قحطان المعمورى
(في الرسالة المذهبة المعروفة بالذهبية)
وجدت بخط الشيخ الأجل الأفضل، العلامة الكامل في فنون العلوم
والأدب، مروج الملة [والدين] والمذهب، نور الدين علي بن عبد العالي الكركي - جزاه
الله سبحانه عن الإيمان و [عن] أهله الجزاء السني - ما هذا لفظه:
الرسالة الذهبية في الطب، التي بعث بها الإمام علي بن موسى الرضا
عليه السلام إلى المأمون العباسي في حفظ صحة المزاج وتدبيره بالأغذية والأشربة
والأدوية.
قال إمام الأنام، غرة وجه الإسلام مظهر الغموض بالرؤية اللامعة،
كاشف الرموز في الجفر والجامعة، أقضى من قضى بعد جده المصطفى، وأغزى من غزا بعد
أبيه علي المرتضى، إمام الجن والإنس أبي الحسن علي بن موسى الرضا، صلوات الله عليه
وعلى آبائه النجباء [النقباء] الكرام الأتقياء: اعلم يا أمير المؤمنين - إلى آخر
ما سيأتي من الرسالة -.
ووجدت في تأليف بعض الأفاضل بهذين السندين: قال موسى بن علي بن جابر
السلامي، أخبرني الشيخ الأجل العالم الأوحد سديد الدين يحيى بن محمد بن علبان
الخازن - أدام الله توفيقه - قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد بن جمهور.
وقال: هارون بن موسى التلعكبري - رضي الله عنه - حدثنا محمد بن
هشام بن سهل - رحمه الله -. قال: حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور، قال: حدثني أبي
وكان عالما بأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام خاصة به، ملازما لخدمته،
وكان معه حين حمل من المدينة إلى أن سار إلى خراسان واستشهد عليه الصلاة والسلام
بطوس، وهو ابن تسع وأربعين سنة.
قال: وكان المأمون بنيسابور، وفي مجلسه سيدي أبو الحسن الرضا عليه
السلام وجماعة من المتطببين والفلاسفة، مثل يوحنا بن ماسويه، وجبرئيل بن بختيشوع،
وصالح بن سلهمة (1) الهندي، وغيرهم من منتحلي العلوم وذوي البحث والنظر، فجرى ذكر
الطب وما فيه صلاح الأجسام وقوامها، فأغرق المأمون ومن بحضرته في الكلام وتغلغلوا
في علم ذلك، وكيف ركب الله تعالى هذا الجسد وجميع ما فيه من هذه الأشياء المتضادة
من الطبائع الأربع، ومضار الأغذية ومنافعها، وما يلحق الأجسام من مضارها من العلل.
قال: وأبو الحسن عليه السلام ساكت لا يتكلم في شئ من ذلك. فقال له
المأمون:
ما تقول يا أبا الحسن في هذا الأمر الذي نحن فيه هذا اليوم، والذي
لابد منه من معرفة هذه الأشياء والأغذية، النافع منها والضار.
وتدبير الجسد؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: عندي من ذلك ما جربته وعرفت صحته
بالاختبار ومرور الأيام، مع ما وقفني عليه من مضى من السلف، مما لا يسع الإنسان
جهله، ولا يعذر في تركه، فأنا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج إلى معرفته.
قال: وعاجل المأمون الخروج إلى بلخ، وتخلف عنه أبو الحسن عليه
السلام، وكتب المأمون إليه كتابا يتنجزه ما كان ذكره مما يحتاج إلى معرفته من جهته
على ما سمعه منه.
وجربه من الأطعمة والأشربة وأخذ الأدوية والفصد والحجامة والسواك
والحمام والنورة والتدبير في ذلك.
فكتب الرضا عليه السلام إليه كتابا نسخته: " بسم الله الرحمن
الرحيم. اعتصمت بالله.
أما بعد، فإنه وصل إلي كتاب أمير المؤمنين فيما أمرني من توقيفه
على ما يحتاج إليه مما جربته و [ما] سمعته في الأطعمة والأشربة وأخذ الأدوية
والفصد والحجامة والحمام والنورة والباه وغير ذلك مما يدبر استقامة أمر الجسد، وقد
فسر ت له ما يحتاج إليه، وشرحت له ما يعمل عليه، من تدبير مطعمه ومشربه وأخذه
الدواء وفصده وحجامته وباهه وغير ذلك مما يحتاج إليه من سياسة جسمه، وبالله
التوفيق.
اعلم أن الله عز وجل لم يبتل الجسد بداء حتى جعل له دواء " -
إلى آخر ما سيأتي -.
أقول: وذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي - قدس الله روحه القدوسي - في
الفهرست في ترجمة محمد بن الحسن بن جمهور العمي البصري: له كتب، منها كتاب
الملاحم، و كتاب الواحدة، وكتاب صاحب الزمان عليه السلام وله الرسالة المذهبة عن
الرضا عليه السلام أخبرنا برواياته كلها إلا ما كان فيها من غلو أو تخليط جماعة،
عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسين بن
سعيد، عن محمد بن جمهور.
ورواها محمد بن علي بن الحسين، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن
الحسن بن متيل (1)، عن محمد بن أحمد العلوي، عن العمركي بن علي، عن محمد بن جمهور.
