آخر الأخبار

هكذا يتلاعبون بالعقول حقائق غيبتها الدعاية والحرب النفسية

 



سجاد الحسيني



قد يقول قائل العنوان مبالغ به ويقول البعض الآخر عنه مرعب لا استغرب من هذا إطلاقا وربما من يقول ذلك هو ضحية من ضحيا حرب الإعلام الناعمة!

 

التقيت ظهر ٢٣ آيار الجاري شخصيتان حتم عليَّ الوقوف عندهما واكتب هذه الكلمات، الأول شخص يناهز عمره ٤٨ عام وهو شخصية دينية واجتماعية وخطيب واصل الى مرحلة متقدمة جدا في الدراسات الدينية وكان محور الحديث عن لقاحات "كورونا" وأخبرته بأنني أخذت اللقاح واذا به يندهش واخذ يلومني لقيامي بهذا الفعل وعندما سألته عن السبب قال هذه مؤامرة وخطة لقتلنا!! ومن ثم اخرج هاتفه وطلب مني مشاهدة مقطع فديو لرئيس وزراء الكيان الصهيوني وهو يتحدث عن خطة إسرائيل وأمريكا لقتل المسلمين من خلال السلاح واللقاح (ما مضمون الفديو) لكن الغريب والعجيب ان "نتنياهو" يتكلم اللغة العبرية و الترجمة هي من تقول قتلناهم بالسلاح والآن نقتلهم باللقاح!!

 

 قلت له هذه الترجمة بإمكان أي شخص يكتب ما يشاء وواضح ان الفيديو مفبرك ليس دفعا عن الكيان والشيطان طبعا،

 

ومن حسن الصدف في نفس اليوم عصرا التقيت زميل أكاديمي مثقف وكان الحديث عن مأساة الكهرباء في العراق وقلت مامضمونه إضافة إلى الفساد هناك من يتعمد عرقلة الكهرباء وممكن ان يدخل هذا الملف ضمن صراع المحاور .

 



رد زميلي قائلا : أنت تؤمن بنظرية المؤامرة؟ وأردف بالقول لاتوجد مؤامرات في هذا العالم ومن يقول بذلك يحاول ان يجد مبرر وهمي وشماعة يعلق عليها فشله واستشهد بمقولة لأحد الإعلاميين تؤيد قوله!

 

حقيقة هذا الموقف جعلني أفكر كثيرا وأتساءل ماذا يفعل بنا الإعلام؟ فبين انخداع الشخص الأول و انخداع الثاني ونتيجة لهذين الفكرين الكثير من الحقائق اندثرت و الكثير من الوقائع زيفت و الكثير من الشخصيات التي لاتستحق رفعت و الكثير من الشخصيات الوطنية والعلمية شوهت صورتها وسقطت إعلاميا !!

 

مايمز حروب الإعلام انها تستهدف جمهور واسع يصل إلى مجتمع برمته وهذا حدث كثيرا وينقل لنا التاريخ القريب شواهد عديدة لعب الإعلام وأساليبه الناعمة دور مهم كان نتيجتها التلاعب بعقول ملايين البشر

 

يقول خبير ومؤسس التخطيط الاستراتيجي الصيني "سان تزو" صاحب كتاب فن الحرب : ليس على المرء ان يدمر عدوه بل عليه ان يدمر قدرة عدوه على القتال. وهنا مربط الفرس حيث يمكن الخطر كل الخطر بهذه الجملة.

 

فمعنى تدمير قدرة العدو على القتال تجعل من المقابل إنسان عاجز ،مغلوب على أمره، خاضع، خانع، متردد، جبان، لسبب بسيط وهو غياب او حجب الرؤية والهدف عنه وكل مايشعر به أو يعيشه هو وهم وليس الواقع كما هو وكل ذلك هو نتاج الإعلام اذا انسلخ عن الضمير.

 

وهنا نفهم جيدا قول جوبلز وزير دعاية النازي هتلر : أعطني إعلام بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي،

 

يقول الجنرال في الجيش الألماني إبان الحرب العالمية الأولى "ليك بون ليدليوف" ان دعاية العدو (الحلفاء) تمكنت من تنويمنا كما تفعل الأفعى بالأرنب.

 

خطورة الإعلام تمكن في وسائله اللطيفة والساخرة أحيانا لكن مستقبلا تجد نفسك أسيراً لأجندات معينة حتى تصبح مدمن عليها كمن يدمن السجائر!

 

بداية الدعاية والحرب النفسية التلاعب بالحقيقة من خلال التضليل والخداع والكذب ليتحول هذا اللعب بالهيمنة على أفكار وعقول البشر ويذكر "هتلر" في كتابه الشهير "كفاحي" تعلم جنودنا ان يفكر كما يريد العدو!

 

في مقال للكاتب "كريستينا مورهيد" بعنوان كيف حاربت بريطانيا هتلر بالفكاهة والسخرية؟ المنشور على موقع بي بي سي يذكر الكاتب كيف استخدمت بريطانيا أسلوب السخرية للنيل من هتلر وتأليب جيشه والمواطنين الألمان عليه من خلال البرامج الساخرة!

 

ففي إحدى ليالي عام 1940، كان النمساوي روبرت لوكاس منهمكا في الكتابة على مكتبه من منفاه في العاصمة البريطانية لندن، بينما كانت القنابل تنهمر على المدينة كما هو الحال كل مساء. فبعد الانتصارات التي حققها جيش هتلر في أوروبا، بدا أن غزو انجلترا أمرا وشيكا.

 

ولم يعبأ لوكاس بصفارات الإنذار التي تدوي من حوله، ولا بضجيج المعدات الحربية، بل كان يركز بالكامل على تأدية مهمته التي كان يصفها بأنها "نضال من أجل تحرير عقول الألمان". إذ كان يعد برنامجا إذاعيا يبث لمواطني ألمانيا النازية. لكن هذا البرنامج لم يكن نداء إنسانيا ليعودوا إلى رشدهم، بل كان محاولة لإضحاكهم.

 

وقد أثبت أسلوب التندر وإطلاق النكات في بريطانيا آنذاك نجاحا في الحفاظ على الحالة المعنوية للمواطنين، إذ اشتهر أثناء الحرب برنامج فكاهي على إذاعة بي بي سي الإنجليزية، بعنوان "إنه نفس الرجل مجددا".

 

كان برنامج لوكاس يدور حول شخصية "العريف الألماني أدولف هيرنشال" الخيالية الذي يكتب خطابات على خط الجبهة لزوجته، وكان يقرأها لرفقائه المحاربين قبل إرسالها بالبريد.

 

هذه وغيرها من الشواهد خير دليل على تلاعب الإعلام بشتى أساليبه بالعقول وتضييع الحقائق لذا تتنافس الدول الكبرى فيما بينها لتطوير وسائل الإعلام وترصد له موازنات كبيرة لانه يختصر الطريق لأجنداتها السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى الأمنية وهذه كارثة كبيرة تحتاج ان نتعامل معها بوعي وحرفية عالية والا كلنا سنكون ضحيا هذه الحروب من حيث نشعر أو لانشعر.

 

والله المستعان





سجاد الحسيني

٢٣ آيار ٢٠٢١

 

إرسال تعليق

0 تعليقات