بقلم : د. أحمد السيد دبيان
——
بداية ، دعونا نسترجع تعاريف كلمة الثورة ،Revolution
تتكون كلمة الثورة بالانجليزية من مقطعين
Re
بمعنى إعادة
والمقطع الثانى منevolution
بمعنى انطلاق أو إحياء أو تطور ،
وتعنى هنا بالمعنى اللغوي إعادة بعث ، أو إعادة
إحياء .
يبقى التعريف السياسي لكلمة ثورة ، وفى أحدث
تعريفاتها،
الثورة ، هى تغيير سياسى اجتماعي، تقوم به
الأمة عن طريق، جماهيرها أو طلائعها، أو نخبها القانونية أو الدستورية، أو
العسكرية .
حيث يحدث التغيير السياسي، والتغيير الاجتماعي
كشرط وجوبى لتعريف الثورة .
مقالنا هنا مقال جدلى، يستخدم فرضيات سياق
تاريخى حدث، وقد كانت نتائجه لتختلف اختلافاً جذرياً لو لم تأتى ثورة يوليو فى
سياقها التاريخي والإنساني .
فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢ خرج الجيش بطلائعه الثورية
، والمكونة من ضباط متوسطى الرتبة والأعمار، ليقيموا تغييرين سياسيين ، الأول تمثل
فى الإطاحة ، بحكم خاضع للاحتلال ، لم ينجح طوال عقود مُذ أعلنت السلطنة تحت
الحماية والهيمنة البريطانية كلفظ مهذب لكلمة الاحتلال ، عام ١٩١٤ ، وحتى حين
تحولت بعدها الى مملكة عام ١٩٢٢ بمباركة من المحتل وفى لى قسرى لحركة التاريخ
والتفافاً على ثورة جماهيرية قامت فى عام ١٩١٩ ، وفى الحالين كانت الهيمنة
البريطانية ترسخ لأنظمة تحت حكمها تستفيد منها إنجلترا سواء بمواردها كاقتصاد
زراعى ، لم يتطور صناعياً وكانت تعمل على إبقائه كذلك حتى لا يلج فى حقبة الثورة
الصناعية بتطوراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
أو كشريان لطرق مواصلاتها نحو كنزها الأكبر
فى الهند وشرق آسيا .
وفى الوقت ذاته لا تلتزم إنجلترا مع استفادتها
الأحادية باى التزام اقتصادي أو اجتماعي تجاه المستعمرة الخاضعة لها .
لم تنل لا السلطنة المصرية ولا المملكة فيما
بعد استقلالاً حقيقياً ، وكان الساسة والذين فشلوا على مدار عقود فى تحقيق اى
استقلال حقيقى سواء عام ١٩٢٢ او عام ١٩٣٦ والذى انتهى بإعلان مصطفى النحاس باشا
والذى اتى للحكم على فوهة الدبابات البريطانية عام ١٩٥١ بإلغاء معاهدة ١٩٣٦ من
جانب واحد وبمقتضى هذا القرار ، وهو من وقعها قبل هذا عام ١٩٣٦ عادت مصر
De facto
فعلاً وقانوناً دولة تحت الاحتلال.
والثاني هو طرد الاحتلال ذاته.
أما عن التغييرات الاجتماعية والدفع الاجتماعي
الذى أحدثته الثورة فى النسيج الاجتماعي المصري فحدث ولا حرج من تمصير لتأميم
لتقليص الفجوات بين الطبقات .
مقالنا هنا يطرح فرضية لو لم تقم ثورة يوليو
، ما هو السيناريو الذى كان ليحدث ؟!!!!
أولاً بقيام الانجليز فى ديسمبر عام ١٩٥١
بمحو قرية كفر احمد عبده وهدم منازلها، واقتحام ومحاصرة ، مبنى المحافظة فى
الإسماعيلية ، وقتل أكثر من ٥٠ شرطى من بلوكات النظام ، كانت إنجلترا ترسخ ،
لحقيقة وجودها فى القناة ، ومع وثائق تتكشف بطلب انتونى ايدن وزير الخارجية ( والمستعمرات
وقتها ) من قائد قاعدة قناة السويس، تحريك أربعين ألف جندى من قوات القاعدة ( لم
يكن هناك عدد أقصى محدد لقوات بريطانيا فى قاعدة قناة السويس )!!
لإعادة احتلال القاهرة والدلتا ، بعد حريق
القاهرة ومقتل عشرة رعايا بريطانيين فى الأحداث ،فى سيناريو يذكرنا بحادث المكارى
سيد العجان والمالطى ، والذى تحت ذريعته احتلت بريطانيا مصر عام ١٨٨٢ .
ولولا هجمات الفدائيين والذين كان يقوم
بتدريبهم عناصر من الضباط الأحرار، وخشية القائد البريطاني من حرب عصابات ،
تستنزفه وتهدد القناة ، لقام بهذا التدخل .
