علي الأصولي
عندما تحاول تقديم نظرة مخالفة للرأي العام أو للقراءة الرسمية
الإسلامية فأكيد سوف تجد ردود مناهضة ومعارضة وهذه القراءة أو الرأي. ولكن في سبيل
ترهيب من لا خبروية له في زخم المصطلحات الفلسفية أو الكلامية أو الأصولية أو
العرفانية سوف يزج صاحب القراءة أو الرأي بهذه المصطلحات في أتون مقاله لضمان
ترهيب المتلقي وبالتالي سكوته.
إلا أن هذا الترهيب لا يدوم طويلا فيما لو اطلع عليه مختص خبير في
فنون الصناعات حتى تتهاوى مباني الخصم بعد تهاوي تقدير توظيف المصطلحات في غير
مجالاتها المقررة.
نعم: أن تسمع بأن العائلة العلوية أحرقت قاتل أمير المؤمنين(ع) بعد
إعطاء الضوء الأخضر لهم من الإمام(ع) قليل رحيله من الدنيا. أن تسمع ذلك مع تقديم
كتاب الشيخ المفيد - الإرشاد - وإن مسألة الإحراق مسألة لا ينبغي والشك فيها لقيام
الإجماع المركب على ذلك.
فيجب عليك أولا أن تذهب إلى صوب رأي الشيخ المفيد لاستيضاح الحقيقة
ومن ثم تعرج للوقوف ومعرفة معنى الإجماع المركب وهل يمكن توظيفه في المقام أم لا ،
لتعرف حقيقة مدعيات المدعي صوابها من خطلها.
وهذا ما سوف نقف عليه في هذا المقال ومعرفة فهم الخصم وموضوعيته
بعد الفراغ من فهمه.
وهنا نقف على رواية أوردها الطوسي في - التهذيب - بسنده عن أبي مطر
قال : لما ضرب ابن ملجم الفاسق لعنه الله أمير المؤمنين(ع) قال له الحسن (ع) :
أقتله قال : لا ولكن احبسه فإذا مت فاقتلوه. انتهى:
وهذه الرواية موجودة في - الإرشاد - للمفيد أيضا مع ملاحظة أن جملة
من المصادر ذكرت وأجمعت على الإمام(ع) أمر بقتل قاتله في حال وفاته ولم يأمر بغير
ذلك البتة فهذا الثقفي في - الغارات - وابن شهر اشوب في - المناقب - ناهيك عن
المصادر الأخرى - كمقاتل الطالبين - والطبري في تاريخه. والذهبي في - تاريخ الإسلام
- وغيرهم من أرباب السير .
وهنا اترك القارىء وهذه الرواية عن علي(ع) في المعتبر في وصيته
لابنه الحسن(ع) يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون :
قتل أمير المؤمنين ، ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي ، انظروا إذا أنا مت من هذه الضربة
فاضربوه ضربة بضربة ، ولا يمثل بالرجل فإني سمعت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه
وآله يقول : إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور ، ثمَّ أقبل على ابنه الحسن(ع) فقال
: يا بني أنت ولي الأمر وولي الدم فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة - الحديث
- » ،ولأنه من الإسراف في القتل المنهي عنه ، ففي معتبرة إسحاق بن عمار : « قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السّلام : إن اللَّه يقول في كتابه :
( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً
فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ) ما هذا الإسراف الذي نهى اللَّه عنه ؟ قال : نهى أن
يقتل غير قاتله ، أو يمثل بالقاتل ) ومن هنا عقدت الفتوى وعدم الإسراف بالدماء في
مورد القصاص.
أجل: بعد أن عرفنا الرواية المعتبرة والنقولات التاريخية وانعقاد
الفتوى. لا يمكن التذرع برواية - الإرشاد - ومفادها
إنّ الناس جاؤا إلى أمير المؤمنين (ع) بعد ضرب ابن ملجم له وقالوا:
يا أمير المؤمنين ماذا تأمرنا في عدو الله ، فقال(ع) إن عشت رأيت فيه رأيي ، وإن
هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبيّ ، اقتلوه ثمّ حرقوه بعد ذلك بالنار.
والتي استشهد بها الخصم دون الرواية الأولى على أن نفس الشيخ
المفيد لم يرجحها بحال من الأحوال بقدر ما نسبها إلى أهل السير وكيف كان: في
الإرشاد تعارض روايات تاريخية وأهل التحقيق في مقام التعارض يأخذون باشهرها ومعلوم
أن الشهرة انعقدت الرواية التاريخية الأولى دون الثانية علاوة على روايات الخاصة وإطباق
الفتاوى وعدم التمثيل وحرمته.
نعم: غاية ما فعل بابن ملجم وعلى ذمة الاصفهاني في - مقاتله - قوله
- عن عمران بن ميثم : « لقد رأيت الناس حين انصرفوا من صلاة الصبح أتوا بابن ملجم
لعنه الله ، ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع ، وهم يقولون : يا عدو الله ، ماذا
فعلت ؟ ! الخ . . ».انتهى
وهذا لا يدل على قصة إحراق أو تمثيل أو إعطاء ضوء اخضر ولا هم
يحزنون. بقدر ما هو هيجان العامة لمقتل إمامهم(ع)
فلا أعرف كيف عقد الإجماع المركب ودعوى الخصم وكيف استفاد من
المدلول الالتزامي للآراء المختلفة وكما ترى لا آراء مختلفة ولا مدلول يستفاد منه
الإلتزام. غايتها قصص تاريخية أكثرها في خانة الشهرة وواحدة أوردها المفيد بدون
ترجيح لمفادها والى الله تصير الأمور ..
0 تعليقات