السفير/ فرغلى طه
-- من الواجب علىّ باعتباري كنت سفيرا لمصر هناك منذ عشر سنوات ،
وبناء على طلب الصديق العزيز د.محمد الشرقاوى ، وفى ظل ظروفنا الحالية ، أن أكتب إيجازا
أعلق به على زيارة الرئيس السيسى اليوم لجيبوتى ، وعلى علاقات مصر بها ، كما يلى :
** جيبوتى دولة صغيرة الحجم مساحتها واحد وعشرين كيلومتر مربع ،
ولكنها أكبر من البحرين وأكبر من قطر مثلا ، مواردها محدودة جدا بحكم الطبيعة إذ
أنها دولة تندر فيها المياه وبعكس معظم دول جوارها ودول أفريقيا ، فإنها لا تسقط
فيها الأمطار أبدا إلا أياما قليلة فى السنة ولا تشكل لها أى مورد ماء وتعتمد على
المياه الجوفية فقط .
** نتيجة ما سبق ، ليس بها زراعة ولا صناعة ، إلا العشب القليل
للرعى وتستورد كل شئ تقريبا، ولا تولد كهرباء إلا من محطتين صغيرتين إنتاجهما ضئيل
جداً ( هذا وقت ما كنت هناك وحتى عام ٢٠١١ ) .
** الأراضي الجيبوتية معظمها صخرية جبلية ولا تستخرج جيبوتى أى
معادن أو بترول، فقط لديها بحيرة طبيعية قديمة مياهها مالحة من المحيط الهندى،
وتنتج منها كميات ملح للتصدير والاستهلاك المحلى .. يسمونها " بحيرة العسل
" من الكلمة الفرنسية lac à sel أى بحيرة الملح .. باختصار هى أرض لا زرع فيها ولا ماء ..!
** لهذا تعيش جيبوتى على المساعدات والمنح الدولية ، وعلى إيراد
ميناء جيبوتى الذى كان صغيرا فقيرا محدود القدرات وتمت توسعته وإنشاء ميناء آخر
بجواره للحاويات ، بشراكة مع شركة جبل على الإماراتية مما ساهم فى زيادة حجم
التجارة التى تنقل من خلاله خاصة من إثيوبيا ( الدولة الحبيسة جغرافيا بلا ميناء )
، والصومال المجاورة ( وقت أن كانت فى حرب أهلية وموانيها لا تعمل ) .. !
** من موارد جيبوتى أيضا الهامة حاليا هو عوائد تأجير القواعد
العسكرية الدولية بها ، فهناك قواعد لدول مثل : فرنسا ( عمرها أكثر من مائة عام )
، وأمريكا وبها مقر القيادة المركزية القوات الأمريكية في أفريقيا ، المسماة
افريكوم ، وألمانيا ، واليابان ، والصين ، والسعودية .. ويتراوح إيجار القاعدة
السنوى ما بين مائة إلى مائتى مليون دولار .
** جيبوتى عدد سكانها يقل عن المليون نسمة مقسم بين عرقيات متآلفة
وهى : الصوماليون ، الاثيوبيون ، وهؤلاء ينقسمون إلى فئتين هما تلعفر والعيسى ،
ويتساركان فى تقسيم وتبادل الحكم منذ استقلال جيبوتى عن فرنسا عام ١٩٧٠ .. ثم يأتى
العرق اليمنى وهو حوالى ثلاثين أو عشرين بالمائة من السكان .. ومعظم سكانها مسلمون
حوالى تسعين بالمائة .
** تتحدث جيبوتى الفرنسية ( معظم السكان ) والعربية والعفرية
والصومالية والإثيوبية ، وللعجب تجد الطفل هناك فى صغره يتحدث كل هذه اللغات معا
عند الحاجة .. مناهج التعليم فرنسية وعربية قليلا ..
** لدى جيبوتى جيش صغير محدود العدد والعدة وليس لها أسطول بحري عسكري
أو تجارى ، وليس لها نزاعات مع جيرانها إلا مشكلة حدودية صغيرة نشأت مع إريتريا
وتم حلها ، حول منطقة مساحتها كيلومتر واحد نشبت بسببها عداءات مسلحة لمدة ثلاثة
أيام عام ٢٠٠٩ ، وتبادل البلدان ورئيساهما رشقات الاتهامات السياسية ثم تدخلت قطر
ومنظمة " ا لإيجاد " ، لحلها .
** ترتبط جيبوتى بعلاقات تاريخية وحالية جيدة وعلاقات نسب ومصاهرة
مع كل من : إثيوبيا ، الصومال ، وإريتريا .. ورئيس جيبوتى السيد / إسماعيل عمر
جيله ، أمه إثيوبية ، ويحكم منذ عام ١٩٧٧ وحتى اليوم ، ويتمتع حكمه بالاستقرار
بالنظر إلى حرصه على توزيع المناصب والثروة بين معظم فصائل الشعب خاصة فريقى العفر
والعيسى التقليديين المهيمنين هناك ..!
** الأهمية الدولية لجيبوتى تأتى رغم فقرها الاقتصادي وقلة مواردها
وصغرها الجغرافي ، من موقعها الجغرافي المطل مباشرة على مدخل باب المندب فى البحر
الأحمر وتقع فى مواجهة اليمن من الناحية الغربية ، فضلا عن جوارها لإثيوبيا
والصومال وإريتريا .
** لم تعد فرنسا رغم ارتباطها التاريخي الاستعماري والمعنوي والثقافي
والعلمي مع جيبوتى ، لها نفس النفوذ والأهمية بمفردها لدى جيبوتى رغم ارتباط معظم
الشعب الجيبوتى ونخبه وحكامه بها .. واستطاعت أمريكا والصين أن تسحب كثير من
البساط من تحت قدم فرنسا هناك ..!
*" لنا عودة للحديث عن علاقات مصر وجيبوتى وزيارة الرئيس
السيسى لها اليوم ، فى الجزء رقم ٢ لاحقا .
0 تعليقات