آخر الأخبار

العداء في السودان

 



 

لواء ركن (م) : طارق ميرغني الفكي

 

المتتبع للعداء في السودان يتضح له أنه عداء ضد الحكومات تدفع ثمنه الدولة بأجهزتها المختلفة ، فما هي الآليات لتأمين الدولة من أخطاء الحكومات حفظاً لأمن الدولة ومكتسباتها .

 

تقوم الثورات بمختلف مسمياتها تمرداً كان أو مظاهرات ضد الحكومات فتعيث في الأرض فساداً ، تدمر أجهزة الدولة الأمنية بالحروب ، وتحرق مؤسساتها ، وتقتل مواردها البشرية في المظاهرات والإعتصامات، وتهاجم القرى الطرفية فتمزقها وتستهدف المناوئين تقتيلاً وزبحاً بصورة بشعة ، وبمجرد أن يتم التغيير للحكومة يصبح المتمرد مكافحاً والمكافح متمرداً ، فينال المتمرد أعلى المناصب في الدولة ، بينما يتحول رجل الدولة إلى متمرد على الحكومة الجديدة يوصم بالتبعية للحكومة القديمة ، وهذا أمر لا يستقيم عقلاً ولا يقبله منطق ، إن تبدل المواقف مع تغير الحكومات أمر غريب وخطأ فادح يدل على عدم استقرار الدولة بل ويشجع على التمرد على الدولة ويؤدي للتزمر والإحباط وسط رجال الدولة ويقلل الوطنية في نفوسهم ، وحتى لا يتكرر ذلك في المستقبل يجب معالجته بأسرع ما يكون  لأن تبدل المواقف يجعل الدولة ورجالها هم الضحية بأخطاء رجال الحكومة ، إن المحافظة على رجال الدولة بتكريمهم وتقدير دورهم دون الإساءة لهم وإحترام إخلاصهم وتفانيهم في خدمة وطنهم يجب أن يكون مكان إحترام وتقدير الجميع حكومة ومعارضة .

 

لكن في المقابل فإن الحكومات عند استلامها للسلطة تقوم بتحويل كل أجهزة الدولة لصالحها ، فتقصي المناوئين لها من المؤسسات مهما كانت كفاءتهم ظلماً وجوراً وتقوم بتعيين الموالين وهذا يؤدي إلى عدم الاستقرار وضياع الخبرة التراكمية ، وتعيث في الأرض فساداً في موارد الدولة لصالح حزبها وأفرادها ، وتفقد أجهزة الدولة حياديتها خاصة العدلية والمجلس التشريعي ولجنة الانتخابات ، لتصير مصداقية الانتخابات في موضع شك ، وتعدل القوانين لتحتكر السلطة لأطول فترة ممكنة ، وتعمل لتغيير الدين والقيم والموروثات فتفرض على الناس ما تراه وإن كان الغالبية يرونه باطلاً .

 

هذا التخبط يدل على أن رجال الحكومات عند ترفيعهم لمناصب رجال دولة لا يتطوروا لمستوى رجال دولة لتغليبهم مصالح إحزابهم على مصلحة الدولة ، وهذا ضعف واضح في النفوس وخلل كبير فيها يؤدي للفساد لأن الوطن في مقام أعلى وأرفع من الحزب والطائفة والقبيلة ، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة مسبباته خاصة في وزارة التربية والتعليم ، وقد وضح أيضاً أن الولاء للحكومة والحزب ضعيف عند القاعدة يمكن تحويله بسهولة إلى المعارضة وهذه قد تكون محمدة بإعتبار أن الولاء الأقوى يكون للدولة لكن هذا في حال توفر المصداقية ، أما في ظل الخداع الذي تمارسه الماسونية لتضليل الشعوب في تشويهها لصورة الحكومات فإن الأمر يحتاج إلى تروي ، فمهما بذلت الحكومة من جهد يمكن خداع القاعدة وتحويلها إلى المعارضة ، فقتل مواطن واحد في السودان يمكن أن تسقط به الحكومة كما حدث لحكومة عبود ، وهنالك سمة برزت بوضوح تام تتمثل في الصبر الجميل والتحمل العالى للقاعدة للتخطيط الجيد في إدارة الدولة وتجاوبها مع المنهجية والعلمية والشفافية وتحمل تبعاتها بصدر رحب طالما أنها في مصلحة الجميع ، وهذا يعني قابلية القاعدة بتولي المركز القومي للتخطيط الإستراتيجي سلطة إدارة الدولة .

 

إن الحاجة لفصل سلطات الدولة عن سلطات الحكومة باتت ملحة لتأمين الدولة من سلبيات الحكومة ، وأن المركز القومي للتخطيط الإستراتيجي هو الأنسب لتولي سلطة قيادة الدولة لحمايتها من تقول الحكومة بأن تكون له السلطة العليا في إدارة الدولة منعاً لاحتكار السلطة وإنفجار الثورات وتأميناً لموظفي الدولة من الأنظمة الحاكمة ومحافظة على حيادية مؤسسات الدولة ونزاهة الانتخابات .

 

المركز القومي للتخطيط الإستراتيجي يبني خططه على معلومات لا مجال فيها للأهواء الشخصية والأطماع الحزبية والجهوية الضيقة ويجهز مسرح الدولة سلماً وحرباً ، وبهذه المنهجية العلمية الرفيعة يمكنه أن يقوم بإعداد دستور الدولة وأن يتولى التخطيط لوزارات الدولة خاصة التربية والتعليم التي تلاعبت فيها الماسونية ، ويكون له ذلك في العاصمة والولايات لتجد الحكومات الخطط جاهزة ومعتمدة للتنفيذ بعد عرضها على المجالس التشريعية ، وتمنح للمركز سلطات عالية لإتخاذ الإجراءات المناسبة تجاه المخالفين بما فيهم رئيس الحكومة بأن يكون للمركز القومي سلطة أعلى من رأس الحكومة ، ويتم تأمين المركز وفروعه في الولايات من الإبتزاز الحكومي من ناحية التعيين والفصل والمرتبات .

 

هنالك قرارات يهدد تأجيلها المستمر بقاء الدولة ولا تستطيع الحكومات إتخاذها تخوفاً من السقوط ، وهنا يبرز دور المركز القومي والذي عليه أن يتبناها لمنع إنهيار الدولة مثل قرار تحرير سعر الوقود والذي كان من المفترض أن يتم إتخاذه منذ حكومة نميري لمصلحة الإقتصاد ومنع التهريب ، كما أن المجالس التشريعية لا تستطيع تمرير مثل هذه القرارات إما جهلاً بعواقبها أو خوفاً من فقدان المنصب ، لذلك على المركز القومي أن يترك لهم القرارات غير الجوهرية حيث يضع لهم الخطوط العريضة ويترك لهم التفاصيل ، لأن هذه المجالس صارت صورية بسبب الهيمنة الحزبية التي تغلبت على المصلحة الوطنية لتفشل في أداء رسالتها في عدم تصديها للحكومات في كثير من القرارات وترتب عن هذا الفشل قيام الثورات .

 

وفقنا الله وإياكم لخدمة البلاد والعباد .

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات