عز الدين البغدادي
رغم أن حزب البعث
كان ينظر إلى كثير من الطقوسيات الدينية على أنها رجعية، إلا إن كثيرا من قياداته (خصوصا
السنة) كانوا متدينين، لكن كثير منهم أيضا كانوا بعيدين عن الدين ويشربون الخمر
ويحضرون الحفلات في النوادي، فالموقف من
الدين لم يكن قضية رئيسية في الحزب.
لكن في سنة 1993
تغير الأمر حيث انطلقت ما تعرف بالحملة الإيمانية، حيث منع بيع الكحول وأصبح
الاستهلاك العلني يعاقب عليه بالسجن، كما أصبحت دراسة القرآن مادة أساسية في منهج
التربية الوطنية، وأضيفت كلمة "الله اكبر" في وسط العلم العراقي، فضلا
عن إدخال عقوبات مثل قطع اليد للسارق ونحوها، مع انطلاق حملة كبيرة لبناء المساجد،
وصار يعبر عن صدام بعبدالله المؤمن.
في تلك الفترة أيضا
صعد المد الوهابي في العراق بشكل غير مسبوق، كما ظهرت مرجعية السيد الشهيد محمد
الصدر، وقد رأيت أن بعض الإخوة ينظرون إلى هاتين الظاهرتين باعتبارها من إفرازات
الحملة الإيمانية. لكن برأيي أن هذا الفهم غير صحيح أبدا، فمجرد اقتران هذه
الظواهر لا يعني أن احدها سبب والآخر نتيجة، فربما تكون نتائج لسبب آخر أعلى.
والحقيقة ان هذه
الظاهرة ليست ظاهرة عراقية محضة حتى نفسرها بأنها نتاج سياسة الدولة والحزب، بل هي
حالة عالمية يمكن ان نصفها بعنوان "المرحلة الإيمانية" والتي يمكن ان
يكون سقوط الشيوعية من أسبابها، فالسلفية انتشرت بشكل كبير في كل دول العالم، وحتى
في أوربا وأمريكا ظهرت حركات تحمل رؤية دينية، بل حتى الأحزاب السياسية القديمة
كالحزب الجمهوري في أمريكا طغت عليه الانجليكانية الصهيونية رغم انه حزب علماني. وفي
الهند تضعضع وضع حزب المؤتمر العلماني لصالح أحزاب هندوسية متطرفة دينيا، كما صار للأحزاب
والحركات الدينية اليهودية دور اكبر في الكيان الصهيوني، وبالتالي فإن موقف النظام
في ذلك الوقت لم يكن غير تأثر بالحالة العامة.. اذكر في تلك السنوات، كنا في
الجامعة يندر أن تجد فتاة محجبة، وفجأة وبعد حرب الخليج صار من النادر أن تجد فتاة
غير محجبة، وصار الخطاب الديني يجد مقبولية واسعة جدا..
الأفكار لها دورات
ومراحل، فالاشتراكية كانت لها مرحلة كبيرة، وكذلك القومية، ثم الإسلامية، والتي
نرى الآن نفورا عاما عنها، ثم صعدت الآن حالة من اللا انتماء والدعوة الى
العلمانية الانسنة والعقلانية، لكنها غير ممنهجة ولا تجد لها قاعدة اجتماعية، بل
هي اقرب الى العبث الذي سينتهي بالفشل حتما.
حركة الشهيد الصدر
نتجت من المرحلة الإيمانية نعم لكن لم تنتج عن "الحملة الإيمانية البعثية"،
بل ان النظام بسبب حرجه وهو يرى الأعداد الكبيرة في صلاة الجمعة كان يصور الأمر
بأنه من نتاج الحملة الإيمانية لئلا يظهر الأمر وكأنه خارج سيطرته وسلطته.
واغرب ما قرأته ما
ذكره بعض الإخوة من أن البعثيين كانوا يدرسون كتب ابن تيمية، وهذا غير صحيح، بل
وغير ممكن لأن الثقافة الحزبية هي ثقافة كراريس وفي أفضل الأحوال كتب فلسفية او
سياسية ولا يستطيع المثقف الحزبي أن يقرأ أو يستوعب بل ولا يقتنع بكتاب مثل كتاب "منهاج
السنة" بأجزائه الثمانية.
نعم في تلك المرحلة
كان هناك تقارب بين الوهابية والبعث، لكنه تقارب حذر متذبذب فالوهابية كانوا ولا
زالوا ينظرون الى البعث كحزب علماني كافر، كما انتقال بعض البعثييين الى الوهابية
بعد الاحتلال لم يكن تعبيرا عن هذا التقارب بل الانتقال التام من رؤية الى آخرى، أما
الحديث عن تقارب داعش مع البعث فهو ابعد لأن داعش تكفر وتقانل القاعدة وطالبان
فكيف تتقارب مع حزب علماني قومي اشتراكي؟
الحديث تسلسل لكن لا
بأس، فهناك أمور تحاول دعاية أحزاب المرحلة ان تخلط واقعها.
0 تعليقات