علي الأصولي
ذهب غير واحد ومنهم المحقق السيد جعفر العاملي في كتابه (الصحيح من
سيرة النبي الأعظم - ص -) على أن مكان المسجد الأقصى في السماء المعمورة وليس في
الأرض.
وبالتالي ليس في فلسطين مستدلا بجملة من الروايات وآراء قدامى
العلماء أمثال المجلسي في - البحار - والفيض في - تفسير الصافي - وغيرهم.
وما يهمنا هو حقيقة الإسراء ومكانه بناء على ما فهم المحقق العاملي
إذ أنه لا مناص إلا والتزام بتأويل مكان الإسراء بناءا على ذلك الفهم.
بالتالي المقطوع به نصا وإجماعا هو وقوع الإسراء فقد ذكر عامة
علماء الإسلام على أن الإسراء حصل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في فلسطين
ومنها إلى السماء كان المعراج وأن اختلفوا في حقيقة المعراج هل هو فيزيائي مادي
جسماني أو روحاني معنوي وعلى التحقيق هو الثاني لا الأول.
فالإسراء لغة هو السير في الليل كما هو معلوم من نصّ أهل اللغة كما
في لسان العرب لإبن منظور/ مادة السُّرى، فلا يسمّى السير في النهار إسراء ،
وقد جاء في الأخبار الإسلامية أن الإسراء على نحوين: منه محدود
ومنه عام ، فالأول ما وقع من المسجد الحرام إلى بيت المقدس خاصّة أي في فلسطين على
وجه الخصوص كما يشعر به بعض الأخبار العامية، والثاني عام كما في بعض أخبار
الإمامية حيث تفسر المسجد الأقصى بالبيت المعمور في السماء الرابعة. وكما ترى يمكن
الجمع بين أخبار العامة والخاصة. فيقال حصل الإسراء الخاص من المسجد الحرام إلى فلسطين
ومن ثم حصل الإسراء - العروج - من فلسطين إلى المسجد الأقصى في السماء. بعد تعميم
لفظ الإسراء من كونه ارضيا إلى كونه سماويا وان كنا أسميناه بالعروج .فقولهم
" سريت فيه سريّاً ": إذا قطعته بالسير " ولذا قالوا: والقطع
بالسير أعم من كونه أرضياً بل يشمل قطع السير في السماء كما اليوم في سفر
الطائرات...فمن يقطع مسافة السفر في شهر رمضان يصدق عليه أنه قطع المسافة الشرعية
بالسير في الطائرة ...فقطع المسافة الشرعية موجب للتقصير والإفطار سوآء أكان قطع
المسافة بالطائرة أم بالسيارة والقطار والدابة أو مشياً على الأقدام..فكل ذلك من
مصاديق قطع المسافة...فلفظ الإسراء مرادف للفظ المعراج بالاشتراك المعنويّ،
فالإسراء هو المعراج لا يختلفان بشيءٍ إلا بنحوٍ طفيف، فالإسراء أعم من المعراج،
فالأول يشمل الأرض والسماء بينما الثاني خاص بالسير في الفضاء وكيف كان: يمكن فرض الإسراء
الأرضي على نحو الحقيقة والسماوي مجازا وتسامحا في الإطلاق.
ذكر بعضهم أن قوله تعالى(لنريه من آياتنا) هي في خصوص آيات المسجد
الأقصى السماوي. إذ لا معنى ووجود(آياتنا) في فلسطين.
ويرد عليه: أن هذا الفهم لا تساعد عليه نفس الآية إذ نصت (سبحان
الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) إذ لو
أريد معنى المسجد الأقصى السماوي الذي ذكرته بعض الأخبار الإمامية فيلزمه أن
المسجد الأقصى لا خصوصية له سماويا كان أو ارضيا. بالتالي نفسر مباركة ما حول
المسجد من قبيل قبور ومقامات الانبياء(ع) وبهذا نصل إلى حقيقة أن المسجد الأقصى(والأقصى)
يعني الابعد بالقياس من المسجد الحرام بطبيعة الحال. وآراءه الآيات التي حوله حصلت
بلحاظ تحصيل حاصل وكما أن هناك آيات سماوية فكذلك هناك آيات أرضية أيضا وحصر الآيات
بالسماوية مجانب للصواب.
بقي أمر وهو في طبيعة المباركة هل المسجد أم لما حوله.