وذكر النجاشي أيضا طريقة إليه هكذا: أخبرنا محمد بن علي الكاتب، عن
محمد ابن عبد الله، عن علي بن الحسن الهذلي المسعودي قال: لقيت الحسن بن محمد بن
جمهور، فقال لي: حدثني أبي محمد بن جمهور وهو ابن مائة وعشر سنين.
وأخبرنا ابن شاذان عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن سعد، عن أحمد بن
الحسين بن سعيد عن محمد بن جمهور بجميع كتبه.
وقال محمد بن شهرآشوب - قدس سره - في كتاب معالم العلماء في ترجمة
محمد بن الحسن: له الرسالة المذهبة عن الرضا عليه السلام في الطب - انتهى -.
وذكر الشيخ منتجب الدين في الفهرست أن السيد فضل الله بن علي الراوندي
كتب عليها شرحا سماه ترجمة العلوي للطب الرضوي.
فظهر أن الرسالة كانت من المشهورات بين علمائنا، ولهم إليه طرق
وأسانيد لكن كان في نسختها التي وصلت إلينا اختلاف فاحش أشرنا إلى بعضها، ولنشرع
في ذكر الرسالة ثم في شرحها على الإجمال.
" اعلم يا أمير المؤمنين أن الله تعالى لم يبتل العبد المؤمن
ببلاء حتى جعل له دواء يعالج به، ولكل صنف من الداء صنف من الدواء وتدبير ونعت،
وذلك أن الأجسام الإنسانية جعلت على مثال الملك، فملك الجسد هو القلب (1)، والعمال
العروق و الأوصال والدماغ، وبيت الملك قلبه وأرضه الجسد، والأعوان يداه ورجلاه و
شفتاه وعيناه ولسانه وأذناه، وخزانته معدته وبطنه، وحجابه صدره.
فاليدان عونان يقربان ويبعدان ويعملان على ما يوحي إليهما الملك.
والرجلان تنقلان الملك حيث يشاء.
والعينان تدلانه على ما يغيب عنه، لان الملك من وراء الحجاب لا
يوصل إليه شئ إلا بهما، (2) وهما سراجان أيضا، وحصن الجسد وحرزه الاذنان لا يدخلان
على الملك إلا ما يوافقه، لأنهما لا يقدران أن يدخلا شيئا حتى يوحي الملك إليهما
فإذا أوحى الملك إليهما أطرق الملك منصتا لهما حتى يسمع منهما، ثم يجيب بما يريد
فيترجم عنه اللسان بأدوات كثيرة، منها ريح الفؤاد، وبخار المعدة، ومعونة الشفتين.
وليس للشفتين قوة إلا باللسان (1)، وليس يستغني بعضها عن بعض.
والكلام لا يحسن إلا بترجيعه في الأنف، لان الأنف يزين الكلام كما يزين النافخ (2)
في المزمار وكذلك المنخران، وهما ثقبتا (3) الأنف، يدخلان على الملك مما يحب من
الرياح الطيبة، فإذا جاءت ريح تسوء على الملك أوحى إلى اليدين فحجبا بين الملك
وتلك الريح.
وللملك مع هذا ثواب وعقاب، فعذابه أشد من عذاب الملوك الظاهرة
القاهرة في الدنيا، وثوابه أفضل من ثوابهم! فأما عذابه فالحزن، وأما ثوابه فالفرح،
وأصل الحزن في الطحال، وأصل الفرح في الثرب والكليتين، ومنهما عرقان موصلان إلى
الوجه، فمن هناك يظهر الفرح والحزن، فترى علامتهما في الوجه. وهذه العروق كلها طرق
من العمال إلى الملك ومن الملك إلى العمال، ومصداق ذلك أنك (4) إذا تناولت الدواء
أدته العروق إلى موضع الداء بإعانتها.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الجسد بمنزلة الأرض الطيبة، متى تعهدت
بالعمارة والسقي من حيث لا يزداد في الماء فتغرق. ولا ينقص منه فتعطش، دامت
عمارتها. و كثر ريعها، وزكى زرعها، وإن تغوفل عنها فسدت، ولم ينبت فيها العشب،
فالجسد بهذه المنزلة.
وبالتدبير في الأغذية والأشربة يصلح ويصح، وتزكو العافية [فيه]
فانظر يا أمير المؤمنين ما يوافقك، ويوافق معدنك، ويقوى عليه بدنك، ويستمرئه من
الطعام فقدره لنفسك واجعله غذاءك.
واعلم يا أمير المؤمنين أن كل واحدة من هذه الطبائع تحت ما
يشاكلها، فاغتذ ما يشاكل جسدك، ومن أخذ من الطعام زيادة لم (1) يغذه ومن أخذه بقدر
لا زيادة عليه ولا نقص في غذائه نفعه. وكذلك الماء فسبيله أن تأخذ من الطعام
كفايتك في أيامه (2) وارفع يديك منه ويك إليه بعض القرم (3)، وعندك إليه ميل، فإنه
أصلح لمعدتك ولبدنك، وأزكى لعقلك (4) وأخف لجسمك (5).
يا أمير المؤمنين، كل البارد في الصيف، والحار في الشتاء، والمعتدل
في الفصلين على قدر قوتك وشهوتك. وابدأ في أول الطعام بأخف الأغذية التي يغتذي بها
بدنك بقدر عادتك وبحسب طاقتك ونشاطك. وزمانك الذي يجب أن يكون أكلك في كل يوم
عندما يمضي من النهار ثمان ساعات أكلة واحدة، أو ثلاث أكلات في يومين تتغذى باكرا
في أول يوم، ثم تتعشى، فإذا كان في اليوم الثاني، فعند مضي ثمان ساعات من النهار
أكلت أكلة واحدة ولم تحتج إلى العشاء. وكذا أمر جدي محمد صلى الله عليه وآله عليا
عليه السلام في كل يوم وجبة، (6) وفي غده وجبتين. وليكن ذلك بقدر لا يزيد ولا ينقص.
