علي الأصولي
العرف من الأمور
التي يعتاد الناس عليها في سلوكياتهم الحياتية على مستوى التصرفات والمعاملات
والأفعال، من قبيل تأخير المؤخر من المهور وإيفاء أجرة سائق السيارة في منتصف
الطريق، ونحو ذلك من المسائل التي اعتاد الناس عليها.
وفي قبال العرف
العملي هذا يوجد عرف قولي ويطلق عليه بالحقيقة العرفية، كإطلاق لفظ الولد ويراد به
الذكر مع أن الشارع استعمله للأعم وما يشمل الذكر والأنثى، من قبيل (يوصيكم الله بأولادكم)
النساء 11/ وإطلاق لفظ اللحم ويراد به غير لحم السمك ونحو ذلك من الاطلاقات
القولية العرفية.
نعم: العرف تارة
يكون عرفا عاما وتارة يكون خاصا،
والعام: هو ما اشترك
فيه الناس بمختلف أماكنهم وثقافاتهم وأزمانهم، وهذا العرف العام كان عليه بناء
العقلاء ولم تختلف سيرة المتشرعة عنه بحال من الأحوال، وأن خص عرف المتشرعة وما
عليه سيرة المسلمين،
وقد نبه علماء الأصول
على حجية السيرة العقلائية بشرط عدم الردع عنها مما يفهم منه الإمضاء، وأما سيرة
المتشرعة فهي كاشفة عن جواز العمل من خلالها،
وهناك ما يسمى
بالعرف الخاص، وهو ما تعارف بين طبقة من الناس على قول أو فعل أو ترك. وهذه الفئة
من الناس جامعهم أما بلد أو ثقافة أو للغة أو دين أو أرباب مهنة أو علم ونحو ذلك،
ومنه ما يكون عرفا صحيحا وأخر فاسدا والأول: كبعث ما يسمى - بالنيشان - للمرأة قبل
العرس ولا يعتبر من المهر إلا أن ينص عليه، والثاني: كمشي النساء خلف الجنائز
وغيرها من الأعراف الفاسدة التي لا يقرها دين وان كانت معروفة عملا أو قولا، لا
فرق يذكر بين مقولة العرف ومقولة العادة ومقولة البناء والسيرة العقلائية،
نعم: هناك فرق بين
العرف والسيرة المتشرعية كون السيرة اخص من العرف أو يمكن أن تقول بين العرف وسيرة
المتشرعة - عموم وخصوص مطلق - مع ملاحظة أن السيرة المتشرعية تأسيسية والسيرة
العقلائية - مع عدم الردع - إمضائية،
ووظف الإمامية العرف
في استدلالاتهم على تشخيص الموضوعات الشرعية بالتالي الحكم الشرعي يرجع في تشخيصه
للعرف وفهمه كون الخطاب وجه للناس وما يفهمون بحسب أعرافهم،
وقد قالوا: أن هذا
العرف وحجيته مشروطا كونه ممضيا بإمضاء معصومي سكوتا وقبولا فيكون حجة بالنتيجة.
