ماذا تعلمنا الفلسفة؟

 

عز الدين البغدادي

 

سأحدثكم عن أول كتاب قرأته في الفلسفة، وأول درس استفدته منها، ولعله الأهم.. كنت في الإعدادية (الخامس أو السادس) وكان لي اهتمام في وقتها بكتب الإعجاز العلمي في القرآن إضافة إلى اهتمام كبير بالشعر، افتتح معرض بغداد الدولي للكتاب وكان معرضا ضخما، وكانت هناك حركة شراء كبيرة جدا، بحثت ولم أجد عنوانا يتعلق بهذا الموضوع (الإعجاز العلمي في القرآن) فقررت أن لا أخرج من المعرض بغير كتاب، وقع بصري على عنوان أعجبني فاشتريته، وكان كتاب "في الاخلاق النظرية والتطبيقة" تأليف د. احمد خواجة.

 

أخذت الكتاب وبدأت بقراءته، تحدث الكاتب عن المدارس الأخلاقية: العقلية، والمثالية، والحدسية، ومدرسة اللذة ومدرسة الواجب، استفدت معلومات كثيرة، لكن الأهم هو درس أو دروس المنهج، كنت اقرأ رؤية معينة لفيلسوف فأعجب بها وأقول في نفسي "هذا هو الكلام الصحيح" لكن عندما أقرأ لفيلسوف آخر كنت أغير رأيي وأقول "بل هذا هو الصحيح"، تكرر معي هذا الأمر أكثر من مرة لكني مبكرا كما اعتقدت فهمت درسا هاما، وهو أن الفلسفة تعلمك ان لا تستعجل في الحكم على الأفكار وان لا تتعامل مع رؤية نظرية على انه لا يوجد سواها، انتظر قليلا ولا تستعجل بتأييد هذه الفكرة أو ذلك الطرح، فلعل هناك ما لم تتعرف عليه بعد.

 

أيضا عليك أن لا تنظر لما يقال فقط، بل لخلفياته هذا الرأي من جهة، ونتائجه وما يترتب عليه من جهة أخرى.

 

وهناك درس آخر، وهو تعامل مع الحقيقة بما هي لا مع التعبير عنها، حقيقة الأخلاق قد تكون واحدة تقوم على فكرة العدل والنية الطيبة والإلزام، لكن التعبيرات الفلسفية مختلفة، بتعبير آخر هناك نماذج مختلفة معرفيا يمكن ان تكون لواقع معين.