نصر القفاص
أغلبيتنا يعلمون اسم "سليمان باشا" ربما لأن اسمه أقترن
باسم واحد من أهم شوارع وسط القاهرة.. وقد لا يعلم كثيرون أن "سليمان
باشا" هو نفسه الكولونيل "سيف" وهو فرنسي الأصل والجنسية.. قام
بتغيير اسمه إلى "سليمان" بعد أن أشهر إسلامه واستقر فى مصر.. ولنا أن
نعرف عنه أنه مؤسس جيش مصر الحديث فى زمن "محمد على" وشغل موقع رئيس
أركان هذا الجيش.. تزوج من يونانية أنجبت له ثلاثة أولاد.. هم "إسكندر
بك" الذى مات فى شبابه.. وابنتين إحداهما تزوجت "شريف باشا" الذى
تولى رئاسة النظار - الوزراء - أواخر عهد الخديوى "اسماعيل" وأنجب ضمن
ما أنجب فتاة تزوجت "عبد الرحيم باشا صبرى" والد الملكة
"نازلى" زوجة الملك "فؤاد"!
قبلت مصر - بل فرضت - أن يحكمها "محمد على" الألباني
الأصل, ومازلنا نراه مؤسسس مصر الحديثة وجيشها الذى نضعه تاجا فوق رؤؤسنا بكل
فخر.. ومازالت مصر تفخر بما قدمه لها "سليمان باشا".. وهى نفسها مصر
التى تلعن حفيدته - نازلى - رغم أنها كانت ملكة.. زوجة ملك وأم ملك - فاروق -!!
وتلك إشارة وليست مقدمة, للتأكيد على أن المصريين يحتفون بالأجانب ويحترمونهم بقدر
عطائهم لهم.. وبقدر ما يتعلمون منهم.. فقد كان "شاخت" أهم مفكر اقتصادي
المانى, هو أكثر من دافعوا عن قانون "الإصلاح الزراعى" بينما مازال
بيننا من يحملون الجنسية المصرية يرونه سبب خراب البلاد والعباد, ولا يكفون عن
المجاهرة بجهلهم وفساد رؤيتهم القائمة على أكاذيب وتزوير الحقائق والمعلومات!!
نحن لا ننكر أن "دليسبس" كان وراء حفر "قناة
السويس", وكان - أيضا - وراء تسليم مصر للاستعمار الانجليزي.. ورغم ذلك بيننا
من يحملون الجنسية المصرية, ويطالبون بتكريمه.. تلك حالة ضبابية دخلنا فيها, عندما
أهدرنا أعظم فرصة لتجاوز نكسة يونيو 1967.. لحظة أن قرر حاكم - أنور السادات -
الذهاب إلى سلام مع إسرائيل, باعتبار أن هذا هو السبيل الوحيد للاستقرار وتحقيق
الرفاهية والرخاء الاقتصادي.. ولعلنا نرى "الدائرة المفرغة" التى
دخلناها منذ ذهبنا إلى" سلام تعسفى" تم فرضه علينا بإرادته السياسية..
مع ضرورة ذكر الذين رفضوا - ومازالوا - ضد هذا الطريق.. أولئك الرافضين تم
اضطهادهم وتشريدهم وتشويههم, دون احترام حقهم فى قول كلمتهم وشرح رؤيتهم.. حدث ذلك
باسم كلمة "الديمقراطية" التى أصبحت سيئة السمعة عند المصريين.. فهذه
"الديمقراطية" عندنا مجرد "لافتة" نرفعها لنمارس تحتها
"الدكتاتورية" و"الفاشية" منذ أن كان "فؤاد" ملكا!