وارفع يديك من الطعام وأنت تشتهيه، وليكن شرابك على أثر طعامك من
الشراب الصافي العتيق مما يحل شربه، والذي أنا واصفه فيما بعد.
ونذكر الآن ما ينبغي ذكره من تدبير فصول السنة وشهورها الرومية
الواقعة فيها في كل فصل على حدة، وما يستعمل من الأطعمة والأشربة وما يجتنب منه،
وكيفية حفظ الصحة من أقاويل القدماء ونعود إلى قول الأئمة عليهم السلام في صفة
شراب يحل شربه ويستعمل بعد الطعام.
{ذكر فصول السنة} أما فصل الربيع فإنه روح الأزمان (1)
وأوله " آذار " وعدد (2) أيامه ثلاثون يوما، وفيه يطيب الليل والنهار،
وتلين الأرض. ويذهب سلطان البلغم، ويهيج الدم، ويستعمل فيه من الغذاء اللطيف
واللحوم والبيض النيمبرشت، ويشرب الشراب بعد تعديله بالماء، ويتقى فيه أكل البصل
والثوم والحامض، ويحمد فيه شرب المسهل ويستعمل فيه الفصد والحجامة.
نيسان ثلاثون يوما، فيه يطول النهار ويقوى مزاج الفصل، ويتحرك الدم وتهب
فيه الرياح الشرقية، ويستعمل فيه من المآكل المشوية، وما يعمل بالخل ولحوم الصيد
ويعالج (3) الجماع والتمريخ (4) بالدهن في الحمام، ولا يشرب الماء على الريق، ويشم
الرياحين والطيب.
آيار أحد وثلاثون يوما، [و] تصفو فيه الرياح، وهو آخر فصل الربيع، و قد
نهي فيه عن أكل الملوحات واللحوم الغليظة كالرؤوس ولحم (5) البقر واللبن، و ينفع
فيه دخول الحمام أول النهار ويكره فيه الرياضة قبل الغذاء.
حزيران ثلاثون يوما، يذهب فيه سلطان البلغم والدم، ويقبل زمان المرة
الصفراوية (6) ونهي فيه عن التعب وأكل اللحم داسما (7) والإكثار منه، وشم المسك والعنبر،
وينفع فيه أكل البقول الباردة كالهندباء وبقلة الحمقاء، وأكل الخضر كالخيار
والقثاء، والشيرخشت، والفاكهة الرطبة، واستعمال المحمضات، ومن اللحوم لحم المعز
الثني والجذع (1)، ومن الطيور الدجاج والطيهوج والدراج والألبان والسمك الطري.
تموز أحد وثلاثون يوما، فيه شدة الحرارة وتغور المياه، ويستعمل فيه شرب
الماء البارد على الريق، ويؤكل فيه الأشياء الباردة الرطبة (2) ويكسر فيه مزاج
الشراب، وتؤكل فيه الأغذية اللطيفة السريعة الهضم، كما ذكر في حزيران ويستعمل فيه
من النور؟ والرياحين الباردة الرطبة الطيبة الرائحة.
آب أحد وثلاثون يوما فيه تشتد السموم، ويهيج الزكام بالليل، وتهب
الشمال، ويصلح المزاج بالتبريد والترطيب، وينفع فيه شرب اللبن الرائب، (3) و يجتنب
فيه الجماع والمسهل، ويقل من الرياضة، ويشم من الرياحين الباردة.
أيلول ثلاثون يوما، فيه يطيب الهواء، ويقوى سلطان المرة السوداء، ويصلح
شرب المسهل، وينفع فيه أكل الحلاوات وأصناف اللحوم المعتدلة كالجداء والحولي (4)
من الضأن، ويجتنب فيه لحم البقر، والاكثار من الشواء، ودخول الحمام، و يستعمل فيه
الطيب المعتدل المزاج ويجتنب فيه أكل البطيخ والقثاء.
تشرين الأول أحد وثلاثون يوما، فيه تهب الرياح المختلفة، ويتنفس فيه ريح
الصبا، ويجتنب فيه الفصد وشرب الدواء، ويحمد فيه الجماع، وينفع فيه أكل اللحم
السمين والرمان المز والفاكهة بعد الطعام، ويستعمل فيه أكل اللحوم بالتوابل، (1)
ويقلل فيه من شرب الماء، ويحمد فيه الرياضة.
تشرين الأخر (2) ثلاثون يوما، فيه يقطع المطر الوسمي، (3) وينهى فيه عن شرب
الماء بالليل، ويقلل فيه من دخول الحمام والجماع، ويشرب بكرة كل يوم جرعة ماء حار،
ويجتنب أكل البقول كالكرفس والنعناع والجرجير.
كانون الأول أحد وثلاثون يوما، يقوى فيه العواصف، وتشتد (4) فيه البرد وينفع
فيه كل ما ذكرناه في تشرين الآخر، ويحذر فيه من أكل الطعام البارد، ويتقى فيه
الحجامة والفصد، ويستعمل فيه الأغذية الحارة بالقوة والفعل.
