بقلم عميد م / إبراهيم عقيل
مادبو
يلعب الخداع الإستراتيجي دوراً كبيراً في
عالم المخابرات، ويعتبر أحد أهم العوامل التى تستخدم في الحرب، ومن المعروف أن
لجهاز المخابرات الأثيوبي باع طويل في عمليات الخداع الإستراتيجي، ويستخدم في ذلك
الشعار الإسرائيلي المشهور (عن طريق الخداع سنقوم بالحرب وعن طريق الخداع سننهى
الحرب)، وحالياً تقوم الحكومة الأثيوبية بتوظيف خطابها الإعلامي ووسائلها
الإعلامية لتتحدث عن التفاوض والسلام وحسن الجوار والغد المشرق لأثيوبيا، بينما
يمارس أبي أحمد ضابط المخابرات الأثيوبية السابق على الأرض سياسة الخداع، لإطفاء
نار النزاعات الأثنية في أثيوبيا ومحاولة توحيد جبهته الداخلية، وتوجيه رسائل
مدروسة أن يجب على الإثيوبيين بجميع أطياف المجتمع أن يتوحدوا ويتكاتفوا حول
السدود المائة والتي على رأسها سد النهضة، ففي الوقت الذي تتواصل فيه أزمة سد
النهضة بين أثيوبيا والسودان ومصر، وفشل كافة الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة، أطلق
رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، تصريحات جديدة ستفتح أبواب حرب المياه على
مصراعيها، بالإعلان أن إثيوبيا ستبني أكثر من 100 سد مائي صغير ومتوسط في مناطق
مختلفة من بلاده، في السنة المالية الجديدة القادمة، والتي ستبدأ في 8 يوليو
القادم وتنتهي في 30 يونيو من العام 2022م، وذلك أثناء تدشين بدء العمل في المرحلة
الأولى من مشروع الطريق السريع شرقي البلاد، ويجدر هنا بالمحللين وأهل الحصافة أن
يتمعنوا في كيفية وإمكانية رصد الميزانية والتمويل اللازمين وبدء العمل في تشييد
مائة سد خلال سنة مالية واحدة، بينما يستغرق إكمال مشروع طريق سريع أربعة سنوات
حيث سيتم تنفيذ المرحلة الأولى - التي أُطلقت - بطول 60 كيلو متر، فيما يبلغ طول
المرحلة الثانية 70 كيلو متر ومن المتوقع يتم تنفيذ المشروع بمرحلتيه خلال أربع
سنوات، وكل هذا جزء من غلالة الخداع التي تتخفي وراءها النوايا الأثيوبية، في حشد
الجبهة الداخلية والتحضير للحرب، ويتزامن ذلك مع سعي المخابرات الأثيوبية خلال
الفترة الماضية في تنفيذ عملية سرية داخل السودان، تهدف لدفع الجالية الأثيوبية
إلى الهجرة العكسية والخروج من السودان، وقد تلاحظ نشاط لعناصر يشتبه أنهم من
المخابرات الأثيوبية في أماكن التجمعات والكثافة العددية للجالية الأثيوبية المقيمة
بالسودان، وتحديداً بمناطق معروفة داخل العاصمة المثلثة وأيضاً بمدينة بورتسودان،
وتروج هذه العناصر لخيار العودة الآمنة للمواطنين الأثيوبيين إلى مناطقهم داخل
أثيوبيا، مصحوباً بشائعة عن قرب قيام الجيش الأثيوبي بشن حرب خاطفة لاستعادة
أراضيهم من السودان، وأن أثيوبيا قد أكملت العدة لإنزال ضربة عسكرية مع بداية موسم
الأمطار، ويجب على الأثيوبيين الخروج حتى لا يحدث لهم مكروه في حال اندلاع ونشوب
الحرب، ويمكن لأي شخص حصيف ومتابع أن يتأكد من صحة هذه المعلومة برصد تزايد أعداد
المواطنين الأثيوبيين المغادرين في محطات ومواقف السفر المؤدية إلى أثيوبيا،
فيومياً تُغادر الشاحنات وهي تحمل مواطني أثيوبيا وأمتعتهم بالكامل.
-2-
إثيوبيا بتعنتها تحاول شراء الوقت انتظارا
لموسم الأمطار، وتعلن مراراً أنها لن تجري محادثات حدودية مع السودان إلا بعد
انسحاب قوات الجيش السوداني من الأراضي "المتنازع عليها" ما قد يعقد
جهود نزع فتيل النزاع حسب "البروبجاندا" الأثيوبية، فهذه الأرض في حقيقة
الأمر ليست محل نزاع، بل هي أراض سودانية خالصة بموجب الوثائق والقانونية والخرائط
الدولية المعتمدة، وإذا استمرت الحكومة الإثيوبية في تعنتها وعدم الاعتراف الصريح
بأحقية السودان وسيادته على أرضه، ومساندتها لميليشيات إقليم الأمهرة المتاخم
لمناطق الفشقتين، وإسنادها لقوات جوزيف توكا وتقديمها الدعم اللوجستي لقواته
المتمركزة في النيل الأزرق، بغرض لفت الأنظار إلى جبهة جديدة وتشتيت جهود الجيش
السوداني، وهذا جزء من التخطيط الأثيوبي الذي ينذر بقرب اقتراب سعت (س)، فمنطقة
الكرمك لا تمثل أهمية إستراتيجية لأثيوبيا فهي منطقة معلومة الحدود، وبالتالي
فأثيوبيا لا تريد منطقة الكرمك بقدر حاجتها إلى مناطق الفشقتين، وفي ظل هذه
المستجدات لا نستبعد أن يقوم السودان بالمعاملة بالمثل ومساندة التيغراي والقُمز
في حربهم ضد الحكومة ونزاعهم السياسي داخل الدولة الأثيوبية، وقد فطن أبي أحمد
لذلك ولذا فهو يحاول قطع الطريق ولملمة شعث جبهته الداخلية وتحقيق التوافق
والمصالحة، ودعوته لللاجئين التغراي والقُمز المتواجدين داخل السودان بالعودة
الآمنة إلى ديارهم، ونتيجة لذلك تلاحظ أن المخابرات الأثيوبية تحاول عبر عناصرها
وعملائها التغلغل داخل معسكرات اللاجئين وبث دعوات مطمئنة في أوساطهم بأن الحرب
ضدهم قد انتهت وعليهم العودة إلى مناطقهم.