كان فى مصر "برلمان" تم حله بعد ساعات من انعقاده لمجرد
انتخاب "سعد زغلول" رئيسا له.. وكان فى مصر "برلمان" يوافق
على أن تحكم الأقلية, نكاية فى حزب "الوفد".. وكان "أنور
السادات" رئيسا للبرلمان عندما وقعت كارثة يونيو 1967.. واستمر البرلمان
قائما ليبصم على كل ما تقرره الحكومة.. أى حكومة.. لنباهى الأمم بأننا عندنا
"ديمقراطية"!! ولم نفكر فى إعادة النظر بطبيعة "البرلمان"
وقيمته للوطن.. لمجرد أن أصبح من ملامح ما نزعم أنه "ديمقراطية".. ولم
يخرج علينا أحد ليقول أن تاريخ "البرلمان" - كل برلمان - لنحو مائة عام
أو أقل, يفرض علينا الاعتراف بأنه يمثل إهدار لثروات الشعب بما ننفقه عليه دون أن
يقدم أو يعطى شيئا للشعب.. لدرجة أنه تحول إلى مصدر تهديد وتأديب للشعب, بما يفرضه
من قوانين جائرة - قانون الشهر العقارى نموذجا - لدرجة أنه يتم إيقافها قبل
تنفيذها بساعات!!
فى تاريخ مصر واحد من أهم وأخطر التحديات التى واجهناها.. يوم
إعلان تأميم "قناة السويس", وكان الرهان على فشل المصريين فى إدارتها..
لكن أبناء هذا الشعب أسقطوا هذا الرهان وجعلوه عنوانا على كذب الذين لا يكفون عن
ضربنا فى عقولنا ومعنوياتنا.. أولئك هم المهزومون فى عقولهم, كما أن جيشنا الذى
تعرض لأسوأ هزيمة فى 1967, كان هو نفسه الذى صنع أعظم انتصارات العصر الحديث عام
1973.. وكان القادة هم القادة أنفسهم.. والجنود هم الجنود أنفسهم.. وخلفهم الشعب
نفسه الذى ذاق مرارة الهزيمة وصنع حلاوة الانتصار.. دون أن نسمع من أحد ضرورة أن
نذهب للخصخصة لكى نتمكن من إدارة "قناة السويس" بعد تأميمها.. أو
"خصخصة" الجيش لنتجاوز الهزيمة!!
دفعنى للتفكير بهذه الطريقة جرأة الفريق "كامل الوزير"
على الزعم بأن الذهاب للخصخصة فى إدارة "السكة الحديد" هى الطريق الأسرع
للإصلاح.. وتلك "كارثة" بالمعنى الحقيقى للكلمة.. ثم كانت جرأته أمام
أعضاء مجلس النواب على القول أن عناصر إخوانية داخل وزارته هى سبب الكوارث
الأخيرة.. ومضى متجرئا على الحقيقة لكى ينتقد النيابة العامة, التى أكدت أن الفساد
والإهمال وفشل الإدارة هم سبب كل الكوارث الأخيرة.. فالذين يصنعون الفشل فى
الإدارة, أصبحت "الخصخصة" هى طوق نجاتهم.. وإلصاق أسباب فشلهم
بالإخوان!!
وقد بحثت عن دولة تفرط فى صناعتها الثقيلة, أو تفرط فى إدارة
منشآتها الإستراتيجية.. فلم أجد.. وبحثت عن "برلمان" يجلس أعضاؤه صامتين
وهم يسمعون وزيرا يسخر من إنجاز أمة, متمثلا فى مصانع "الحديد والصلب"
التى لا نعلم مصيرها.. كما صمت برلماننا.. وهو "البرلمان" نفسه الذى سمع
عن إدارة أجنبية للسكة الحديد.. راضيا.. طائعا مختارا!!
وذلك سمح لى أن أسخر.. نعم أسخر.. لأطرح الفكرة
"المجنونة" حول "خصخصة" البرلمان!!
مع علمى أن هذا الأمر - رغم أنه سخرية - يمكن أن يدفع المئات من
الذين يرون فى أنفسهمم نوابا وشيوخا إلى الانفجار فى وجهى.. فهم لا يعنيهم ما
سمعوه حول أن مصانع "الحديد والصلب" لا تساوى "عشرة صاغ"..
