احد أصحابه وقد كبنت يداه اي اخشوشنت فقال له: ما هذا؟ قال: من اثر المسحاة يا
رسول الله، فقبل يديه وقال: هذه يد يحبها الله ورسوله.
اعتقد إننا بحاجة فعلا ان نحيي هذه الذكرى من خلال استذكار دور
العمل في بناء الأوطان، ومن خلال التأكيد على ان العمل هو المصدر الحقيقي للكسب،
وان العمل هو شرف الإنسان وقيمته، وقد وي عن أحد السلف أنه قال: إني لأرى الرجلَ
فيعجبني فأسأل هل له مهنة؟ فإن قيل لا سقطَ من عيني.
اليوم صار العمل موضع سخرية، وصار قديمة قديمة بالية لأنه يرافق
وربما يرادف الشرف. لأن الكسب اليوم صار سهلا، فالخيانة مصدر رزق كثيرين، والدعارة
ولو باسم "الإعلامية س" مصدر رزق، والتسليب بالسلاح تحت اي عنوان مقدس
مصدر رزق، المعامل تم تفكيكها وبيعها والفلاح تم تحطيمه عن طريق الاستيراد الذي لا
يصب في مصحة البلد.
نحن فعلا بحاجة الى أحياء فيمة العمل واستشعاره، نحن بحاجة الى إعادة
فتح المعمل واهم من ذلك ان يشعر العامل بأن كلمة "عامل" ليس كلمة مخزية
ولا مخجلة، بل هي كلمة يتشرف بها حاملها.
0 تعليقات