محمود جابر
مما تعلمناه من أمير
البيان أمير المؤمنين ...
إن الهوى عدو متبوع،
والجاهل لا يرتدع، ولأن الصدق روح الكلام، والكذب يزرى الإنسان، وبما أن المرء
مخبوء تحت لسانه، لهذا كانت الأمانة إيمان، والصدق نجاة، والكذب فضاح لصاحبه، لان
الصدق انجح دليل، الْكَذَّابُ مُتَّهَمٌ فِي قَوْلِهِ وَ إِنْ قَوِيتَ حُجَّتُهُ
وَ صَدَقَتْ لَهْجَتُهُ.
وهكذا وجدنا الكذاب
اللئيم الجاهل المدعو ((ميثاق العسر) وضبطناه متهما بعد ان ضبطه الشيخ على الأصولي
مرات ومرات ...
وألعن شيء في الوجود
هو الحقد والغل ..
هذا الدعى سابق
الذكر وسيئ الصيت ادعى كذبا خلافا لحقائق العلمية الثابت قال الآتى :
قال التعيس الحاقد –العسر-
ان النبي ذهب الى المدينة خال الوفاض من التصور والحلول واعتمد على فكرة الخطأ
والصواب.
-
ان السماء لم تكن
مكترثة به وبتجربته فى المدينة .
-
ان تجربته خلت من اى
ثابت يمكن الاقتداء به وقد ذهب الى ربه ولم يكتب حرفا واحد من القرآن..
وما سوف نناقشه هنا
هو قول المدعى ان النبى ذهب الى المدينة خالى الوفاض وان تجربته كانت تكريس للرؤية
القبلية ...
لقد تأسست دولة النبى
بناءً على "عقد اجتماعي"، ويمثل ذلك العقد اتفاقًا تعاقديا بين الرسول
وبين أهل يثرب، فانتقلوا من "حالة الفوضى " و" اللادولة"، إلى
حالة "النظام" و"الدولة"؛ تمامًا كما وصف فلاسفة العقد
الاجتماعي بعد أكثر من عشرة قرون.
إن دولة المدينة
نشأت وفق عقد اجتماعي مكتوب كما جاء عند فلاسفة العقد الاجتماعي الأوربيين بعد عصر
النهضة، وقد سبق هذا العقد الاجتماعي جمعية تأسيسية قامت بصياغة التصور العام وفقا
لاتفاق بين النبى وأهل يثرب؛ إنّ هذه الجمعية التأسيسية الأولى التي أقامت الدولة
الإسلامية على "أسس تعاقدية" وعلى أساس "عقد اجتماعي مؤسس للدولة"؛
هو ما نعرفه في تاريخنا باسم "بيعتي العقبة الأولى والثانية".
1- بيعة العقبة
الأولى (الجمعية التأسيسية الأولى)
تكونت الجمعية التأسيسية
الأولى من ستة نفر من أهل يثرب أسلموا في موسم الحج سنة 11 من النبوة، ووعدوا النبي
بإبلاغ رسالته في قومهم. وكان من جراء ذلك أن جاء في الموسم التالي ـ موسم الحج
سنة 12 من النبوة، وضعت الجمعية التأسيسية الأولى الأخلاق أولا كمبدأ لقيام
الاتفاق والعقد الاجتماعي .
التقى اثنا عشر
رجلاً بالنبي عند العقبة بمنى فبايعوه على:
ألا تشركوا بالله
شيئًا،
ولا تسرقوا،
ولا تزنوا،
ولا تقتلوا أولادكم،
ولا تأتوا ببهتان
تفترونه بين أيديكم وأرجلكم،
ولا تعصوني في معروف.
فبايعته وبعث النبي معهم
أول سفير في يثرب وهو مصعب بن عمير؛ ليعلم المسلمين فيها شرائع الإسلام، ويفقههم
في الدين، وليقوم بنشر الإسلام بين الذين لم يزالوا على الشرك .
2- بيعة العقبة
الثانية (الجمعية التأسيسية الثانية)
في موسم الحج في
السنة الثالثة عشرة من النبوة حضر بضع وسبعون نفسًا من المسلمين من أهل يثرب. فلما
فرغوا من الحج اجتمعوا بالنبى فى العقبة وكانوا ثلاثة وسبعون رجلا، وامرأتان .
ثم بدأت المحادثات
التفاوضية للتأسيسية بإبرام عقدا سياسيا، وبدأ الحوار العباس بن عبد المطلب عم
النبى فقال:
يا معشر الخزرج ـ
وكان العرب يسمون الأنصار خزرجـًا، خزرجـها وأوسـها كليهما ـ إن محمدًا منا حيث قد
علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه ومنعة في
بلده. وإنّه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنّكم وافون
له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك. وإن كنتم
ترون أنّكم مُسْلِمُوه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه. فإنّه في عز
ومنعة من قومه وبلده.