وهى جملة تعنى ضرب "الصفقة" المزعومة فى سعرها بالمعنى الرخيص للكلام!!
ولم نسمع منهم اعتراضا أو
طلب مناقشة لمسألة إسناد إدارة "السكة الحديد" لشركات أجنبية.. بما
جعلنى أنتبه وأغير تفكيرى فى أسباب تتابع حوادث القطارات بعد تجديدها وتطويرها -
أو خلال عملية التجديد والتطوير - فقد كنت أعتقد أن "الفساد" و"أهل
الشر" يستهدفون الوزير.. لأكتشف أن الوزير يستهدف هيئة من أقدم هيئات السكة
الحديد فى العالم.
هنا سنجد مئات الأسئلة وآلاف من علامات الاستفهام, فيما نتابعه
حولنا خلال عامين مضيا.. فكل ما كنا نحسن الظن حوله أو فيه, يحدث انقلاب درامى فيه
يعقد ألسنتنا ويصيبنا بالخرس!! وعندما وجدنا أن أخطر وأهم التحديات التى تواجه
"شخصية مصر" متمثلة فى موضوع "سد أثيوبيا" وقد تحولت إلى
"لغز" غير مفهوم.. إنقلب القلق إلى توتر.. تصاعد التوتر فأصبح غضبا..
يتصاعد الغضب بما نسمع من خارج حدودنا وعلى ألسنة أعدائنا, وبصمت وتواطؤ من قالوا
لنا عنهم أنهم أصدقاء!! ووسط هذا الضباب الكثيف ينهمر سيل من الشائعات والأكاذيب
وبينهما ما نظنه حقائق وفق اجتهادنا الذى قد يكون قاصرا.. وبما أن كل شىء.. وأى
شىء.. قد أصبح واردا أو مطروحا, بما فيه "مصالحة أهل الشر" بالتقارب مع
الذين دعموا ويحمون "أهل الشر" فلماذا لا نطرح فكرة "خصخصة
البرلمان"؟! سيما وأننا نعلم أن هذا البرلمان - نواب وشيوخ - قد تشكل باتفاق
"القصد الجنائى"!! ويملك فيه رجال المال نصيبا كبيرا رغم أنف الشعب..
وبما أن رئيس مجلس الوزراء لا يرد على وزير نسف "صفقة" مصانع
"الحديد والصلب" المشبوهة.. ولم يوضح موقفه من "وزير الدولة
للإعلام" حتى تقدم باستقالته..ولم يعتذر عن قانون الشهر العقارى الذى قدمته
الحكومة, وبصم عليه البرلمان!! ولا يخرج ليشرح للشعب حكاية الإدارة الأجنبية لمرفق
السكة الحديد.. غير عشرات الموضوعات التى كانت تستوجب شرحا أو تفسيرا.. لكن الجميع
انصرفوا للمشاركة فى مهرجان "الصمت للجميع"!! ولأننى مستثمر جيد فى
اللحظة قررت أن أن أطرح فكرة "خصخصة البرلمان" لظنى أن نوابا أجانب
سيكونون أفضل من نوابنا المصريين.. وأرفض "خصخصة" أية مواقع أخرى, فهذا
ما أقدر عليه.. كما يقدر "البرلمان" على الشعب!! وحقيقة الأمر أن
برلماننا - شيوخ ونواب - قلبوا "التوريث" من مجرد فكرة أسقطت "نظام
مبارك" إلى منهج, بتوريث أبنائهم وأشقائئهم وزوجاتهم.. وتكشف تلك الحقيقة
أسماء النواب الذين أجلستهم على مقاعد "القائمة" وتابعنا أن أكثر من
نائب رحل عن دنيانا فحلت مكانه ابنته.. والبقية تأتى.. وذلك يجعلنى أطرح - ساخرا -
فكرة "خصخصة" البرلمان باعتباره قد يكون أفضل.
0 تعليقات