كانون الآخر أحد وثلاثون يوما، يقوى فيه غلبة البلغم وينبغي أن يتجرع فيه
الماء الحار على الريق، ويحمد فيه الجماع، وينفع الأحشاء (5) فيه مثل البقول
الحارة كالكرفس والجرجير والكراث، وينفع فيه دخول الحمام أول النهار، و التمريخ
بدهن الخيري وما ناسبه، ويحذر فيه الحلو وأكل السمك الطري واللبن.
شباط ثمانية وعشرون يوما، تختلف فيه الرياح، وتكثر الأمطار، ويظهر فيه
العشب، ويجري فيه الماء في العود، وينفع فيه أكل الثوم ولحم الطير والصيود
والفاكهة اليابسة، ويقلل من أكل الحلاوة، ويحمد فيه كثرة الجماع والحركة و الرياضة.
صفة الشراب الذي يحل شربه واستعماله بعد الطعام، وقد تقدم ذكر نفعه
في ابتدائنا بالقول على فصول السنة ما يعتمد فيها من حفظ الصحة.
وصفته أن يؤخذ من الزبيب المنقى عشرة أرطال، فيغسل وينقع في ماء
صاف في غمرة وزيادة عليه أربع أصابع، (1) ويترك في إنائه ذلك ثلاثة أيام في الشتاء
وفي الصيف يوما وليلة. ثم يجعل في قدر نظيفة، وليكن الماء ماء السماء، إن قدر عليه
وإلا فمن الماء العذب الذي ينبوعه من ناحية المشرق ماء براقا أبيض خفيفا، وهو
القابل لما يعترضه على سرعة من السخونة والبرودة، وتلك دلالة على صفة (2) الماء
ويطبخ حتى ينشف (3) الزبيب وينضج، ثم يعصر ويصفى ماؤه ويبرد، ثم يرد إلى القدر
ثانيا ويؤخذ مقداره بعود ويغلى بنار لينة غليانا لينا رقيقا حتى يمضي ثلثاه ويبقى
ثلثه.
ثم يؤخذ من عسل النحل المصفى رطل، فيلقى عليه ويؤخذ مقداره ومقدار
الماء إلى أين كان من القدر، ويغلى حتى يذهب قدر العسل ويعود إلى حده ويؤخذ خرقة
صفيقة فيجعل فيها زنجبيل وزن درهم، ومن القرنفل نصف درهم، ومن الدارچيني نصف درهم،
ومن الزعفران درهم، ومن سنبل الطيب نصف درهم، ومن الهندباء مثله، ومن مصطكي نصف
درهم، بعد أن يسحق الجميع كل واحدة على حدة، وينخل ويجعل في الخرقة، (4) ويشد بخيط
شدا جيدا، وتلقى فيه وتمرس الخرقة في الشراب بحيث تنزل قوى العقاقير التي فيها،
ولا يزال يعاهد بالتحريك على نار لينة برفق حتى يذهب عنه مقدار العسل، ويرفع القدر
ويبرد ويؤخذ مدة ثلاثة أشهر حتى يتداخل مزاجه بعضه ببعض وحينئذ يستعمل.
ومقدار ما يشرب منه أوقية إلى أوقيتين من الماء القراح.
فإذا أكلت يا أمير المؤمنين مقدار ما وصفت لك من الطعام فاشرب من
هذا الشراب مقدار ثلاثة أقداح بعد طعامك، فإذا فعلت ذلك فقد أمنت بإذن الله تعالى
يومك وليلتك من الأوجاع الباردة المزمنة كالنقرس، والرياح، وغير ذلك من أوجاع
العصب والدماغ والمعدة وبعض أوجاع الكبد والطحال والأمعاء (1) والأحشاء.
فإن صدقت بعد ذلك شهوة الماء فليشرب منه مقدار النصف مما كان يشرب
قبله فإنه أصلح لبدن أمير المؤمنين، وأكثر لجماعه، وأشد لضبطه وحفظه، فإن صلاح
البدن وقوامه يكون بالطعام والشراب، وفساده يكون بهما، فإن أصلحتهما (2) صلح
البدن، وإن أفسدتهما فسد البدن.
واعلم يا أمير المؤمنين أن قوة النفوس تابعة لأمزجة الأبدان، وأن
الأمزجة تابعة للهواء، وتتغير بحسب تغير الهواء في الأمكنة. فإذا برد الهواء مرة
وسخن أخرى تغيرت بسببه أمزجة الأبدان، وأثر ذلك التغير في الصور، فإذا كان الهواء
معتدلا اعتدلت أمزجة الأبدان، وصلحت تصرفات الأمزجة في الحركات الطبيعية كالهضم
والجماع والنوم والحركة وسائر الحركات.
لان الله تعالى بنى الأجسام على أربع طبائع، وهي: المرتان والدم
والبلغم وبالجملة حاران وباردان، قد خولف بينهما فجعل الحارين لينا ويابسا، وكذلك
الباردين رطبا ويابسا، ثم فرق ذلك على أربعة أجزاء من الجسد، [و] على الرأس والصدر
والشراسيف وأسفل البطن.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الرأس والأذنين والعينين والمنخرين
والفم والأنف من الدم، وأن الصدر من البلغم والريح، والشراسيف من المرة الصفراء،
وأن أسفل البطن من المرة السوداء.
واعلم يا أمير المؤمنين أن النوم سلطان الدماغ، وهو قوام الجسد
وقوته فإذا أردت النوم فليكن اضطجاعك أولا على شقك الأيمن، ثم انقلب على الأيسر
وكذلك فقم من مضجعك على شقك الأيمن كما بدأت به عند نومك.
