د . سيد مشرف
الفقر يُصهر المبادئ
كما تُصهر النار الحديد وهو جذر الفساد ورأس الشر ... " برنارد شو ".
هذا الجنون الذي
يحياه المصريون بدأ مع سفر الكثيرين
منهم الي الدول العربية والخليجية
فترة منتصف سبعينات القرن الفائت.. حينما
رأى المصرى كيف يمتلك السعودى أو الخليجي أموالا مثل جبل قاف، وأرجع السبب فى تلك الثروات العظيمة إلي رضا الله
عنهم ، كون رجالهم يُطلقون اللِحي ويعتمرون
الغطرة علي رؤوسهم ، ونساءهم
منتقبات ولا يظهر منهنّ شئ بغض النظر عن سلوكهنّ أو تحضرهنّ ..
وكانت كلمة "الكفيل"
لها عظيم الأثر فى النفسية المصرية ، إذ رأوها امتدادا لإحدى الأسماء الحسنى ..وتصور
المصري أن الكفيل ربما كان جدوده من
الصحابة او التابعين ذات يوم ، فكان ذلك
العربى المرتدي الجلباب والشبشب والمعتمر
غطرة كأنه "نائب الله" على
الأرض "يتكفل" بهؤلاء الفقراء المصريين اللذين تركوا بلادهم سعيا وراء
الرزق .. ولقمة العيش.
لم يعى أحدا منهم
قيمته ولا قيمة عمله كطبيب أو مدرس أو مهندس أو صانع وغيرها ، وبأنه "ينقل
حضارة" لا تقارن ولا توزن بجبال الأموال .. فعاد المصرى من هناك حاملا
المروحة والفيديو والتلفزيون وبعض المال ،
باع بهم حضارته وفكره وقيمته .. وبدلا من أن ينقل هو حضارته إلى الأعراب ويرتقي
بهم فإنه للأسف أخذ منهم بداوتهم وتدينهم
المغشوش ، وعاد ليأمر زوجته بالنقاب وأخته بالخِمار وأمه بالحجاب ويختن إبنته رغم
تحريم الخِتان، ويلبس هو نفسه الجلباب
القصير ويطيل لحيته حتي تصل سُرته ويخضبها بالحنّاء ، ويضع السواك علي جانب
فمه علّه بذلك كله ينال رضا الله فيمنحه
بئر بترول مثلهم .
ثم لم يكتفى المصري العائد الي بلده بذلك بل إنقض أيضا على الحضارة القائمة في بلده
ليهدمها لحساب ثقافة الصحراء ، فأصبح هو نفسه الذى يروج بأن التماثيل حرام والفنون
حرام والعمل لدى الحكومة حرام .. وأن رعى الغنم والتجارة هى فقط الحلال والعلاج
عنده أصبح الكيّ والحجامة وشرب بول الإبل ..
حتى أنه فى سماع القرآن الكريم إستبدل
القراء المصريين : "عبد الباسط - الحصرى - المنشاوى - الطبلاوى - مصطفي
إسماعيل ..وغيرهم الكثير " بقراء مكة والخليج أمثال "العجمى ومشارى
والشاطرى والغامدى والقعقاع والسديس وغيرهم" ، وضاع دور الأزهر تماما وقيمة طه حسين، والعقاد وزكي نجيب محمود واحمد أمين
ولطفي السيد وباقي كبار مفكرينا" لصالح
خطباء العربان اللذين غزت خطبهم كل البيوت المصرية وقتها بكاسيت بأعلى جودة وأقل
سعر أو حتى مجانا يتم توزيعه كهدايا بمحلات الملابس والمخابز وفى الطرقات .. ثم
جاءت القاضية باستنساخ مشايخ العربان أنفسهم لكن بصفات مصرية أكثر احترافية فى
المكر والخداع والتلوّن فجاء " حسين يعقوب وحسان وعبد المنعم وبرهامى وعبد
الكافي والحويني وغيرهم كثير ثم ظهر مشايخ
يلبسون البدل المودرن والكرافتات واطلقوا عليهم لقب جديد هو ( داعية ) " ممن
أقنعوا الناس أن النفاق والمظهرية والزيف والجهل والكيل بألف مكيال ذلك من الإيمان
، وكانت الفاجعة، أن باع المسؤولون المصريون تراثنا الفني والغنائي إلي عرب
الوبر فضاع كل شئ "ولا حول ولا قوة
الاّ بالله "
0 تعليقات