-3-
وحتى لا ننسى بعض من النوايا الأثيوبية فقبل
أشهر مضت صدرت بعض الصحف والمواقع الإخبارية السودانية وهي تحمل تصريحاً لمسؤول
أمني مفاده أن ﺧﻼﻳﺎ ﺍﺳﺘﺨﺒﺎﺭﻳﺔ ﺗﻤﺪّ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻹﺛﻴﻮﺑﻲ ﺑﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺣﺴﺎﺳﺔ، ولقد حذرنا من
ذلك وقلنا أن المخابرات الأثيوبية لها عناصر وعملاء موجودين داخل السودان وخاصة
بالعاصمة ومعسكرات اللجوء بالشرق، وهنا بالعاصمة بعضهم يعمل بخدمة المنازل
والمطاعم والكافتيريهات والفنادق والمستشفيات والأسواق، وبعض الأثيوبيات يعملن في
بيع الشاي بالأسواق و"الجنبات"ببعض أحياء وطرق العاصمة، بل أن بعضهم
يعملون بالخدمة في منازل لبعض كبار المسؤولين بالدولة، وهذه الأعمال توفر لهم
الغطاء البراق والمناسب للعمل الإستخباري والتجسسي، وقد تغلغل عناصر المخابرات
الأثيوبية داخل الميديا السودانية ويتواجدون بقروبات الواتساب وصفحات الفيسبوك،
ولديهم عملاء بأسماء مستعارة مع إجادة اللغة العربية واللهجة السودانية ويتداخلون
مع السودانيين في مختلف المجموعات السياسية والإخبارية ويبثون أخبار معدة بطريقة
مخابراتية مدروسة للتأثير على الجبهة الداخلية السودانية وخلق تعاطف مع دولة
أثيوبيا، وتوجيه عداء السودانيين نحو مصر واتهامها أنها تقف وراء دفع السودان لخوض
حرب مع أثيوبيا، وشخصياً تحدثت مع سائق عربة أمجاد وقد ذكر أنه كان يقل 3 من المواطنين
الإثيوبيين من المحطة الوسطى إلى اركويت واحدهم كان يحمل كاميرا فيديو وأخرى فوتوغرافية
وقام بتصوير بعض المناطق على طول الشارع مع التركيز على منطقة صينية المركز الأفريقي
ومدخل الشارع المؤدي لمنازل قادة القوات المسلحة، كما قام بتصوير بوابات مطار
الخرطوم المطلة على الشارع، وقد أشارت دراسة أعدها د. خالد عبد الرحمن محمد الحاج
الرئيس السابق لقسم المنظمات والعمل الطوعي جامعة أفريقيا العالمية ـ كلية
الدراسات العليا معهد دراسات الكوارث واللاجئين، قسم العون والأمن الإنساني إلى أن
تزايد الوجود الأجنبي غير الشرعي يقود إلى تعاظم تأثير التهديدات على الأمن الوطني
مثل تهريب البشر واستغلالهم في عمليات إرهابية والجرائم العابرة للحدود مثل
المخدرات والسلاح والتطرف الديني وفي النهب والاحتيال وغسيل الأموال والتزوير
والشعوذة وجرائم النظام العام والجرائم الموجهة ضد الدولة، وتوجد لدى الشرطة
تقارير تشير الى زيادة في الجرائم المرتكبة بواسطة الأجانب مما يعد خطراً على
المجتمع السوداني، كما أن هناك مهدد اقتصادي يتمثل في التحويلات المالية غير الرسمية
والتي تستنزف رصيد البلاد من العملات الحرة مما يشكل عائقاً اقتصادياً كبيراً (بعض
الدراسات الرسمية) أشارت الي ان تحويلات بائعات الشاي والعاملات في المقاهي
والكافيهات بلغت أكثر من (17) مليون دولار في العام 2010م، وكثير من الاجانب
يعملون في المناطق الصناعية بلا رقابة وبلا حصر.
-4-
إن
مثل التساهل الذي يجده التواجد الأجنبي في السودان لا مثيل له في كل العالم،
فأثيوبيا على سبيل المثال لا تسمح للأجانب بالبقاء في أراضيها دقيقة واحدة أو
بالعمل بلا إقامة رسمية.
-5-
وتحسباً لما هو قادم وإستباقاً للمخاطر يجب أن
يتم تفعيل عمل جهاز الأمن والمخابرات للتصدي لمثل هذه الإختراقات، وأن يتم وضع تدابير
حكومية صارمة لحصر العمالة الأثيوبية بالأماكن الحيوية، ووضع خطة لبدء حملة شاملة
وإبعاد الأثيوبيين الذين لا يملكون أوراق ثبوتية وتأشيرات دخول معتمدة.
0 تعليقات