وعود نفسك القعود من الليل ساعتين [مثل ما تنام. فإذا بقي من الليل
ساعتان فادخل] وادخل الخلاء لحاجة الإنسان، والبث فيه بقد ما تقضي
حاجتك ولا تطل فيه، فإن ذلك يورث داء الفيل.
وأعلم يا أمير المؤمنين أن أجود ما استكت به ليف الأراك، فإنه يجلو
الأسنان ويطيب النكهة، ويشد اللثة ويسننها (1)، وهو نافع من الحفر إذا كان باعتدال
والإكثار منه يرق الأسنان ويزعزعها، ويضعف أصولها، فمن أراد حفظ الأسنان فليأخذ
قرن الأيل محرقا وكزمازجا وسعدا ووردا وسنبل الطيب وحب الأثل أجزاء سواء وملحا
أندرانيا ربع جزء فيدق الجميع ناعما ويستن به فإنه يمسك الأسنان، ويحفظ أصولها من
الآفات العارضة.
ومن أراد أن يبيض أسنانه فليأخذ جزء من ملح أندراني ومثله زبد
البحر فيسحقهما ناعما ويستن به (2).
واعلم يا أمير المؤمنين أن أحوال الإنسان التي بناه الله تعالى
عليها وجعله متصرفا بها فإنها أربعة أحوال: الحالة الأولى لخمس عشرة سنة (3)،
وفيها شبابه و حسنه وبهاؤه، وسلطان الدم في جسمه.
ثم الحالة الثانية من خمسة وعشرين سنة إلى خمس وثلاثين سنة، وفيها
سلطان المرة الصفراء، وقوة غلبتها على الشخص، وهي أقوى ما يكون، ولا يزال كذلك حتى
يستوفي المدة المذكورة، وهي خمس وثلاثون سنة.
ثم يدخل في الحالة الثالثة إلى أن تتكامل مدة العمر (4) ستين سنة،
فيكون في سلطان المرة السوداء، وهي سن الحكمة والموعظة والمعرفة والدراية، وانتظام
الأمور، وصحة النظر في العواقب، وصدق الرأي، وثبات الجأش في التصرفات.
ثم يدخل في الحالة الرابعة، وهي سلطان البلغم، وهي الحالة التي لا
يتحول عنها ما بقي إلا إلى الهرم، ونكد عيش، وذبول، ونقص في القوة، وفساد في كونه
(1) ونكتته أن كل شئ كان لا يعرفه حتى ينام عند القوة، ويسهر عند النوم، ولا يتذكر
ما تقدم، وينسى ما يحدث في الأوقات ويذبل عوده، ويتغير معهوده، و يجف ماء رونقه
وبهائه، ويقل نبت شعره وأظفاره، ولا يزال جسمه في انعكاس و إدبار ما عاش، لأنه في
سلطان المرة البلغم، وهو بارد وجامد، فبجموده وبرده يكون فناء كل جسم يستولي عليه
في آخر القوة البلغمية.
وقد ذكرت لأمير المؤمنين جميع ما يحتاج إليه في سياسة المزاج
وأحوال جسمه وعلاجه.
وأنا أذكر ما يحتاج إلى تناوله من الأغذية والأدوية، وما يجب أن
يفعله في أوقاته. فإذا أردت الحجامة فليكن في اثني عشرة ليلة من الهلال إلى خمس
عشرة، فإنه أصح لبدنك، فإذا انقضى الشهر فلا تحتجم أن تكون مضطرا إلى ذلك. و هو
لان الدم ينقص في نقصان الهلال. ويزيد في زيادته.
ولتكن الحجامة بقدر ما يمضي من السنين: ابن (2) عشرين سنة يحتجم في
كل عشرين يوما (3)، وابن الثلاثين في كل ثلاثين يوما مرة واحدة، وكذلك من بلغ من
العمر أربعين سنة يحتجم في كل أربعين يوما [مرة] وما زاد فبحسب ذلك.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الحجامة إنما تأخذ دمها من صغار العروق
المبثوثة في اللحم، ومصداق ذلك ما أذكره أنها لا تضعف القوة كما يوجد من الضعف عند
الفصد.
وحجامة النقرة تنفع من ثقل الرأس، وحجامة الأخدعين تخفف عن الرأس
والوجه والعينين، وهي نافعة لوجع الأضراس.
وربما ناب الفصد عن جميع ذلك، وقد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلاع في
الفم.
ومن فساد اللثة وغير ذلك من أوجاع الفم، وكذلك الحجامة بين الكتفين
تنفع من الخفقان الذي يكون من الامتلاء والحرارة، والذي يوضع على الساقين قد ينقص
من الامتلاء نقصا بينا، وينفع من الأوجاع المزمنة في الكلى والمثانة والأرحام، و
يدر الطمث، غير أنها تنهك الجسد.
وقد يعرض منها الغشي (1) الشديد، إلا أنها تنفع ذوي البثور
والدماميل.
والذي يخفف من ألم الحجامة تخفيف المص عند أول ما يضع المحاجم ثم
يدرج المص قليلا قليلا، والثواني أزيد في المص من الأوائل، وكذلك الثوالث فصاعدا،
ويتوقف عن الشرط حتى يحمر الموضع جيدا بتكرير المحاجم عليه، ويلين المشراط على
جلود لينة، ويمسح الموضع قبل شرطه بالدهن.