ومع الشك وقع الخلاف
في حجية العرف فقد ذهب فقهاء السنة إلى حجيته بدعاوى وتبريرات ذكرت في كتبهم
الأصولية الفقهية ونفاه الإمامية،
ولا يعنينا هنا أدلة
المثبيتين بقدر ما ننظر إلى أدلة النافيين،
النافون لحجية
العرف، ليس لديهم أدلة برأسها بقدر ما هو نفي أدلة المثبيتين، على ما مذكور في
مظانه،
وتمسك الإمامية بصرف
موضوعة تشخيص الموضوعات وعمل الأئمة(ع) على ذلك وعدم التعدي وهذا العمل،
بالنتيجة: العرف عند
الإمامية له مدخلية تارة في الحكم الشرعي وتارة في موضوع الحكم الشرعي، فإن كان
العرف من المرتكزات العقلائية فهو يدخل في الحكم الشرعي من قبيل - مساواة الثمن
والمثمن - في المالية، فمثلا بيع السلعة التي لها قيمة سوقية معينة فشرائها أكثر
من قيمتها السوقية بحيث لا يكون هناك تساو بين الثمن والمثمن. فهنا للمشتري حق
الفسخ بخيار الغبن، وهذا الخيار اخذ من العرف والارتكاز العرفي العقلائي، الناص
على ضرورة ولزوم المساواة بين الثمن والمثمن،
وأما دخالة العرف
بالموضوع، فهو يدخل في مفهوم الموضوع، من قبيل روايات - حرمة الغناء - وبالتالي
نرجع للعرف لتحديد ماهية الغناء عندهم، وكذا يدخل العرف في مصداق ومصاديق
الموضوعات، وهي: أي الموضوعات على ثلاثة أقسام:
(١) الموضوعات
المستنبطة، كتحديد الكر مساحة وعمقا، وهذا يرجع فيه للفقهاء.
(٢) الموضوعات
التكوينية، كتحديد الثوب النجس المعلوم نجاسته ويحدد هذا النوع من التشخيصات مطلق
الإنسان لا خصوص فرد الفقيه،
(٣) الموضوعات
العرفية، من قبيل تحديد معنى الهتك، وهذا يرجع فيه للعرف وتفسيره لمعنى الهتك، وهل
يصدق الهتك على هذه الحصة أم تلك،
أما فقهاء السنة
وعلى اختلاف مذاهبهم الفقهية فقد التزموا مقولة العرف وحاولوا إثبات حجيتها في
مصنفاتهم، بل ذهب الأحناف والموالك إلى أن العرف أصل من أصول الاستنباط أيضا - ويمكن
مراجعة الأصول العامة الفقه المقارن لبيان أدلتهم - وما استدل عليه من الكتاب قوله
تعالى(خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين) الأعراف 199/ التي اعتبر هذه الآية
الإمام القرافي من الظهور بمكان،
ومن السنة قوله(ص) ما
رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسنا) غير أن الإمامية ناقشوا مفاد الآية وقالوا
أنها ليست بصدد بيان حقيقة العرف، بل الشارع استخدم هذه المفردة بحقيقتها اللغوية،
ومعنى - أمر بالعرف - يعني بالمعروف.
ويمكن أن يقال: أن
لا مشكلة فيما أطلقنا المعروف على العرف المحمود والحسن،
وقالت الإمامية: حول
مفاد الحديث أعلاه، ويرد على هذا الاستدلال بها أنها موقوفة على ابن مسعود ولم
يروها عن النبي(ص) ومع احتمال أن هذا النص لابن مسعود فلا يصلح للدليلية - الحكيم
في الأصول العامة –
ويمكن أن يقال: بصرف
النظر عن نسبة هذا النص هل هو للنبي(ص) أو لابن مسعود يمكن أن يقال أن النص هو
تنبيه على مرتكزات العقل العملي - ما رآه المسلمون فهو عند الله حسنا - وبالتالي
الحسن بنظر المسلمين وعلى اختلاف طبقاتهم فقهاء وعامة - كفيل ومعرفة ما هو حسن
عرفا وما هو قبيح –
إلا أننا نقول ومع
هذه المناقشات لا يمكن الإفضاء إلى القول بأن العرف أصل من أصول الاستنباط، لفقدان
الدليل بل الدليل على عكسه أدل،
وبالجملة: هناك كلام
طويل لا طائل تحته بعد أن عرفت زبدة المطلب ومن شاء المراجعة فدونه مظانها من قبيل
- الأصول العامة للفقه المقارن للسيد تقي الحكيم وحقيقة العرف وحجيته للشيخ علي
كاشف الغطاء وبعض الدراسات في مواقع الانترنيت -
والى الله تصير الأمور الأمور ..
0 تعليقات