وربما وقتها كان سيتم عزل الملك فاروق كخطوة
تهدئة للغضب الشعبى وتعيين احمد فؤاد ، ولى العهد المولود قبلها بأيام ، تحت وصاية
الأمير محمد على . وتشكيل وزارة من وزارات الوفد أو الأحرار الدستوريين ، وتظل
الهيمنة البريطانية فى تكرار لسيناريو عزل عباس حلمى الثانى ، وتعيين السلطان حسين
كامل .
نأتى بعدها ، لسياسات الدفاع عن الشرق الأوسط
،
والتى أتت كناتج ، لانتهاء الحرب العالمية
الثانية بنصر كاسح صنعه السوفييت ، اول قوات برية تدخل برلين ، وتخوف أمريكا
وانجلترا ، وعقد مؤتمر يالطا ، لتحديد مناطق النفوذ .
كانت مصر ستنضم فعلياً ، لحلف بغداد ، مع إعلان
شكلى ، عن مزيد من الاستقلال وانسحاب بريطانى آخر من الدلتا نحو القاعدة فى السويس
،
يبقى التأميم و الذى ما كان ليحدث ، وتبقى
القاعدة والقناة تحت النفوذ البريطاني الفرنسى ، ليأتي عام ١٩٦٨ ليتم إرغام مصر
على القبول بهيئة دولية للإشراف على القناة ( تدويلها )..
وربما يتم إعطائها مقعد واحد من مقاعد هيئة
المنتفعين .
على الجانب السياسى ، كان الاتحاد السوفيتي. يحاول
البحث عن موطئ قدم فى الشرق الأوسط منذ شحنة القمح السوفيتى لمصر فى عهد النقراشي
باشا ،
ومع اللقاء على متن الطراد كوينسى ، بين
الملك فاروق والرئيس روزفلت العائد من مؤتمر يالطا فى البحيرات المرة ،
كانت مصر لتصبح ساحة أخرى من ساحات الحرب الباردة
دون استفادة الشعب المصرى فعلياً من هذا الصراع .
ومع تصاعد النفوذ الامريكى ، والذى ما كان
ليكون له دور دون موطئ قدم فى قناة السويس ، وبعد حلف بغداد والذى لم يكن ليسقط
الا بثورة العراق كناتج مباشر للحراك الثورى فى مصر .
كان السيناريو ليكون تحول مصر المملكة
وبالتدريج لتصبح قاعدة قناة السويس أمريكية مع بقاء إنجلترا فى قاعدتها فى عدن شرق
السويس ، ليكون البحر الأحمر والقناة منطقة نفوذ أطلسي .
على الجانب الاقتصادي والاجتماعي ،
كانت مصر المملكة لتظل مجتمع النصف فى المائة
تنهشها أوبئة الكوليرا يحكمها خمسة عشر عائلة يرسخون كومبرادور لنفوذ المهيمن
الامريكى ، والمهيمن البريطاني وليستمر بنك باركليز أو نظيره الامريكى بعد توقيع
مصر فى الأربعينيات اتفاق التجارة الحرة وربط الجنيه المصرى بالدولار ، لتصير
البنوك الاجنبية وصندوق النقد الدولى هى المهيمن الاقتصادى على النقد المصرى ،
لم يكن التعليم ليصير مجانياً ، وما كان
الحراك الاجتماعى والاقتصادى بتعليم الستينات والذى اخرج كوادراً استطاعت ان تحقق
الدفع الاجتماعى بنيلها تعليماً جيداً ،
ما كان للسد العالى ان يتم إنشاؤه وكانت
المجاعة لتضرب مصر فى الثمانينات مع سنوات الجفاف .
كانت القرى لتظل بلا إنارة ، وبيوتها من
الطين الَلَبن ، واكبر مشاريع الدفع الاجتماعى التبرع بقرش او بجنيه او بدولار من
اجل توفير الكسوة والغذاء والحذاء وحتى العلاج .
وبالطبع ما كان ل ١٩٥٦ ولا ١٩٦٧ ان تحدث لمصر
خانعة تابعة وفى اعتقادى كانت معاهدة الصلح لتتم بعد انضمام مصر لحلف بغداد.
ثورة ٢٣ يوليو من ١٩٥٢ وحتى ١٩٧٠
جاءت جملة اعتراضية فى تاريخ مصر السادرِ فى
التبعية والمرسخ لحكم السادة والعبيد ،
وتظل محاولات الاغتيال المعنوى لهذه الثورة
وقائدها ، هى محض محاولات الهيمنة والترسيخ ، لحكم الطبقة المنتفعة ، المرسخة لحكم
المستنزف الأجنبى والذى لم ينسى أبداً صفعات ثوار ١٩٥٢ والذين كانوا ليتم منحهم
الباشوية كأقرانهم وكانوا ليحققوا بها صعودهم الاجتماعى اذا ما فرضنا جدلاً كما
يروج التوافه ان هذا هو دافع ثورتهم.
0 تعليقات