وكذلك الفصد يمسح الموضع الذي يفصد فيه بالدهن، فإنه يقلل الألم، و
كذلك يلين المشرط والمبضع بالدهن عند الحجامة، وعند الفراغ منها يلين الموضع
بالدهن. وليقطر (2) على العروق إذا فصد شيئا من الدهن، لئلا يحتجب فيضر ذلك
بالمفصود.
وليعمد الفاصد أن يفصد من العروق ما كان في المواضع القليلة اللحم،
لان في قلة اللحم من العروق قلة الألم.
وأكثر العروق ألما إذا فصد حبل الذراع والقيفال، لاتصالهما بالعضل
وصلابة الجلد، فأما الباسليق والأكحل فإنهما في الفصد أقل ألما إذا لم يكن فوقهما
لحم.
والواجب تكميد موضع الفصد بالماء الحار ليظهر الدم، وخاصة في
الشتاء فإنه يلين الجلد، ويقلل الألم، ويسهل الفصد. ويجب في كل ما ذكرناه من اخراج
الدم اجتناب النساء قبل ذلك باثني عشر (3) ساعة.
ويحتجم في يوم صاح صاف لا غيم فيه ولا ريح شديدة ويخرج من الدم بقدر
ما ترى (1) من تغيره، ولا تدخل يومك ذلك الحمام، فإنه يورث الداء. وصب (2) على
رأسك وجسدك الماء الحار، ولا تفعل ذلك من ساعتك.
وإياك والحمام إذا احتجمت، فإن الحمى الدائمة يكون فيه، (3) فإذا
اغتسلت من الحجامة فخذ خرقة مرغرى (4) فألقها على محاجمك، أو ثوبا لينا من قز أو
غيره، وخذ قدر حمصة من الترياق الأكبر واشربه (5) إن كان شتاء وإن كان صيفا فاشرب
السكنجبين العنصلي، وامزجه بالشراب المفرح المعتدل، وتناوله أو بشراب الفاكهة.
وإن تعذر ذلك فشراب الأترج فإن لم تجد شيئا من ذلك فتناوله بعد
عركه ناعما تحت الأسنان، واشرب عليه جرع ماء فاتر.
وإن كان في زمان الشتاء والبرد فاشرب عليه السكنجبين [العنصلي]
العسلي فإنك متى فعلت ذلك أمنت من اللقوة والبرص والبهق والجذام بإذن الله تعالى
وامتص من الرمان المز، فإنه يقوي النفس، ويحيي (6) الدم، ولا تأكل طعاما مالحا بعد
ذلك بثلاث ساعات، فإنه يخاف أن يعرض من ذلك الجرب.
وإن كان (7) شتاء فكل من الطباهيج إذا احتجمت، واشرب عليه من
الشراب المذكى الذي ذكرته أولا، وادهن بدهن الخيري أو شئ من المسك وماء ورد، (😎 وصب منه على هامتك ساعة فراغك من الحجامة.
وأما في الصيف فإذا احتجمت فكل السكباج والهلام والمصوص أيضا
والحامض وصب على هامتك دهن البنفسج بماء الورد شئ (1) من الكافور، واشرب من ذلك
الشراب الذي وصفته لك بعد طعامك، وإياك وكثرة الحركة والغضب ومجامعة النساء ليومك.
واحذر يا أمير المؤمنين أن تجمع بين البيض والسمك في المعدة في وقت
واحد فإنهما متى اجتمعا في جوف الانسان ولد على النقرس والقولنج والبواسير ووجع
الأضراس.
واللبن والنبيذ الذي يشربه أهله إذا اجتمعا ولد النقرس والبرص، و
مداومة أكل البيض يعرض منه الكلف في الوجه، وأكل المملوحة واللحمان المملوحة وأكل
السمك المملوح بعد الفصد والحجامة يعرض (2) منه البهق والجرب، وأكل كلية الغنم
وأجواف الغنم يغير (3) المثانة.
ودخول الحمام على البطنة يولد القولنج، والاغتسال بالماء البارد
بعد أكل السمك يورث الفالج، وأكل الأترج بالليل يقلب العين ويوجب الحول. وإتيان
المرأة الحائض يورث الجذام في الولد، والجماع من غير إهراق الماء على أثره يوجب
الحصاة.
والجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث للولد الجنون.
وكثرة أكل البيض وإدمانه يولد الطحال ورياحا في رأس المعدة. والامتلاء من البيض
المسلوق يورث الربو (4) والانبهار، وأكل اللحم الني (5) يولد الدود في البطن.
وأكل التين يقمل منه الجسد إذا أدمن عليه، وشرب الماء البارد عقيب
الشئ الحار أو (1) الحلاوة يذهب بالأسنان، والاكثار من أكل لحوم الوحش والبقر يورث
تغير العقل، وتحير الفهم، وتبلد الذهن، وكثرة النسيان.
وإذا أردت دخول الحمام وأن لا تجد في رأسك ما يؤذيك فابدأ قبل
دخولك بخمس جرع من ماء (2) فاتر، فإنك تسلم - إنشاء الله تعالى - من وجع الرأس
والشقيقة. وقيل: خمس (3) مرات يصب الماء الحار عليه عند دخول الحمام.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الحمام ركب على تركيب الجسد: للحمام
أربعة بيوت مثل أربع طبائع (4) الجسد:
البيت الأول بارد يابس، والثاني بارد رطب، والثالث حار رطب،
والرابع حار يابس. ومنفعة (5) عظيمة، يؤدي إلى الاعتدال، وينقي الدرن، ويلين العصب
والعروق، ويقوي الأعضاء الكبار، ويذيب الفضول، ويذهب العفن.