فالآية نصت على أن الله تعالى بارك بما حول المسجد في فلسطين ولم
يبارك في نفس المسجد بقوله تعالى( الذي باركنا حوله) وملاك البركة بوجود قبور
أنبياء بني إسرائيل.
ودعوى بأن البركة حول المسجد تستلزم البركة في المسجد بحاجة إلى
قرينة علمية توجب عموم البركة للمسجد لا سيّما مع ورود آيات تدل على أن الله تعالى
جعل البركة في بعض الأماكن الفلسطينية دون البعض الآخر كقوله تعالى في سورة
الأنبياء (71) بحق النبي إبراهيم ولوط (ع) ( ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا
فيها للعالمين ) أي باركنا فيها كلّها دون قسمٍ منها.. وكذلك ما ورد في الآية
(8)من سورة النمل حاكياً عن النبي موسى(ع) ( فلما جاءها نودي أن بورك من في النار
ومن حولها ) فمن في النار هم الملائكة، ومن حولها هو النبي موسى(ع).
قالوا : ولو كان المسجد الفلسطيني مباركاً لكان الله تعالى أتى
بقرينة صارفة عن الشك بوجود بركة فيه ولكنه حيث لم يأتنا بقرينة تحدد وجود البركة
فيه علمنا أنه بلا بركة.
وفيه: أن المكان بالمكين ووجود البركة فيما حوله - حول المسجد -
بلحاظ شواهد قبور الأنبياء(ع) هذا لا يعني أن غير مكان لا بركة فيه وبالتالي لا
يحترم.
ما أريد بيانه: هو أن المسجد الأقصى موجود في فلسطين بصرف النظر عن
وجود مثاله في السماء المعمورة. ولا يقال لا وجود للأقصى في أرض الجليل.
فاته يقال: نقل الكليني في الكافي بإسناده عن عدة من أصحابنا ، عن
أحمد بن محمد ، عن أبي يوسف يعقوب بن عبد الله من ولد أبي فاطمة ، عن إسماعيل بن
زيد مولى عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله (ع) قال : جاء رجل إلى أمير
المؤمنين(ع) وهو في مسجد الكوفة فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله
وبركاته فرد عليه ، فقال : جعلت فداك إني أردت المسجد الأقصى فأردت أن أسلم عليك
وأودعك ، فقال له : وأي شئ أردت بذلك ؟ فقال : الفضل جعلت فداك ، قال : فبع راحلتك
وكل زادك وصل في هذا المسجد فإن الصلاة المكتوبة فيه حجة مبرورة والنافلة عمرة
مبرورة والبركة فيه على اثني عشر ميلا ، يمينه يمن ويساره مكر وفي وسطه عين من دهن
وعين من لبن وعين من ماء شراب للمؤمنين وعين من ماء طهر للمؤمنين منه سارت سفينة
نوح وكان فيه نسر ويغوث ويعوق وصلى فيه سبعون نبيا وسبعون وصيا أنا أحدهم وقال
بيده في صدره ما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلا أجابه الله وفرج عنه
كربته» فهذه الرواية الشريفة كشفت عن أن الفضل إنَّما هو لمسجد الكوفة وليس للمسجد
في فلسطين. وهي أيضا كاشفة على وجود مسجد يسمى بالأقصى في الأرض من هنا نهى أمير
المؤمنين(ع) شدَّ الرحال إلى فلسطين للزيارة وأمره بمسجد الكوفة الذي فيه كلّ
الفضل والبركة...
نعم: إماميا نصت المرويات على أن شدَّ الرحال لا يكون إلا لثلاثة
مساجد هي: المسجد الحرام والمسجد النبوي ومسجد الكوفة، وفي مقابلها أخبار من
العامة الآمرة بشد الرحال إلى المسجد الأقصى، وكما تلاحظ ووجود التعارض وهنا طبق
بعض الفقهاء قواعده الترجيحية وطرح أخبار العامة تمسكا بأخبار الخاصة. وبصرف النظر
عن وجود تعارض أم لا وبصرف النظر عن هذا العلاج. لو لم يكن للأقصى وجود لما تم
تطبيق القواعد الترجيحية.
وبالجملة ثبوت واثبات سماوية الأقصى لا يعني ولا يلازم نفي أرضيته
وما عداه والشواهد القرآنية والروائية والتاريخية لا يمكن رفع اليد عنها بتأؤيل
هنا أو قراءة هناك والى الله تصير الأمور ..
0 تعليقات