قوله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ
الظَّالِمِينَ) (البقرة: 36)؛ قيل إن الشجرة هي القمح أو العنب، أو هي المرأة. وقيل
هي شجرة التمييز بين الخير والشر.
ومثل هذه المعاني مستبعدة عقلا،
لأن الاقتراب من القمح أو العنب لا يجعل المرء ظالما، فكلاهما حلال.
بل قال الله لهما: (وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا) (البقرة: 36) أي كلوا حتى
تشبعوا من طعام هذه المنطقة. أما المرأة فقد أمر الله تعالى آدم أن يسكن هناك مع
امرأته. كما أنه ليس هناك شجرة لمعرفة الخير والشر، وإن كان هناك مثل هذه الشجرة
فليس من الظلم أن يميز الإنسان بين الخير والشر، لأن التمييز بين الخير والشر يجعل
الإنسان أشرف من الحيوانات الأخرى.
يتبين من القرآن الحكيم أن هذه الشجرة قد تسببت في انكشاف عورة آدم، وفي
هذا دليل على أن الشجرة المذكورة ليست شجرة نباتية أرضية حقيقية، وإنما هي شجرة
على سبيل المجاز.
فإننا لم نر على البسيطة شجرة يؤدي الاقتراب منها أو أكل ثمارها إلى كشف
العورات، كما لا نجد لا في الشريعة الإسلامية ولا في غيرها من الشرائع السابقة
شجرة يحرم أكلها شرعا.
ويؤكد هذا المعنى أيضا قول القرآن
بأن اقتراب آدم وزوجته وأصحابه من تلك الشجرة سيجعلهم من الظالمين، في حين كان من
المفروض أن يقول القرآن بأنه سيجعلهم من الآثمين، لأن الظلم قد ورد في القرآن
الكريم بمعنى الشرك بالله، أو بمعنى هضم حقوق الغير. وأيضا لو أنها كانت شجرة
مادية ملموسة مرئية لكانت مقاربة آدم إياها عصيانا متعمدا، وليس عن خطأ أو نسيان،
لكن القرآن الكريم ينص على أن آدم قد نسي ولم يتعمد ذلك، الأمر الذي يدل على أن
تلك الشجرة لم تكن مادية، بل كانت شيئا معنويا.
إذن ما هي هذه الشجرة ؟
لقد استعيرت كلمة الشجرة في القرآن الحكيم لمعان طيبة ولمعان مكروهة. يقول
تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ
طَيِّبَةٍ… وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) (إِبراهيم: 25- 27).
ومن ناحية هذا المعنى فإن الله
تعالى أمر آدم أن يتجنب شجرة المنكرات. أما وقد شبه الله عز وجل نظام الحسنات التي
وهبت لآدم بالجنة وكذلك وصف الأُمور المناقضة لهذا النظام بالشجرة التي نهى عن
مقاربتها؛ فكأن الله تعالى يخبر آدم ومن معه بأنهم قد أُمروا بالإقامة في جنة
الحسنات هذه، بالابتعاد عن الأمور المعاكسة لها لكيلا تضيع منهم تلك الجنة.
وعلى ضوء هذا المعنى يكون من السهل جدا تفهم خطأ آدم في أمر من دقائق
الأمور، إذ كان من اليسير أن يخدعه أحد في هذا. فمع أنه من الممكن أن المراد
بالشجرة الممنوعة كل تلك المنكرات التي نهى الله تعالى آدم عنها، إلا أن الابتعاد
عن الشجرة، في ضوء موضوع هذه الآية، يعني خاصة أخذ الحيطة والحذر من إبليس وذريته،
لأنه أقسم بإغواء آدم وذريته. ويؤكد ذلك في قوله تعالى: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ
إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ
فَتَشْقَى) (طه: 118).
ومما يؤيد هذا المعنى أيضا استعمالنا لكلمة “شجرة” بمعنى “شجرة النسب”. فالامتناع
عن الشجرة إذن إنما يعني أخذ الحيطة من إبليس وذريته، أي أصحابه وأعوانه. فإطلاق
تسمية “الشجرة” على إبليس استخدام لطيف للغاية، إذ شبّه بذلك إبليس وأعوانه بشجرة
محرمة، مكتفيا بذكر جذعها الرئيسي، وهو إبليس، الذي يتفرع منه سائر الأعوان
والذراري.
ولا يغيبن عن البال أن محادثة الله عز وجل مع آدم لم تكن كالمحادثات
الإنسانية، بل كانت بصورة وحي سماوي مما يتلقاه الأنبياء، وما زال الوحي السماوي
محلّى بألوان من الاستعارات والمجازات والتمثيلات العديدة. أمر الله تعالى آدم بأن
يقيم فى مكان هو كالجنة راحة ونعمة، ووهب له شريعة تحول هذه الدنيا إلى الجنة،
وأنعم عليه بزوج وأصحاب كانوا منقادين له مطيعين، محولين هذه الحياة إلى جنة آمنة،
فنظرا لكل هذه النعم الجليلة، أمر الله عز وجل آدم وأصحابه معه بالإقامة في تلك
الجنة؛ بينما نهاه عن صفات معاكسة للجنة باستخدام كلمة الشجرة. فاستعمال كلمة “الشجرة”
جاء لأجل مناسبتها لكلمة “الجنة”. وقد أُشير بذلك إلى الأمور التالية:
أن أصل التعاليم التي تلقاها آدم من ربه هو الحِلّ، أما التحريم فهو لأجل
الضرورة.
أن جماعة آدم ستكون هي الغالبة والأكثر عددا، وأن أعداءه سوف يتحولون إلى
أقلية، بحيث تكون النسبة بين آدم وجماعته من ناحية، وأعدائه من ناحية أخرى كالنسبة
بين جنة كثيرة الأشجار وشجرة مفردة محدودة النطاق.
0 تعليقات