فإذا أردت أن لا يظهر في بدنك بثرة ولا غيرها فابدء عند دخول
الحمام فدهن بدنك بدهن البنفسج.
وإذا أردت استعمال النورة ولا يصيبك قروح ولا شقاق ولا سواد فاغتسل
بالماء البارد قبل أن تتنور.
ومن أراد دخول الحمام للنورة فليجتنب الجماع قبل ذلك باثنتي عشرة
ساعة وهو تمام يوم، وليطرح في النورة شيئا من الصبر والاقاقيا والحضض (6)، أو يجمع
ذلك، ويأخذ منه اليسير إذا كان مجتمعا أو متفرقا، ولا يلقي في النورة شيئا من ذلك
حتى تماث النورة بالماء الحار الذي طبخ فيه بابونج ومرزنجوش أو ورد بنفسج يابس، أو
جميع ذلك، أجزاء يسيرة، مجموعة أو متفرقة، بقدر ما يشرب الماء رائحته وليكن
الزرنيخ مثل سدس النورة.
ويدلك الجسد بعد الخروج منها بشئ يقلع رائحتها كورق الخوخ وثجير
(1) العصفر والحناء والورد والسنبل مفردة أو مجتمعة.
ومن أراد أن يأمن إحراق النورة فليقلل من تقليبها، وليبادر إذا
عملت في غسلها، وأن يمسح البدن بشئ من دهن الورد. فإن أحرقت البدن - والعياذ بالله
- يؤخذ عدس مقشر، يسحق (2) ناعما، ويداف في ماء ورد وخل، يطلى (3) به الموضع الذي
أثرت فيه النورة، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى. والذي يمنع من آثار النورة في الجسد
هو أن يدلك الموضع بخل العنب العنصل الثقيف (4) ودهن الورد دلكا جيدا.
ومن أراد أن لا يشتكي مثانته فلا يحبس البول ولو على ظهر دابته (5).
ومن أراد أن لا يؤذيه معدته فلا يشرب بين طعامه ماء حتى يفرغ ومن
فعل ذلك رطب بدنه، وضعفت معدته، ولم يأخذ العروق قوة الطعام، فإنه يصير في المعدة
فجا (6) إذا صب الماء على الطعام أولا فأولا.
ومن أراد أن لا يجد الحصاة وعسر (1) البول فلا يحبس المني عند نزول
الشهوة، ولا يطل المكث على النساء.
ومن أراد أن يأمن من وجع السفل ولا يظهر به وجع (2) البواسير
فليأكل كل ليلة سبع تمرات برني (3) بسمن البقر، ويدهن بين أنثييه بدهن زنبق خالص.
ومن أراد أن يزيد في حفظه فليأكل سبع مثاقيل زبيبا بالغداة على
الريق.
ومن أراد أن يقل نسيانه ويكون حافظا فليأكل كل يوم ثلاث قطع زنجبيل
مربى بالعسل، ويصطبغ بالخردل مع طعامه في كل يوم.
ومن أراد أن يزيد في عقله يتناول كل يوم ثلاث هليلجات بسكر ابلوج
(4).
ومن أراد أن لا ينشق ظفره ولا يميل إلى الصفرة ولا يفسد حول ظفره
فلا يقلم أظفاره إلا يوم الخميس. ومن أراد أن لا يؤلمه أذنه فليجعل فيها عند النوم
قطنة.
ومن أراد ردع الزكام مدة أيام الشتاء فليأكل كل يوم ثلاث لقم من
الشهد.
واعلم يا أمير المؤمنين أن للعسل دلائل يعرف بها نفعه من ضره، وذلك
أن منه شيئا إذا أدركه الشم عطش، ومنه شئ يسكر (5)، وله عند الذوق حراقة شديدة
فهذه الأنواع من العسل قاتلة.
ولا يؤخر شم النرجس، فإنه يمنع الزكام في مدة أيام الشتاء، وكذلك
الحبة السوداء. وإذا خاف الانسان الزكام في زمان الصيف فليأكل كل يوم خيارة وليحذر
الجلوس في الشمس.
ومن خشي الشقيقة والشوصة فلا يؤخر أكل السمك الطري صيفا وشتاء. و
من أراد أن يكون صالحا خفيف الجسم [واللحم] فليقلل من عشائه بالليل. ومن أراد أن
لا يشتكي سرته فليدهنها متى دهن رأسه.
ومن أراد أن لا تنشق شفتاه ولا يخرج فيها باسور فليدهن حاجبه من
دهن رأسه.
ومن أراد أن لا تسقط أذناه ولهاته فلا يأكل حلوا حتى يتغرغر بعده
بخل.
ومن أراد أن لا يصيبه اليرقان فلا يدخل بيتا في الصيف أول ما يفتح
بابه، ولا يخرج منه أول ما يفتح بابه في الشتاء غدوة.
ومن أراد أن لا يصيبه ريح في بدنه فليأكل الثوم كل سبعة أيام مرة.
ومن أراد أن لا تفسد أسنانه فلا يأكل حلوا إلا بعد كسرة خبز.
ومن أراد أن يستمرئ طعامه فليستك بعد الأكل على شقه الأيمن ثم
ينقلب بعد ذلك على شقه الأيسر حتى ينام.
