عامر بدر حسون
كانت أيامنا الحلوة (مثل كل أيام حلوة لأي جيل عبر التاريخ) كذبة ساحرة
وعيش في الأحلام والخيال رغم مرارة الواقع.
وعثرت في أرشيفي على بعض من ملامح "الأيام الحلوة" لجيلي:
1 - فيلم أيامنا الحلوة.
2- جريدة تعكس الإعلام الذي عشنا
في أكاذيبه.
3- البيان الشيوعي.
*
1- أيامنا الحلوة:
الصورة التي تراها هي لمجموعة كلها "فقراء" وهم لفقرهم يعيشون
على السطوح.. لكنهم رغم ذلك في منتهى الأناقة والرقة والتضحية.
فاتن حمامة تعيش في غرفة على السطوح وهي خريجة احد الملاجئ ويعيش في غرفة أخرى
على السطح جيرانها الشباب عبد الحليم حافظ وعمر الشريف واحمد رمزي.
يقع الثلاثة (ووقعنا معهم نحن جمهور تلك الأيام) في حبها.
وفي عز الحب والأغاني والمرح والحب المكتوم من طرف واحد نفاجأ بمرض فاتن
بالسل (وهو مرض قاتل في تلك الأيام) ويحتاج إنقاذ حياتها لعملية تكلف مبلغا كبيرا
فيتسابق الثلاثة لإنقاذها وتدبير المبلغ.
فيقوم الشباب بالتضحية هكذا:
يقوم احمد رمزي لتوفير المبلغ بخوض مباراة ملاكمة تهشم وجهه..
ويقوم عبد الحليم حافظ بالزواج من قريبته الغنية "بخاطرها" حتى
يوفر لحبيبته المبلغ!
ويقوم عمر الشريف بتضحية نسيتها لتوفير المبلغ وتنجح العملية.
فلمن تكون فاتن حمامة ومن ستختار؟
الواقع أن الموت هو من سيختارها لينتهي الفلم والأصدقاء الثلاثة يواصلون
حياتهم وصداقتهم.
لم نسال ونحن نعيش الحب والتضحيات عن واقعية الأحداث فقد استمتعنا كشباب
بما عشناه من حب وتضحية، وكانت وظيفة السينما يومذاك، وكما عرفها احمد بدرخان، هي إدخال
الفقراء لفلل وقصور الأغنياء وملاهيههم والتمتع بأجوائهم لان حياتهم كانت كئيبة
بما فيه الكابة!
*
2- إسرائيل تصرخ!
ولان واقعنا كشباب في السياسة كان في غاية البؤس فقد كانت صحافة جمال عبد
الناصر تقدم لنا وصفة بدرخان السينمائية البريئة بكل خبث في الإعلام.
فيومذاك كانت إسرائيل، كما هي الآن، وحش إجرامي واستيطاني توسع مساحتها
بالاحتلال وتوسع مساحة مخيمات الفلسطينيين
المطرودين من أرضهم لكن الإعلام كان يصنع "أيامنا الحلوة" بعناوين صحفية
أهونها ان "إسرائيل تصرخ" وانه سيتم رميها في البحر وكنا نعيش الحلم
والخيال ونتذوق لذة النصر دون بذل جهد ما دام القائد يقوم كما الممثلين بكل شيء
نيابة عنا!
وها قد كبرنا وكبرت إسرائيل بجرائمها وكبرت مخيماتنا بضعفنا وكذبنا.. ونجوم
في سياستنا وإعلامنا يدافعون عن إسرائيل ويطالبون العراقيين بالتطبيع معها، أسوة بدول الخليج، وبرلماننا عاجز حد انه
لا يجرؤ على إصدار قرار، ولو من باب المزايدة، يدين التطبيع مع إسرائيل ويفرض
عقوبات على من يقومون بالدعاية لها كما فعل البرلمان الكويتي من أيام!
*
3- البيان الشيوعي
والبيان الشيوعي هو كتيب أصدره كارل ماركس وفردريك انجلز عام 1848 وقراناه في "أيامنا الحلوة" فوسع مع
كتب أخرى من مساحة أحلامنا ورغبتنا في تغيير العالم بأكمله (وليس تغيير حياتنا او
تغيير وضع دربونتنا) وكنا كشباب مسحورين ببساطته وعمقه:
فهو يقرر ان تاريخ المجتمعات هو تاريخ الصراع بين الطبقات: الطبقة التي
تملك كل شيء والطبقة التي لا تملك شيئا.. وفهمنا بأحلامنا ان الصراع بين الأغنياء الأشرار
والفقراء الأبرار ومتى ما انتصر الأبرار (وهم نحن الأكثرية الساحقة) على الأشرار
فان العالم سيصبح جنة وربيع بمعنى الكلمة:
* الدولة ستضمحل وتختفي!
* المال سيختفي إذ لا لزوم له!
*السلاح سيوضع في المتاحف!
* القوميات ستختفي!
* الإنتاج سيكون وفيرا وسيعمل كل إنسان وفق طاقته لكنه سيحصل على كامل
حاجاته وليس على ما يقابل عمله ومجهوده!
هل رأيت نبلا بهذا القدر من "العلمية" والسذاجة؟
*
وهاهو العمر يمتد بي وبمن بقي من جيلي لأرى ان القوى السياسية الأكثر سيطرة
وتأثيرا في المجتمع وفي حياتنا هي القوى السياسية التي تنتظر ظهور الإمام المهدي
ليقيم دولة العدل وهي منقسمة بين قوى تنتظر ظهوره لإقامة الدولة وقوى تسعى لإقامة
الدولة الآن حتى تسلمها له عند ظهوره!
وقوى أخرى تريد إقامة دولة الخلفاء الراشدين أو دولة بني أمية وبني العباس
والعثمانيين.
وفي هذا الجو يعيش شباب اليوم وهم يواجهون اكبر تحد في تاريخ البشرية وهو
الانترنيت الذي حول العالم الى بيت للعائلة!
*
لقد ولدت في منتصف القرن العشرين وبعد أيام سأدخل العام 72 ولا أجد ان لدي
في أحلامي و"خبراتي" ما يمكن تقديمه للشباب غير تحذيرهم ممن يوعدهم
بالعيش في "أيامه الحلوة"!
0 تعليقات