قال كعب ( أخد الحضور
اليثربيين): فقلنا له: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك
ولربك ما أحببت. وألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بيانه، ثم تمت
البيعة.
بنود البيعة/ تأسيس
الدولة
السمع والطاعة في
النشاط والكسل.
وعلى النفقة في
العسر واليسر.
وعلى الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعلى أن تقوموا في
الله، لا تأخذكم في الله لومة لائم.
وعلى أن تنصروني إذا
قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة.
هكذا نشأت الدولة على
التعاقد بين النبي وبين أهل يثرب، دولة الرسول دولة أسست على رضاء تام يتحمل فيه
كل طرف مسؤولياته تجاه الدولة. وهذه الدولة ربما كانت أول دولة في التاريخ تقوم
على اتفاق تاريخي حقيقي واقعي، أول مثل في التاريخ يقوم على فكرة التعاقدية لا
القوة ولا الغلبة ولا الغزو ولا الحروب وقد تحققت في نشأة الدولة - نظريًّا - وفقا ما أفاض فيه فلاسفة العقد الاجتماعي من
الأوربيين، وحيث كان الانتقال من:
حالة الفوضى الأولى:
وقد تمثلت هذه الحالة في الحروب الطاحنة بين الأوس والخزرج والتي استمرت لمدة مائة
عام على الأقل، تلك الحالة التي وصفها توماس هوبز بحرب الكل ضد الكل، الحالة التي
كان الإنسان فيها ذئبًا لأخيه الإنسان!
إلى حالة النظام/ الدولة:
وقد تمثلت في رضاء أهل يثرب بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا وحاكمًا يحكمهم وينهي
ما بينهم من حالة الفوضى إلى النظام، ومن اللادولة إلى الدولة.
ومنذ أن وطئت قدمه صلى
الله عليه وآله أرض يثرب اجتمع مع وجهاء
القوم فيها وأرسى فيها "برضاهم التعاقدي التام" أول دستور في التاريخ الإنساني
"وثيقة أو صحيفة المدينة" في السنة الأولى من الهجرة (عام 622م) واستمر
هذا النهج التعاقدي من محمد صلى الله عليه وسلم حتى قبيل وفاته بسنوات قليلة ففي
السنة العاشرة للهجرة عام (632م) عقد مع نصارى نجران باليمن وثيقة دستورية أخرى
تؤسس للمواطنة أيضًا هي "وثيقة نصارى نجران".
تأسيس فكرة المواطنة
إن دستور المدينة/ وثيقة
المدينة - الصحيفة - الكتاب (1هـــ/
وقد كان دستور
المدينة عبارة عن طرفين وصيغة ومبادىء...
أولا : طرفا العقد
الطرف الأول هو
النبي والمسلمون والطرف الثاني هم: "أهل هذه الصحيفة" ممن لم يدخل في الإسلام
(اليهود، المشركين، المسيحيين).
ثانيا : صياغة العقد
جاءت صياغة بنود
العقد ثمرة لمشاورة الرسول لوجوه الرعية الذين يسمون "أهل هذه الصحيفة".
ثالثا : المبادئ
العليا للعقد
صيغ هذا الدستور
لينظم القواعد الأساسية لدولة المدينة ومواطنيها. فهو نص ينظم شؤون الدولة ويقنن
العلاقات الدنيوية بين رعيتها بالدرجة الأولى.
وقد صيغ هذا الدستور
بعد أن نزل قسم كبير من القرآن الكريم فكان ذلك دليلاً على أنّ القرآن بالنسبة إلى
دستور الدولة هو الإطار فيه "المبادئ" وبه "الروح" والمقاصد
والضوابط والغايات، وليس هو نص الدستور ومواده ذاتها وقوانينه عينها.
فوجود القرآن الكريم
لا يغني في نظام الدولة، عن الدستور الذي يضبط القواعد وينظم الحقوق ويحكم
العلاقات ويصوغ جميع ذلك صياغة دستورية محكمة الدلالة بينة الحدود. وعلى ذلك تسقط
كل الدعاوى التي ترفع شعارات من قبيل: القرآن دستورنا.
دولة مدنية أو
علمانية ( دولة قانون)
على الرغم من أنّ
الحاكم للدولة كان النبي إلا أنّ هذه الدولة لم تكن دولة دينية بالمعنى الذي عرفته
مجتمعات غير إسلامية، وفلسفات غير إسلامية، أو مجتمعات إسلامية بعد ذلك.. وقد كان أهم
ما يميز هذه الدولة :
- المواطنة
نص هذا الدستور على
أنّ المؤمنين والمسلمين هم (أمة واحدة من دون الناس) فهم "أمة الدين" وجماعته
المؤمنون به - ثم نص على أنّ (يهود بني عوف - ومن ماثلهم من اليهود العرب) أمة مع
المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم)! فقرر التسوية في "المواطنة" وحقوقها
وواجباتها بين هذه الرعية "السياسية" وأقر هذا التمايز الديني القائم
داخل هذا الإطار "القومي-الحضاري-السياسي".