ومن أراد أن يذهب البلغم من بدنه وينقصه فليأكل كل يوم بكرة شيئا
من الجوارش الحريف، ويكثر دخول الحمام، ومضاجعة النساء، والجلوس في الشمس ويجتنب
كل بارد من الأغذية، فإنه يذهب البلغم ويحرقه.
ومن أراد أن يطفئ لهب الصفراء فليأكل كل يوم شيئا رطبا باردا،
ويروح بدنه، ويقل الحركة، ويكثر النظر إلى من يحب.
ومن أراد أن يحرق السوداء فعليه بكثرة القئ وفصد العروق ومداومة
النورة.
ومن أراد أن يذهب بالريح الباردة فعليه بالحقنة والادهان اللينة
على الجسد وعليه بالتكميد بالماء الحار في الابزن [ويجتنب كل بارد، ويلزم كل حار
لين].
ومن أراد أن يذهب عنه البلغم فليتناول بكرة كل يوم من الاطريفل
الصغير مثقالا واحدا.
واعلم يا أمير المؤمنين أن المسافر ينبغي له أن يتحرز بالحر إذا
سافر وهو ممتلئ من الطعام ولا خالي الجوف، وليكن على حد الاعتدال، وليتناول من
الأغذية الباردة مثل القريص (1) والهلام والخل والزيت والزيت وماء الحضرم ونحو ذلك
من الأطعمة الباردة.
واعلم يا أمير المؤمنين أن السير (1) في الحر الشديد ضار بالأبدان
المنهوكة إذا كانت خالية عن الطعام، وهو نافع في الأبدان الخصبة.
فأما صلاح المسافر ودفع الأذى عنه فهو أن لا يشرب من ماء كل منزل
يرده إلا بعد أن يمزجه بماء المنزل الذي (2) قبله [أو ب] شراب (3) واحد غير مختلف
يشوبه (4) بالمياه [على الأهواء] على اختلافها. والواجب أن يتزود المسافر من تربة
بلده (5) وطينته التي ربى عليها، وكلما ورد إلى منزل طرح في إنائه الذي يشرب منه
الماء شيئا من الطين الذي تزوده من بلده، ويشوب الماء والطين في الآنية بالتحريك،
و يؤخر قبل شربه حتى يصفو صفاء جيدا.
وخير الماء شربا لمن هو مقيم أو مسافر ما كان ينبوعه من الجهة
المشرقية من الخفيف الأبيض. وأفضل المياه ما كان مخرجها من مشرق الشمس الطيفي،
وأصحها وأفضلها ما كان بهذا الوصف الذي نبع منه وكان مجراه في جبال الطين، وذلك
أنها تكون في الشتاء باردة وفي الصيف ملينة للبطن نافعة لأصحاب الحرارات (6).
وأما الماء المالح والمياه الثقيلة فإنها (7) يبيس البطن. ومياه
الثلوج والجليد ردية لسائر الأجساد، وكثيرة الضرر جدا وأما مياه السحب فإنها خفيفة
عذبة صافية نافعة للأجسام إذا لم يطل خزنها وحبسها في الأرض وأما مياه الجب فإنها
عذبة صافية نافعة إن دام جريها ولم يدم حبسها في الأرض.
وأما البطائح والسباخ فإنها حارة غليظة في الصيف لركودها ودوام
طلوع الشمس عليها وقد يتولد من دوام شربها المرة الصفراوية وتعظم به أطحلتهم.
وقد وصفت لك يا أمير المؤمنين فيما تقدم من كتابي هذا ما فيه كفاية
لمن أخذ به. وأنا أذكر أمر الجماع (1) فلا تقرب النساء من أول الليل صيفا ولا شتاء
وذلك لان المعدة والعروق تكون ممتلئة وهو غير محمود ويتولد منه القولنج والفالج
واللقوة والنقرس والحصاة والتقطير والفتق وضعف البصر ورقته. فإذا أردت ذلك فليكن
في آخر الليل، فإنه أصلح للبدن، وأرجى للولد، وأزكى للعقل في الولد الذي يقضي الله
بينهما.
ولا تجامع امرأة حتى تلاعبها، وتكثر ملاعبتها، وتغمز ثدييها، فإنك
إذا فعلت ذلك غلبت شهوتها واجتمع ماؤها، لان ماءها يخرج من ثدييها، والشهوة تظهر
من وجهها وعينيها، واشتهت منك مثل الذي تشتهيه منها. ولا تجامع النساء إلا وهي
طاهرة.
فإذا فعلت ذلك فلا تقم قائما، ولا تجلس جالسا، ولكن تميل على يمينك.
ثم انهض للبول إذا فرغت من ساعتك شيئا، فإنك تأمن الحصاة بإذن الله
تعالى.
ثم اغتسل واشرب من ساعتك شيئا من الموميائي بشراب العسل، أو بالعسل
منزوع الرغوة، فإنه يرد من الماء مثل الذي خرج منك.
واعلم يا أمير المؤمنين أن جماعهن والقمر في برج الحمل أو الدلو من
البروج أفضل، وخير من ذلك أن يكون في برج الثور، لكونه شرف القمر. ومن عمل فيما
وصفت في كتابي هذا ودبر به جسده أمن بإذن الله تعالى من كل داء، وصح جسمه بحول
الله وقوته، فإن الله تعالى يعطي العافية لمن يشاء، ويمنحها إياه والحمد لله أولا
وآخرا وظاهرا وباطنا.
0 تعليقات