وثيقة نصارى نجران (10هـ / 632م)
وهى الوثيقة
الدستورية لنصارى نجران باليمن، ولكنها تظل شاملة لكل النصارى عبر الزمان والمكان.
وفيها تقررت كامل حقوق المواطنة وواجباتها داخل الدولة التى يحكمها النبى محمد صلى
الله عليه وآله: لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين. أما أبرز أفكار المعاهدة
:
كامل حقوق المواطنة
""لهم ما
للمسلمين وعليهم ما على المسلمين"
شركاء في الوطن
"حتى يكونوا
للمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم"
التعددية الدينية
قنن هذا العهد قيام
رعية الدولة على "التعددية الدينية"
أقام الأسرة على
التعددية الدينية
جاء هذا العهد ليقرر
للزوجة الكتابية كامل الحرية والاختيار في الاعتقاد الديني.. وفي تكليف زوجها
المسلم أن ييسر لها الذهاب إلى دور عبادتها، والأخذ عن رؤساء دينها.
حماية الكنائس ودور
العبادة
تعهد رسول الله بذلك
وقال: "وأن أحمي جانبهم، وأذب عنهم، وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم،
ومواضع الرهبان، ومواطن السياح، حيث كانوا.. وأن أحرس ملتهم أين كانوا.. بما أحفظ
به نفسي وخاصتي وأهل الإسلام ملتي".
تعهد الدولة بترميم
الكنائس وبنائها
فقال: "ولهم إن
احتاجوا في مرمة بيعهم وصوامعهم، أو أي شيء من مصالح أمورهم ودينهم، إلى رفد (= مساعدة)
- من المسلمين وتقوية لهم على مرمتها، أن يُرفدوا على ذلك ويعاونوا، ولا يكون ذلك
دينً عليهم، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم، ووفاء بعهد رسول الله وموهبة لهم، ومنة
لله ورسوله عليهم".
تحريم أخذ الأبنية
للمساجد
وقررت هذه الوثيقة
الدستورية تحريم إدخال أي شيء من أبنية غير المسلمين في شيء من أبنية المسلمين
ومساجدهم.
التسوية في الخراج
كما سوت بين الرعية -
على اختلاف دياناتهم - في أمور الخراج.
الجزية بدلاً من
الجندية
وجعلت الجزية بدلاً
من الانخراط في الجندية والقيام بفريضة حماية الوطن والمواطنين. وفى المقابل تسقط
الجزية حين ينضم غير المسلم الى الجيش للحماية .
تحريم الإكراه في
الدين
وقد حرمت الإكراه في
الدين
الجدال بالتي هي
أحسن
وقررت الجدال بالتي
هي أحسن.
العدل بينهم
وقررت العدل "فمن
سأل منهم حقًا، فبينهم النَّصف غير ظالمين ولا مظلومين".
عقوبة مخالفة
الوثيقة
فمن خالف ذلك "فقد
خالف عهد الله وعصى ميثاق رسوله، وهو عند الله من الكاذبين".
واجبات أهل الكتاب
وفي مقابل كل هذه
الحقوق طلبت الوثيقة من المسيحيين أن تكون براءتهم كاملة من أعداء هذه الأمة - التي
هي أمتهم - وهذه الدولة - التي هي دولة جميع رعيتها ومواطنيها.
الختامة
إن دولة المدنية
وبحق ووفقا للوثائق التى تثبت ذلك كانت ثورة سياسية واجتماعية فى عالم الحكم
والسياسة، وهى حالة عقد اجتماعي كاملة كما وصف فلاسفة العقد الاجتماعي، وكأنّهم
قرؤوا تاريخنا وصاغوه مبادئ فلسفية سياسية عليا. وقصرنا نحن في قراءة السيرة قراءة
سياسية معاصرة، وذهبنا نطالع كتب ما سمي بالسياسة الشرعية والأحكام السلطانية؛ وهي
كتب أملاها واقع تغير وألفت تحت إشراف حكام مستبدين، ومع ذلك وصفت بالشرعية!
إن دولة النبى فى
المدينة لم تتأسس على أيّ دعوى "دينية" أو على أى نوع من الإكراه او
التجربة كما يقول الدعى- العسر، بل على "رضاء" قانوني وسياسي واجتماعي
واضح المعالم من خلال جمعية تأسيسية كما أشرنا وثبت من خلال الوقائع التاريخية.
إن القرآن لم يكن
ملزما لغير المسلمين، وأن قواعد القانون الحاكم والدستوري كان وفقا للاتفاق
المبرم، ووفقا لدستور ساوى بين المسلم وغير المسلم واليهودى والمسيحى باعتبار أن
الجميع شركاء فى بناء الدولة وفى حمايتها والدفاع عنها والمشاركة فى الحكم .
0 تعليقات